محمد عبدالقادر الجاسم يرى أن ما نمر به اليوم تطور طبيعي ليس بحاجة لاستعمال لغة التهديد والوعيد بالحرمان من الديمقراطية والحرية!

زاوية الكتاب

كتب 1617 مشاهدات 0



 
دستوريات! 
 
كتب محمد عبدالقادر الجاسم

عندما يقرأ المرء عن تجارب الدول العريقة في الديمقراطية يكتشف أن بعض المشاكل التي نعاني منها اليوم في الكويت شبيهة بالمشاكل التي مرت بها تلك الدول في بداية مسيرتها الديمقراطية، ومن هنا يمكن القول أن علاج مشاكلنا في إطار العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة لا يحتاج إلى «وصفة كويتية» خاصة بل يكفينا الاطلاع على تجارب الدول التي سبقتنا والتعرف على التطور الذي لحق بالممارسة السياسية ومن ثم الاقتباس من تلك التجارب بما يتناسب مع واقعنا السياسي من دون الحاجة إلى تهديد بحل مجلس الأمة والانقلاب على النظام الدستوري، ومن دون حاجة لصرف المال السياسي ومن دون حاجة لشراء وسائل إعلام وتوجيهها لضرب النظام الدستوري.
ولأن نظامنا السياسي يميل نحو النظام البرلماني، فإنه لابد من الاطلاع على تجارب الدول ذات النظام البرلماني وتطور الممارسة البرلمانية فيها. وفي هذا الصدد يلزم أيضا معرفة الأصل التاريخي لبعض القواعد الدستورية الواردة في الدستور الكويتي.
وعلى رأس تلك القواعد تأتي قاعدة عدم جواز مساءلة رئيس الدولة، فهذه القاعدة نشأت في انجلترا حيث الملك لا يسأل سياسيا ولا جنائيا، ويترتب على هذه القاعدة أن السلطات الفعلية يجب أن تنتقل من رئيس الدولة إلى مجلس الوزراء، فهذا المجلس هو الذي يقوم بأعباء الحكم والإدارة وهو الذي يحاسب من قبل البرلمان، كما يترتب على هذه القاعدة أن رئيس الدولة لا يستطيع العمل منفردا بل لابد من مشاركة الوزير المختص أو رئيس مجلس الوزراء. كما يترتب على ذلك أن تعيين الوزراء وإن كان يتم بقرار من رئيس الدولة، إلا أن اختيار الوزراء هو من إطلاقات رئيس مجلس الوزراء إذ يتمتع الأخير هنا بسلطة واسعة.
أما عن مشكلة تدخل رئيس الدولة في الإدارة الفعلية لشؤون الحكم فيقول الدكتور إبراهيم شيحا «ان هذه المشكلة تمثل أعقد المشكلات السياسية في الدولة الحديثة العهد بالنظام البرلماني، فما أن تلبث الدول تعتنق هذا النظام كأسلوب للحكم حتى يثار على التو التساؤل عن دور رئيس الدولة، هل هو دور سلبي بحت، أم أنه يكون لرئيس الدولة سلطات فعلية في شؤون الحكم؟» ثم يوضح الدكتور شيحا أن الفقه اختلف حول هذه المسألة، فهناك من يرى أن دور رئيس الدولة هو مجرد دور سلبي بحت، وهناك من يرى أن ليس هناك ما يمنع من أن يكون لرئيس الدولة دور إيجابي، وهناك رأي ثالث يرى أنصاره أن اشتراك رئيس الدولة في الحكم لا يجعل منه شريكا مساويا للوزارة في السلطة بل تظل الوزارة هي المحور الرئيسي في شؤون الحكم.
أما عن دور مجلس الوزراء في النظام البرلماني فإن الوزارة هي «أداة للحكم والتقرير حيث تملك في المجال الدستوري سلطة البت في شأن رسم السياسة العامة للدولة وتنفيذها» كما يقول الدكتور شيحا في كتابه «وضع السلطة التنفيذية في الأنظمة السياسية المعاصرة».
لقد أردت من خلال العرض السابق التنبيه إلى أن بعض مشاكلنا اليوم سبق أن مرت بها دول أخرى، وكان التطور الطبيعي للأمور يقود نحو تحسين الممارسة السياسية من دون حاجة لاهتزاز العلاقة بين الحكم والشعب ومن دون استعمال لغة التهديد والوعيد بالحرمان من الديمقراطية والحرية!
 

 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك