محنة الحبيب للعاقل واللبيب

محليات وبرلمان

يوم انقطعت الكهرباء بالتفاحة الكبيرة

7838 مشاهدات 0

مدينة نيويورك

رأينا

 في الثالث عشر من يوليو عام 1977 ضرب انقطاع شامل للكهرباء مدينة نيويورك لمدة ساعات، وتحولت خلالها 'التفاحة الكبيرة' كما يسميها أهلها إلى ساحة حرب وضرب وسلب ونهب، وقد هال العالم كله كيف تحولت مدينة تمثال الحرية ومقر الأمم المتحدة والفن والعروض والجمال والسينما إلى هذه الفوضى العارمة نتيجة لانعدام الرؤية وغياب القانون.
 إن الأجواء التي تعيشها البلاد هذه الأيام خطيرة وتنذر بما هو أخطر، وهي ستوديء انعدام الرؤية والظلام الدامس ما لم يتم تدراك الوضع وبأسرع وقت ممكن.
 إن هذا التشدد في عدم اقامة الندوات من جانب الحكومة، لايمكن ان يعتبر انتصار حكومي للوحدة الوطنية خاصة وأن الاجراء غير دستوري بعد سقوط قانون التجمعات بحكم المحكمة الدستورية منذ سنوات تجاوزت الاربع والحكومة حتى اللحظة عاجزة عن تقديم قانون للتجمعات ينسجم والدستور!
  كما ان احدا لايمكن أن يصدق أن الحكومة تنتصر للوحدة الوطنية بمنعها للندوات، وهي تتقاعس عن تفعيل قوانين قائمة مثل المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع-مع تحفظنا عليهما، على ما يخرج من بعض وسائل الاعلام التي تخترق دوما وبشكل واضح القانونين المذكورين !
 العلة واضحة وتكمن في التردد الحكومي وانعدام الرؤية وتردد القرار لديها منذ أول تشكيلاتها، فهذه الحكومة ترددت في وضع عماد مغنية: فبينما قال بيانها الرسمي أنه إرهابي، قال رئيسها في مقابلة صحافية بعد ذلك أن لا دليل لديها لإدانته، وبينما زجت ببعض من أبنوه السجن دون الاستناد إلى قانون، راحت تعين بعضهم وزراء في حكومتها بعد أيام قليلة من اعتقالهم جنبا إلى جنب مع وزير الداخلية الذي اعتقلهم قبل أيام، وبينما أطلقت جرافاتها لإزالة التعدي على أملاك الدولة من قبل المواطنين البسطاء، لا زالت تتفرج عاجزة عن تطبيق القانون على تجاوزات الكبار، وبينما تراجعت بأدائها في محاسبة الفساد، تتراجع في حسم قرارات رياضية بسيطة شهدنا خلالها 'مهزلة': شيل الفلاح حط الجزاف، رد الفلاح شيل الجزاف، وفي وقت ترفع فيه شعارات الوحدة الوطنية، نراها تقف متفرجة على غياب قانون تجريم خطاب الكراهية المعمول به في كل الدول المتقدمة التي تميز بين حرية التعبير، وحرية الازدراء والشتم والتحقير. وبينما أزالت جرافاتها مسجدا مخالفا مبنيا على أملاك الدولة، راح رئيسها يتعهد للنائب محمد هايف بإعادة بنائه على حسابه الخاص، وبينما راحت تضرب الشعب بالقوات الخاصة لمنع الانتخابات الفرعية، وقفت عاجزة عن تقديم قانون يجيز الوضع القانوني لاتحاد الطلبة بالجامعات واتحادات الأساتذة بالأساتذة والتطبيقي والجامعات الخاصة والنقابات العمالية وغيرها.
 وانتظرت الحكومة مهزلة المدعو محمد الجويهل وخطاب الكراهية الذي يبثه دون رادع، مترددة عن الدفع والاستعجال بقانون تجريم خطاب الكراهية الذي يمكن أن يردع ويحاكم على أساسه الجويهل والبذالي والحبيب وغيرهم.
  إلى أن جاءت مهزلة شتائم ياسر حبيب لتفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات كبار: كيف خرج من السجن وهو محكوم بعشر سنوات؟ وكيف هرب من البلاد شخص مطلوب بسبب ارتكابه مخالفة قانونية؟ وكيف يمكن التعامل معه أو مع من على شاكلته إن كان خارج البلاد؟ وهل لدى الحكومة خطة بديلة لمقاضاته حيث هو بموجب القوانين البريطانية التي تمنع خطاب الكراهية؟
واستمر تخبط الحكومة في مسألة سحب جنسيته- مع تحفظنا على الاجراء- بين السحب والإبقاء استمرارا لسياسة التردد والخوف من عدم اتخاذ قرارات جرئية تقي البلاد شر الفتن والمحنة، ومن يقرأ تصريحات رئيس الوزراء بالوكالة الشيخ جابر المبارك أثناء لقاء الصحف، لا يفهم منها ما هو الاجراء الذي اتخذته الحكومة بحق المدعو ياسر حبيب.
 فنائب كالدكتور وليد الطبطبائي يمثل كتلة برلمانية ظهر وأعلن أن 'أطرافا حكومية' أبلغته بعزم الحكومة قبل اجتماعها الأخير باتخاذ قرار سحب جنسية ياسر الحبيب ، ولم ينف احد بالحكومة هذا الأمر ، ما يجعل الخبر صحيحا ، فلماذا تأجيل القرار ان كان هناك قرار أصلا؟ وان لم يكن هناك قرار، فلماذا يترك الخبر من دون نفي؟ خاصة وان القضية أصبحت محط انظار الدوائر السياسية ووسائل الاعلام العالمية قبل المحلية والاقليمية !
 وهل نسي الناس التردد والتخبط في- أم الفضائح- مسألة التجنيس واستصدار مراسيم بمنح عشرات الأشخاص الجنسية الكويتية ثم وقف منحها بعملية هزلية وسحبها مرة أخرى؟
  ومع أننا لانؤيد على الاطلاق جعل أمر سحب الجنسية بيد السلطة التنفيذية وحدها، ونطالب بوضعه بيد السلطة القضائية من خلال رفع الغطاء السيادي عنه، كما حصل في موضوع منح تراخيص الصحف وسحبها الذي ظل حتى قانون المطبوعات والنشر الأخير قرارا سياديا لايمكن للمحاكم أن تنظر في تظلمات المتضررين منه، ولكن ازدواجية التعامل الحكومي في موضوع ازدواجية الجنسية، تجعل المرء يتشكك في دوافع الحكومة من الاثارة الأخيرة لموضوع الازدواجية وتوجيهها نحو فئة اجتماعية بعينها، لتصل من خلال تلك الاثارة المتعمدة والانتقائية إلى التشكيك في الولاء للوطن، غير عابئة بالآثار والنتائج الخطيرة المترتبة على ذلك، فقبل أقل من شهرين عقد مجلس الوزراء اجتماعا استثنائيا لسحب الجنسية من خالد المريخي فور تفوهه بما خرج عنه بما لا يليق بالوطن، بينما في حالة الحبيب، ورغم اعترافه قبل ثلاث سنوات بحمله جواز سفر اجنبي، فإن التردد هنا هو سيد الموقف! فما هي الرسالة التي تريد ان توصلها الحكومة لأبناء الشعب الكويتي من خلال هذا التردد؟ هل يمكن ان يصدق كويتي واحد ان حكومته تريد الحفاظ على الوحدة الوطنية بترددها؟ هل يصدق احد ان الحكومة تريد ان تحمي المجتمع الكويتي من التمزق وهي بأحسن الأحوال متفرجة عليه بل راعية له بترددها في حسمه؟ ثم هل يمكن ان يصدق عاقل ان الحكومة لا تميز في اجراءاتها المصيرية بين ابناء شعبها ؟
 لذا، وامام هذه المعطيات، فإن التفسير المنطقي لكلام رئيس مجلس الوزراء بالإنابة- معالي الشيخ جابر المبارك الصباح-  في لقائه الاعلامي المكتوب عن عزم الحكومة ' باتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة لردع العبث بأمن البلاد والمساس بالوحدة الوطنية '، لا يمكن أن يترجم على أنه القيام بإجراءات قانونية جدية مستمرة ومتناسقة وعادلة وتطبق على الجميع بسواسية، ذلك أن سجل هذه الحكومة، هو سجل مليء بالتردد والتخبط والفشل والكيل بمكاييل مختلة، وهو سجل لا يمكن تعديل مساره بنفس الفريق الذي رسم له طريق التخبط والانهيار.
 تصريحات رئيس الوزراء بالوكالة لا تتعلق باجراءات من شأنها الحفاظ على الوحدة الوطنية وأمن البلاد، بقدر ما هي التضييق على الحريات بأنواعها، فالندوات يتم حظرها في ظل عدم وجود قانون يمنع تنظيمها، والحريات الاعلامية سواء مايتعلق بالمنشور منها او بالمرئي والمسموع ، رشحت تسريبات عن النية لتقدم الحكومة بتعديلات متشددة وخانقة للحريات على القانونين !   
 إن البلاد تمر بساعات خطيرة –لا نبالغ إن قلنا أنها الأخطر في تاريخ لحمتها الوطنية وتعايشها السلمي الداخلي، وهي شبيهة بساعات انقطاع الكهرباء والظلام الذي حل بنيويورك قبل ثلاثين عاما، ولا نرى مخرجا لهذه الأزمة دون الاستناد إلى القانون وتطبيقه بحذافيره وضمن رؤية واضحة تطرحها حكومة قوية ذات رؤية وقرار، وهو ما تفتقده هذه الحكومة التي يجب أن ترحل- أو على الأقل- يرحل بعض عناصرها المسئولين مسئولية مباشرة عن هذا التدهور والتخبط الذي سيقودنا للدمار.

رأينا

رأينا الآن

تعليقات

اكتب تعليقك