ليس لأنهم شيعة:

زاوية الكتاب

من هم حلفاء السلطة بانقلابها الثالث على الدستور؟

كتب 14020 مشاهدات 0


كتب سعد بن طفلة
 هو انقلاب ثالث على الدستور الكويتي تمارسه السلطة الكويتية حيث تنفرد بالقرار والتشريع والثروة، محتمية بذلك وراء السلطة القضائية التي تحاول جاهدة أن تزجها قسرا لتبرر لها انفرادها المطلق بالسلطة بالبلاد، حيث نشهد تعطيل متعمد لمجلس الأمة، ومحاولة لتطويل عمر مجلس 2009 الذي أسقطه الشعب الذي انتخبه، وتعديل للدوائر الانتخابية خارج إطار التشريع النيابي للإتيان بمجلس أمة أكثر طواعية وتماشيا مع السلطة في سياساتها الفوضوية التي شلت البلاد وفرقت العباد ونهبت الثروات وأشاعت الفساد وتقود البلاد كل يوم نحو الانهيار التام وربما تلاشي واضمحلال الدولة شيئا فشيئا.
 وتحيط السلطة نفسها بثلاث فئات يعززون لها هذا الانفراد والتفرد بالسلطة والقرار:
1. الجاهل واللص والمحتال:
فئة نفعية مصلحية من سقط المتاع لهم سجلات إجرامية لا يملكون خطابا سياسيا سوى التحريض على الشعب بحجج أن المطالب المشروعة للإصلاح هي انقلاب على حكم آل الصباح الكرام، وهو هرطقة تجد آذانا صاغية لدى السلطة، وتستهويها بخطابها الممجوج ولغتها المتدنية ضد المعارضة، وهؤلاء لا يشكلون امتدادا شعبيا ولا تأثير لهم سوى من وسائل إعلام فاسد يسترزقون من خلاله ويطبلون لإجراءات الاستفراد الدكتاتورية التي تنتهجها السلطة. والمحزن أن هؤلاء أصبحوا هم 'السياج' الذي يحيط بالسلطة حيث يضيقون عليها الدائرة وتنظر للأشياء من خلالهم، فأصابها عمى الألوان ولم يعد يصلها صوت آخر، وإن وصلها أو تم إيصاله فهو من باب رفع العتب وليس من أجل الاستماع للنصيحة النصوح من قوى مخلصة أو شخصيات وطنية قلقة على البلد ومآله.
2. لصوص الوطنجية:
وهي قوى فساد ومناقصات وعمولات بالمليارات تحيط بالسلطة وتسترزق على ما تسهله لهم من نهب منظم لثروات البلاد بمشاريع مليارية لم يتم منها سوى مخططات على الورق أو هياكل اسمنتية آيلة للسقوط أو استقدام معدات 'مضروبة' لمشاريع لم تر النور بعد سنين من استلام مستحقاتها التي تضاعفت بمهازل ما يسمى 'الأوامر التغييرية'. وهي قوى تدعي الوطنية وترفع شعارات عفى عليها الزمن، وتمارس خطابا فئويا وعنصريا بغيضا في مجالسها الخاصة وفي كتابات 'تُبّعها' وتابعيها الذين يعيشون على ما يجودون به عليهم من فتات المناقصات، ومن تلميع في مناصب زائلة. إن هذه القوى تؤيد إجراءات السلطة بذرائع مختلفة ومختلقة: فتارة هي حريصة على الدستور، وأخرى تريد الحفاظ على المبدأ والمبادئ، ووراء الغرف المغلقة يرددون بعنصرية وفئوية بغيضة: يبا ما نبي هالديمقراطية اللي يابت لنا البدو واللفو والطراثيث! وكأن الديمقراطية فصلت لتأتي بنمط واحد فقط من الألوان السياسية بالبلاد، ولسان حالهم: نحن أو الطوفان.
 إن هذه القوى مستعدة للتفريط بالدستور والمكتسبات الدستورية تحت ذرائع مختلفة، وقد تتفاجأ أن بعضها يرفع شعارات وطنية وهو غارق بالفساد والعمولات والمناقصات المليارية التي 'برّته' السلطة بها، وتجدهم من أجل ذلك قد تناسوا كافة الخلافات التي كانت بينهم لأن الكيكة كبيرة، واللقمة أضخم من فم واحد، والمشاركة تتطلب التنسيق وتوزيع الحصص والمناقصات والمشاريع بينهم، وهو ما يجري اليوم، فخصوم الأمس القريب ينسقون ليل نهار للتصدي لتطلعات فئات الطبقة الوسطى من الكويتيين، ويقفون حجر عثرة أمام تخليص البلاد من قوانين الاحتكار والاستحواذ على الثروة لفئة محددة تعد على أصابع اليد الواحدة. بل تجد أن بعضهم تناسى خلافاته مع من كانوا بالأمس القريب لصوصا للمال العام فأصبحوا جميعا في خندق واحد جنبا إلى جنب مع الجاهل واللص والمحتال.
3. الشيعة السياسية:
انحازت الشيعة السياسية بمعظم-وليس كل- أطيافها مع السلطة بأشكال مختلفة من الانحياز:
أ. فريق لا يختلف عن الفريق الأول والثاني من اللصوص والحرامية وأصحاب المناقصات، وهم يرددون للسلطة أن الشيعة أقرب لكم وأحفظ على نظام حكمكم، وهي لغة متشابهة مع لغة الجاهل واللص والمحتال، وإن أخذت بعدا طائفيا.
ب. فريق من الشيعة السياسية يرى أن لا فائدة من المعارضة بعد حادثة التأبين الشهيرة لعماد مغنيه وخروجهم من كتلة العمل الشعبي التي لم تدافع عن موقفهم في التأبين والذي كان تأبينا يفتقد الحصافة السياسية وإن لم يكن فيه مخالفة قانونية مثلما أثبتت الأحكام القضائية لاحقا. ويمثل هذا الفريق النائب عدنان عبدالصمد وأحمد لاري وفاضل صفر وعبدالمحسن جمال وناصر صرخوه، وقد قرروا أن الانحياز للسلطة والدفاع عنها والتحالف معها هو الأسلم لهم لتحقيق مكاسب للطائفة في الوزارة والمواقع القيادية، وهو ما تم. ويعتمد هذا الفريق لغة أكثر هدوءا لأن 'الترقيع' للسلطة يضعهم في حرج الوقوف مع الجاهل واللص والمحتال، ويسبب لهم حرجا أمام قواعدهم الشعبية.
 ليس صحيحا أن اصطفاف هذا الفريق الشيعي السياسي بشقيه مع السلطة دوافعه طائفية بحتة، أو ارتباطات إيرانية لا ينكرونها، أو قلة ولاء ووطنية مثلما يردد الطائفيون من خصومهم السنة المتشددين، بل دافعهم كقوى سياسية دينية هو نفس دوافع القوى السياسية وبالذات الدينية منها: انتهازية ومصالح وتحقيق مكاسب وتعزيز مواقع، لذلك فهم في أحسن الأحوال يسكتون عن الانقلاب الثالث الذي يجري على الدستور اليوم، ويتجاهلون التفرقة التي تمارسها السلطة ضد أبناء القبائل، مع أنهم يرددون دوما أنهم صوت المستضعفين- والذين لا يعنون لهم سوى مؤيديهم من الطائفة وحسب.
 إن المتتبع لمواقف الإخوان المسلمين والسلف في الكويت من الانقلابين الأول والثاني عام 1976 و1986 يرى تناسقا في مواقفهم مع مواقف الشيعة السياسية اليوم، أي أن المنهج الذي دفع الإخوان والسلف في الانقلابين الأول والثاني لمهادنة السلطة والتحالف معها، هو نفسه الذي يسيّر مواقف الشيعة السياسية اليوم بتعزيز مواقع تنظيماتها السياسية، فلقد رفض الإخوان المسلمون بالكويت ممثلين بجمعية الإصلاح الاجتماعي التوقيع على بيان رفض الانقلاب على الدستور عام 1976 الذي صاغته جمعيات النفع العام، وشاركوا في أول حكومة غير دستورية برئيس الجمعية-يوسف الحجي- وزيرا للأوقاف، واستمروا بموقفهم هذا حتى منتصف التسعينات وشعارهم 'الشريعة مطلبنا، والقرآن دستورنا'.
 أما السلف، فكانوا يحرمون في حينها الانتخابات والديمقراطية ويرفضون الدستور والمشاركة البرلمانية، ولم يدافعوا بكلمة عن الدستور ولا عن البرلمان وتمثيل الناس، وكانوا يرون أهمية البطانة الصالحة حول النظام التي من شأنها أن تؤثر على قراراته وأسلمتها دون حاجة للخروج عليه أو المشاركة الديمقراطية، واستمر هذا الموقف حتى تكاثرت الأموال من الجمعيات وتشعبت المصالح الاقتصادية وصار السلف أكثر من سلف، فصار لزاما البحث عن أصوات برلمانية تحمي تلك المصالح وهو ما تم بمشاركتهم ببرلمان 1981 بوصول خالد السلطان وجاسم العون.
 وتردد الفريقان- السلف والإخوان- بمسألة الدفاع عن الدستور بانقلاب السلطة عام 1986، ولكنهم شاركوا على استحياء بتمثيل رمزي مثل مبارك الدويلة وأحمد باقر وتمثيل اتحاد الطلبة بمجموعة ال45 الشعبية، لكن القيادة كانت شعبية ووطنية، والعامة من الكويتيين هم الذين قادوا الحراك في حينه لإسقاط المجلس الوطني الذي تصر السلطة اليوم على إبقاء نسخة معدلة له ممثلة بمجلس 2009.
 تقف الشيعة السياسية اليوم في صف السلطة رغم فشلها في إدارة البلاد، ورغم انتشار الفساد، ورغم الظلم والتدهور في الخدمات ومصالح الشعب، ورغم تفرقتها الواضحة ضد أبناء القبائل، مثلما وقف السنة السياسية في سبعينات وثمانينات ومعظم تسعينات القرن الماضي، وليس دافع موقف الشيعة السياسية الكويتية ارتباطهم بإيران، ولا هي تعليمات من 'المرشد الأعلى' مثلما يردد الطائفيون، بالضبط كما لم يكن دافع الاصطفاف السني السياسي في الانقلابين الأول والثاني تعليمات المرشد العام بمصر، ولا شيوخ السلف بالسعودية، بل هو المصالح السياسية التي ترتبط بالانتهازية حتما لصالح السنة السياسية وليس لصالح السنة جميعا، تماما مثلما تحقق الشيعة السياسية مصالح لكوادرها ومؤيديها وليس لصالح الشيعة كلهم.
وإن كان التعميم هو أداة الطائفي الأولى لمحاولة فهم الأمور، فإن الموضوعية تقتضي التذكير بأن الشيعة السياسية –مثل نظرائهم من السنة السياسية- بينهم ما صنع الحداد، وبينهم فروقات واضحة، فليس كل الشيعة السياسية مساندين للسلطة اليوم، فهناك قوى وشخصيات وطنية شيعية ترفض الانقلاب الجاري على الدستور، ولئن كان النائب الدكتور حسن جوهر أحد رموزهم، فحتما هناك المئات بل آلاف من الشيعة المسيسين الذين يقفون بجانب الرفض الشعبي للانقلاب الثالث على الدستور.
 وهو مسألة طبيعية: فالسنة السياسية بدورها ليست جميعا ضد السلطة، فاسماعيل الشطي مثلا انحاز وآخرون ولايزالون للسلطة وهو من هو في تنظيم الاخوان المسلمين، وعلي العمير وأحمد باقر اليوم منحازون نهارا جهارا لموقف السلطة بإجراءاتها الانقلابية، وهم من هم في الحركة السلفية التي تفرقت مواقفها في ضوء التطورات الانقلابية والمصالح الشخصية والحزبية التي لا علاقة لطائفة السنة كلها بها.
 تقف الكويت اليوم على أعتاب مرحلة تاريخية خطيرة، لم تشهد الكويت مثيلا لها في تاريخها الدستوري، فلأول مرة يشعر المراقب أن السلطات جميعا أصبحت محتكرة في يد مجموعة سلطوية قليلة، والأخطر أنها تحاول أن تزج القضاء الدستوري في هذه المعركة الاحتكارية السياسية البحتة، وتحاول أن تلعب على فئات الشعب وضربها ببعضها، وذلك في محاولة يائسة لوقف عجلة التطور، وتفريغ الدستور من نصوصه الرقابية وسلطته الشعبية. وعلى جميع المخلصين من أبناء الكويت- شيعة وسنة- الانتباه لمخطط السلطة في ضرب فئات المجتمع، وفي محاولة إظهار الطوائف في مواجهة مع بعضها البعض، وإشغالهم بين فترة وأخرى بتصريح لمعتوه، أو بذاءات لمجرم صاحب سوابق، أو تغريدة موتور، أو كتابات مرتزق مدفوع- وما أكثرهم في هذه الأيام، فللكتابة سوق نخاسة، وللمواقف أثمانها، وللكلمة أوزانها...

 سعد بن طفلة

 

 

رأي سعد بن طفلة

تعليقات

اكتب تعليقك