'المارشال الخليجي لمصر'بين المكافأة وتقدير الظروف

عربي و دولي

2074 مشاهدات 0

المارشال الخليجي لمصر

بلغت تحولات الخطاب الخليجي تجاه تغيرات المشهد المصري درجة متقدمة من البراغماتية النفعية القادرة على العمل في كل انواع الفرضيات. فقد كانت هناك مساندة مالية خليجية ضخمة للحكومة الجديدة في القاهرة بلغت 12 مليار دولار. وقد تأرجحت الاراء حول 'مشروع مارشال الخليجي'بعد زمن الاخوان في القاهرة بين التزامات الشراكة الاستراتيجية ومكافأة العسكر نظير ازاحتهم للإخوان؛ كان ذلك هو المتحرك أما الثابت فكان الشعور بضخامة المبلغ وعدم وجود مسوغات للظروف التي أحاطت بتقديمه . ولاشك ان لهذه الخطوة الخليجية جوانب إيجابية لايمكن تجاوزها ومنها:

-أعادت دول الخليج النظر بالبيئة الاقليمية في شموليتها بصورة عاجلة تدعوا للإعجاب مما دفع صانع القرارالخليجي لتقدير ظروف مصر الاقتصادية الصعبة التي قد تقودها لمنحدر الدولة الفاشلة،ومنها دين غربي بقيمة مليار دولار واجب السداد ،واحتياطي من العملة الصعبة لا يكفي إلا لثلاثة اشهر ،بالإضافة الى التضخم و العاطلين و أزمات الوقود .

- أظهر صانع القرار الخليجي تمتعه بادراك جاد للمنظومات المصطلحية التي نشأت جراء ثورة 25 يناير التي كانت دورة تاريخية اكتملت وحان وقت قطافها من قبل المحيط الاقليمي ومثل فيه نظام طهران المبادر الاقوى حين عرضت على الاخوان 30 مليار دولار لو تم افتتاح السفارات وعادت العلاقات مجددا.

-لاح في أفق ازمة اسقاط الاخوان ابتزاز اميركي فج للجيش المصري عبر التلويح بوقف المعونة العسكرية البالغة 1.3 مليار دولار والتبرير بضرورة التريث قبل توصيف ماحدث إن كان حركة تصحيحية بدوافع شعبية ام انقلاب عسكري تقليدي،فكانت المساعدة الاقتصادية الخليجية تحرير للجيش المصري من قيد أميركي اراد منه ان يكون حارس للقناة وضامن لآمن اسرائيل .
أما اسباب عدم الارتياح من 'المارشال الخليجي لمصر' وتأرجحه بين المكافأة وتقدير الظروف فيعود لجملة ملاحظات منها :

-في مارس 2011م تسربت انباء عن مشروع مارشال خليجي للبحرين وسلطنة عمان لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وتوفير المساكن للمواطنين.وفي الوقت نفسه كانت هناك تقارير عن مشروع مارشال خليجي للنهوض باليمن.وكالعادة أغفلت النوافذ الاعلامية للأمانة العامة لمجلس التعاون ما يشير الى الخطوات التي تمت في المشروعين مما يجعلنا نستنفذ رصيدنا من الكياسة ونتساءل عن إمكانية إعادة تسمية الامانة العامة لمجلس التعاون لتصبح الامانة العامة لعين عذاري !

-لقد كانت السرعة التي اقرت وصرفت فيها المساعدات لمصر خارج النواميس الخليجية المعتادة! فهل كان مخطط لها من قبل رجلي الخليجي في القاهرة وهما:الببلاوي رئيس الوزراء، الذي عمل بالكويت في التعليم والاستثمارات وأكل 'عين النقرور' الذي له مفعول شرب ماء النيل فصار كويتي الهوى. والرجل الثاني هو الرئيس عدلي منصور المستشار القانوني الذي ذاق حلاوة فواكه حائل بالسعودية! فهل تمت مكافئتهم بأعلى منصبين في مصر من أجل ذلك؟

- لقد كان بإمكان الخليجيين إعطاء المساعدات لمصر بعدا مؤسسيا عبر اجتماع للجامعة العربية أو مجلس التعاون،أوعبر حزمة خليجية مشتركة لتلافي الاتهامات التي قالت بإقحام شعب خليجي في صراع سياسي داخلي مصري،وتهمة تبديد أموال الشعب الخليجي بلا تفويض منه، او قرار خليجي مشترك يخدم مسيرة المجلس كداعم للجوار العربي، بدل إحراج دول خليجية لم تشارك.

-فشل العسكر في ترجمة وصول المبلغ الضخم للشارع المصري و انكفأت اجهزة العلاقات العامة لديهم على نفسها مما خلق حيز مناورة لمناوئيهم للتشكيك في الدعم إن كان للشعب أم للجيش.بل والقول ان هناك سباق لشراء الجيش المصري من قبل الخليجيين ومن قبل واشنطن بمعونتها العسكرية .

-لم يصدر تصريح من مسئول خليجي واحد حيال المعونة حتى لا تعتبر منة، لكنهم صمتوا أيضا عن تسويغ وصول المبلغ الضخم للقاهرة،واطلقوا العنان لصوت جانبي متشنج يحمل شعارات ذات وقع تحرري وخطاب ديمقراطي على الاذن فقط ولم يكن قادر على فرض مصداقيته.

- بعد تحرير الكويت قدّمت دول الخليج 10 مليارات دولار لدعم مصر، و تم تأسيس الاحتياطي النقدي لكنه تأكل بسببالسياسات المتخبطة،وعليه ستنفذ هذه الـ12 مليار الجديدةخلال العقد القادم،وفي ظل شدة شروط البنك الدولي سيخرج الشعب المصري للشوارع مرة اخرى،فمشروع مارشال الخليجي لمصر هو لتأخير غضب شعبي سيتكرر إن لم تستغل الاموال في خلق تنمية مستدامة .

- سبق للخليج ان وقف لجانب مصر في حرب 67 و 73 ثم اسقطت ديون مبارك 1991م ،لكن الامور لم تتغير كثيرا في مصر فالأجدى هو التواصل مع الشعب المصري مباشرة بفتح ابواب العمل للمصريين وبناء المشاريع وليس الدفعات المالية.فما يدفعنا للقلق هو ان الكويت قدمت 4 مليارات دولار منها مليار منحه.و قدمت الرياض 5 مليارات منها مليار نقدا. اما الامارات فقدمت 3 مليارات منها مليار منحة فهل تعيدنا الدفعات النقدية والمنح لعصر مساعدات 'حقائب السمسونايت' التي كانت تغادر الخليج لسويسرا!

لقد جاءت صفحة 'المارشال الخليجي لمصر' في آخر كتاب موقف الخليج من ثورة 25 ينايرلتكذب كل الصفحات السابقة. وأثبتت قدرة الخطاب الخليجي على التحول بوتيرة سريعة تدفعها البراغماتية النفعية القادرة على العمل في كل انواع الفرضيات وهو أمر ايجابي . لكن الاشكالية أتت مما أورده الزميل ياسر الزعاترة ويفيد ان شبان أردنيون اقترحوا لحل الأزمة الاقتصادية أن يحكم الإخوان مدة سنة ثم يجري الانقلاب عليهم لجلب المليارات الخليجية! فلحق بهم على نفس النهج جزائريون قالوا بوصول الاخوان للحكم بعد وفاة بوتفليقة وحتما ستلقى الجزائر نفس المبادرة الخليجية تجاه مصر حين يسقطون الاخوان .فهل يقرأ أهل تونس مانحن كاتبون ؟

 

الآن - د.ظافر محمد العجمي –المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك