فيلم 'سقوط البيت الأبيض'خارطة طريق إلى طهران

عربي و دولي

11028 مشاهدات 0

سقوط البيت الأبيض

رغم مراهقتها الحركية اللذيذة -مقارنة بالأوروبية-إلا ان سينما هوليوود تجنح من حين لآخر لطرح قضايا جادة.وحين تشاهد فيلم سقوط البيت الابيض' White House Down' يشغلك عن التركيز على الاحداث سؤال عن زمن إنتاج هذا الشريط. فالفيلم الذي عرض أول مرة في 28 يونيو2013 م -مما يعني انه قد صنع قبل ذلك التاريخ بحوالي العام -يتحدث عن اقتحام مجموعة مسلحة للبيت الابيض وسيطرتهم عليه. وقيام الرئيس بمساعدة أحد رجال الأمن بالقضاء على الأشرار. ولن أسهب في التفاصيل فهو فيلم يستحق المشاهدة. ويكفي ان نقول إن الإشكالية الرئيسة للفيلم تتمحور حول قيام الرئيس الاميركي بإنهاء الحرب الباردة مع إيران . أما إشكاليتنا فتكمن في عدم القدرة على تفسير التطابق بين احداث فيلم انتج قبل عام ومجريات أمور تتشكل أمامنا في لحظات تاريخية حبلى بالتغيير.ومن تلك التفاصيل المثيرة في الفيلم :

- يخبرنا رئيس الولايات المتحدة 'الأسود' أنه قد بدأ بالتواصل مع الرئيس الإيراني المنتخب حديثا خلال مؤتمر جنيف والحمد لله انه قال جنيف وليس اجتماعات الامم المتحدة. وان أسم الرئيس الإيراني هو 'شريف' وليس'روحاني' فلو فعل لأصبنا بالجنون لدقة نبوءته حول تغيرات الخطاب الاميركي حول هذه القضية بدرجة تبلغ حد التناقض.

- تتحدى الرئيس طفلة عمرها 11 عاما قائلة : كيف تتوقع ان تقبل مبادرتك 22 دولة عربية اذا أخذنا في الاعتبار العنف الذي اندلع بين الشيعة والسنة ، وكأن الفيلم يقول لن يعارض خطوة الرئيس إلا الجهال.

- يقود المجموعة المتمردة 'رئيس جهاز أمن البيت الأبيض' وعليه فالرفض للتقرب الإيراني الاميركي ليس في تل أبيب والخليج فحسب بل في واشنطن نفسها .وفي وسط الدمار دار حوار متفرق بين الرئيس وقائد المتمردين تخلله رمي بالرصاص وصراع بالأيدي وتقاذف بالأثاث وهجوم بدبابات 'إبرامز' وحوامات 'هيوز' ومن ذلك الحوار تأنيب قائد المتمردين للرئيس : لماذا لم تهاجم إيران حين كانت الفرصة مواتية والعالم حابس انفاسه بانتظارها.

الرئيس:كيف أهاجمهم ولا سلاح نووي لديهم.

قائد المتمردين:لكنه سيكون لديهم.

- من اللقطات ذات الدلالات الكبيرة ان الرئيس كاد ان يكسب جولة الخروج من الحصار عبر جهاز هاتف. بل إن اكتشاف أمر الهاتف تم حين ألتفت قائد المتمردين لصحيفة نيوزويك وفيها صورة الرئيس وتحتها عنوان 'دبلوماسية الهاتف' في إشارة الى انه قد ابتدع طريقة جديدة لكسر الجمود في محادثاته مع المعسكر الاخر.وهو ماقام به أوباما بالفعل.

-في حوار آخر يقول الرئيس ان خطته للسلام تقوم على قرار سحب القوات من الشرق الاوسط ويضيف سننسحب من الخليج العربي.فيرد عليه قائد المتمردين : لن يكون هناك ضرر فوجودنا في الخليج هو لاستعراض القوة فقط 'Show Off “.ثم عاد الخليج لسيناريو الفيلم حين قرر المتمردين بعد سيطرتهم على مركز توجيه الاسلحة النووية ان يكون احد الاهداف جزيرة العرب.

-في الفيلم تطلب الخروج من الازمة مناقشة استخدام النفق السري الذي كان يستخدمه جون كينيدي للقاء عشيقته مارلين مونرو ، وفي ذلك تلميح الى ان استخدام القنوات المشينه للخروج من الازمات مقبول لدى صانع القرار المحاصر .

ماسبق من أسطر كان هو المدخل . وقد لايكون هذا المدخل -رغم طوله- واسعا بما يكفي لوصف ما غمرني من شعور بالدهشة مما نعانيه من تغييب .فقد بدأت المتوالية التبريرية الاميركية بالدوران منذ عام دون ان نعلم. فلتأسيس قناعات بضرورة التقرب من طهران كان لابد من تسويق مقدمات منطقية،كتشويه لوبي صناعة السلاح(أصدقاء الخليجيين)واتهامهم باحتلال البيت الابيض،وسيتبعها تشويه الخليجيين أنفسهم، ثم التسويق لضرورة إغلاق القواعد في الخليج فإيران بحضارتها ونفطها وقوتها العسكرية وقيمتها الاستراتيجية تختصر الشظايا الحادة المتعبة المسماه دول الخليج.وعودة العلاقات مع إيران ملحة ومعقدة وبحجم الرهانات الموضوعة عليها . وهنا نتساءل هل من المعقول ان يكون مخرج الفيلم الالماني رولاند ايمرش Roland Emmerich قد نجح في دور المحلل السياسي في استشراف ماتبقى من عهد باراك أوباما ! وهو المخرج المشهور بتنفيذ افلام نهاية العالم مثل فيلم 2012 ،وفيلم يوم الاستقلال' Independence Day' ، وفيلم اليوم الذي بعد غدا' The Day After Tomorrow' . أم ان الرئيس الاميركي وآلة العلاقات العامة في الحزب الديمقراطي قد اخذا في استخدام الفن السابع لترويج أجندتهم ! أم ان عودة العلاقات الاميركية الإيرانية أمر محتم استبعدنا حدوثه لأننا في الخليج في حالة إنكار له، فحدث التواصل الاول مقوضا العديد من المفاهيم والرؤى التي طالما عشنا أسرى لها وحددت مسارات علاقاتنا الإيرانية وحتى الأميركية. لكن الاهم هو الثمن الذي ستطلبه طهران –وأراهن أنه على طاولة البيت الابيض سلفا - فهل ستطالب إيران من واشنطن الضغط علينا لسحب قوات درع الجزيرة من البحرين؟ أم إغلاق ملف الجزر الاماراتية وملف حقل الدرة؟ أم إجبارنا لفتح سوق العمل الخليجية وحل البطالة الإيرانية بترحيل العمالة العربية ؟ أم فتح أسواق الخليج لصابون سرد وبسكويت مينو وأغاني غوغوش؟

لم يعد هناك مكان لحسن النية وكرامة الاجتهاد،فقد ظهر مسير التاريخ مكتوب مسبقا، فالعلاقات الاميركية الخليجية دورة تاريخية اكتملت ثم أنتهت،وهاهو وزير الخارجية الاميركي جون كيري يعلن ان مشروع إيران النووي سلمي النوايا.

الآن : د.ظافر محمد العجمي –المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك