سر السعادة والسرور!.. بقلم عبد العزيز الكندري

زاوية الكتاب

كتب 753 مشاهدات 0


الراي

ربيع الكلمات  /  العيد.. ومدرسة 30 يوماً

عبد العزيز الكندري

 

يقول الأديب مصطفى صادق الرافعي: «أي معجزة إصلاحية أعجب من هذه المعجزة الإسلامية التي تقضي أن يحذف من الإنسانية كلها تاريخ البطن ثلاثين يوماً في كل سنة ليحل في محله تاريخ النفس؟، أما والله لو عمَّ هذا الصوم الإسلامي أهل الأرض جميعًا لآل معناه أن يكون إجماعًا من الإنسانية كلها على إعلان الثورة شهرًا كاملاً في السنة لتطهير العالم من رذائله ومفاسده، ومحق الأثرة والبخل فيه، وطرح المسألة النفسية ليتدارسها أهل الأرض». ألا ما أعظمك يا شهر رمضان! لو عرفك العالم حق معرفتك لسماك: مدرسة الثلاثين يوماً.

وعجيب أمر الصيام في سره وأسراره، وصدق الرافعي عندما شبهه بالمدرسة... ولكنها أعظم مدرسة في التاريخ على الإطلاق، جاء الصيام ليعلم الناس عموما والأغنياء خصوصا كيف يجوع الفقراء، وقرر المساواة بينهم فتجد الثري صاحب الملايين والمليارات يشتهي قطرة الماء وحبات التمر مثلما يشتهيها الفقير المعدم.

وكم هو جميل أن يتشارك الغني والفقير فرحة العيد كما تشاركوها في مدرسة رمضان، ويقول علي الطنطاوي: «بقيت علي كلمة واحدة، هي أن حكمة رمضان، لا تتم في عيد الفطر إلا إذا شاركتم الفقَراء في الأكل والشرب، كما شاركتموهم في الجوع والعطش، وكنتم معهم في لذّة الوجدان، كما كنتم معهم في لوعة الحرمان، وألا تملأوا أيدي أولادكم باللعب والسكاكر، وفي بناء جيرانِكم أولاد مثلهم ينظرون إليهم، وأيديهم خالية، وأن تعلموا أن مما رميتموه زهدًا به من ثياب أولادكم ما يكون ثوب العيد، وفرحة العمر، لهؤلاء الأولاد، وأن كل غني يجِد من هو أغنى منه، وكل فقير يلقَى من هو أفقر منه، والمسائل نسبية، والعصفور نملة إن قيس بالفيل، ولكنه فيل إن قيس بالنملة، فأعطِ مَن هو أفقر منك».

وفي العيد وأنتم تخرجون من بيوتكم فتجدون العامل المسكين والفقير المعدم وأنتم تعطونه شيئا قليلا مما أعطاكم إياه الله تعالى، فتجدون نظراتهم إليكم مع ابتسامة وكأنهم أصبحوا من الأغنياء، وتسمعون دعواتهم وأكف الضراعة إلى الله تعالى لكم ولأبنائكم فتأملوا في ذلك الخير الكبير... وأن السعادة تكمن في العطاء وليس الأخذ.

والصغار والأطفال في الاعياد هم من أكثر الناس فرحا على الإطلاق، بل والنظر إلى فرحهم في يوم العيد يدخل السرور والفرح على الكبار، والفرح والسرور يحبه كل شخص سوي، والفرح هو في الحقيقة في متناول الجميع بلا استثناء، ولا يحتاج إلى التخطيط والتعقيدات وإنما جرب أن تكون نيتك صافية تجاه الآخرين، تعلم فن التسامح وستشعر بلذة السعادة في العيد وباقي الأيام، والبعض يعتقد بأن «المال» هو السبب الرئيس للفرح والسرور وهو ليس كذلك، قد يكون وسيلة لكنه ليس السبب في الفرح، لأن السعادة والفرح ينشآن من داخل النفس الرضية الواثقة بنفسها، ولا تغريها الأمور المادية.

والإنسان في هذه الحياة مع كثرة المسؤوليات وتغير النفوس، والنظر للأمور المادية أكثر لا يلتفت إلى الفرح والسعادة والسرور، مع أنها مهمة للأسر والأبناء والزوجات والأصدقاء وللجميع حتى الغرباء، حتى يأتي العيد ليذكرنا بالفرح، لأنه ارتبط في أذهان الجميع الصغار والكبار بالسرور والسعادة، بل وتلاحظ فرح كل المجتمع بهذا العيد، في التلفاز والإذاعة وحديث المجالس كلها تتحدث عن هذا الفرح بيوم العيد، والفرح صناعة حالها حال أي صناعة أخرى، وهو فرصة للتقارب بين الأبناء والزوجات وازالة الحواجز والرواسب، ومحاولة إلى تجديد التسامح والحب من جديد وأن نرسم البسمة على وجوههم، وهذا لا يقدر عليه إلا من يقدر قيمة الفرح، فلنستثمر هذه الأوقات لننثر الحب والجمال في يوم العيد... وكل عام وأنت إلى الله أقرب.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك