تقسيم العراق خطر كبير على الكويت.. برأي رياض الصانع

زاوية الكتاب

كتب 846 مشاهدات 0


الأنباء

مركز رياض  /  تقسيم العراق خطر كبير على الكويت

رياض الصانع

 

العراق بلاد بابل وملحمة جلجامش وميلاد الآشوريين والكلدانيين والبابليين، وحضارات نبتت وتوالت في احضان دجلة والفرات، تلك الحضارات التي أسست للعالم المتحضر نصيبا غنيا من الاجتهادات والتشريعات، لكن يظل الطابع العام والسمة الغالبة لتعاقب الحضارات والدول بالمنطقة يتسم بالاستقرار والصراعات والحروب والنزاعات، وكأنها لعنة آلهة كنعان، أو أسطورة طلاسم الحروب والموت، فأصبحت منطقة العراق وعلى مر العصور حلبة للصراع وتجاذب المصالح وتعارضها، وكأننا نحاكي لعنة ابدية، حكمت على العراق بالشقاء والرحيل تماما كما حكمت آلهة اليونان على سيزيف بدحرجة الصخرة الى ما لا نهاية.

والعراق منذ ما قبل التاريخ وما قبل تحرير الكتابة المسمارية مرورا بحقب الميلاد وتوالي النظم والحضارات والى وقتنا الحاضر لم يتغير شيء في نسقه واتساقه، فقد جبل على اللاستقرار، فإذا كانت بدايات الصراع هناك تتمحور حول الأرض والسلطة والمال والسيطرة، فاليوم أصبحت أكثر توحشا وقساوة اذ انها تمس الأفكار والحريات والاختيارات، واصبح الموت لقناعة معينة هو الجزاء الأمثل، فتلبدت سماء العراق بالجهل والتطرف والعصبية، بعدما كانت شمسها تضيء كل ربوع العالم بالاختراعات والعلوم والمعارف المتداولة، فحتى هولاكو في سيطرته على بغداد وجد صعوبة كبيرة في حرق مكتبة بغداد نتيجة الأعداد الهائلة من المؤلفات التي كانت تضمها، والاجتهادات التي ملأت رفوفها، فكان ايامها لا يمكن للعالم ان يصير كذلك إلا إذا زار بغداد أو تتلمذ على يد احد شيوخها وعلمائها، أما الآن فقد أصبحت مزارا للمتعصبين والمتطرفين واصحاب الفكر الاسود والمنغلق الذي يؤمن بأقوال التابع والمريد وبأقوال لايزال أصحابها يحكمونهم من وراء قبورهم، فتحولت شعل العلم الى جهل والتسامح الى تطرف، وصارت العراق في ظل شد وجذب المصالح والتوافقات الإقليمية والدولية حلبة لصراع قوى داخلية وخارجية، مرة باسم القومية والعدالة ومرة باسم الدين وجدلية المقدس والمدنس، لذلك فالمؤسسات السياسية بالعراق والتنظيم الإداري بها يختلف حسب المناطق، فبغداد يوجد بها برلمان يكتنفه الصراع كذلك ومؤسسات متقدمة توحي بوجود دولة الإدارة والمؤسسات، وبالموصل توجد منظومة أخرى قوامها الدولة التي تحدث عنها ابن خلدون في مقدمته وفق ثالوث القبيلة والعقيدة والغنيمة وحكم الخليفة، فعمليا وحتى نكون واضحين لا توجد في العراق ادارة موحدة، بل مناطق عدة مستقلة سياسيا وإداريا عن الإدارة المركزية المتهالكة ببغداد، فهناك كردستان العراق في الشمال والدولة الإسلامية للعراق والشام بالوسط والسلطة المركزية العراقية ببغداد، وما زالت هذه السلطة المركزية في تشظٍّ وصراع دائم بين أفرادها حول المصالح والمميزات ومازالت لغة التخوين هي السائدة في المشهد العراقي.

فالذي اوصل العراق الى هذه المرحلة هم سياسيوه الذين خذلوه، وأرسوا خطابا طائفيا وقبليا وعشائريا ضيقا ضيع الدولة والوطن والمواطن، واسهم في تدخل دول المنطقة في تحرير السياسة الداخلية والخارجية للعراق، كما اسهم في تكديس الفراغات الأمنية أمام غلو وقوة الخطاب الطائفي الذي ساد المنطقة، فكان ان تأسست عدة احزاب ومشاريع دول سرعان ما احرزت إحداها أقوى نجاحاتها وهي ما يصطلح عليه بـ «داعش».

حتى اصبح اليوم اي حل مرتقب للازمة قد تجاوز مراحل التوافقات السياسية والمصالحة الوطنية التي دعونا لها في العديد من مقالات سابقة لنا، واصبح ذلك شبه مستحيل أمام تباعد مناهج المتصارعين، واستحال الحوار بعدما توج الصراع بعشرات ومئات القتلى والجرحى والآلاف من اللاجئين، كان آخرهم إجلاء الجاليات المسيحية من الموصل بعدما استوطنتها منذ ما يقارب ألفي سنة، وبإعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام للخلافة وسيطرتها على آبار نفطية ومكتسبات هامة، وكذلك بتزايد الوعي الكردي بضرورة الاستقلال عن بغداد في إطار دولة كردستان في العراق، وبانحصار باقي الطوائف وضعفها لا يوجد حل في الحوار، لأنه ربما قدر للعراق ان تظل ابد الدهر مسرحا للصراعات والأزمات أو ان تنتظر شخصا جديدا على شاكلة الحجاج بن يوسف الثقفي يستطيع أن يطوع الرقاب والهامات ويحدد الأفكار والتوجهات بقوة السلطة والسيف فمن اجل الاستقرار وبناء أسس الدولة يجب أولا برهنة قوة السلطة بالحزم والجد، ولن يكون ذلك متاحا الا بتأصيل الفكر المدني بالدولة لأنه الوحيد الكفيل بالقضاء على الفكر المتطرف وفي انتظار حجاج جديد لإعادة بناء العراق، فلربما لاتزال لعنة آلهة بابل قائمة على قدم وساق، ما بين نهج طائفي وتحريض مبهم ومتوار عن الأنظار.

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك