ليست كل هجرة عن الأوطان سيئة أو محزنة!.. بنظر محمد الشيباني

زاوية الكتاب

كتب 365 مشاهدات 0


القبس

التغرب والهجرة عن الأوطان!!

د. محمد بن إبراهيم الشيباني

 

ليست كل هجرة أو تغرب عن الأوطان، بسبب ضيق العيش أو الحروب والقهر سيئة أو محزنة، فلربما كانت بلدان الهجرة والتغرب أحسن عيشا وأفضل حياة وأكثر أمنا ورزقا، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما أخرجوه من مكة المكرمة، لاقى في البلد المضيف، وهو المدينة المنورة، أياما طيبة سعيدة ومحبة أهلها وإكرام وفادة وضيافة وعزة ونشرا لدعوته التي انتشرت بفضل الله، ثم الأنصار والمهاجرين الذين نصروه وآزروه.

يقول الشاعر جمال الدين بن مطروح:

لا تنكرن لأهـل مكـة قسوة والبيت فيهم والحطيم وزمزم

آذوا رسول الله وهــو نبيهم حتى حمته أهـل طيبة منهم

رأف الإله على الذي قد جاءه سـلبا فـلا يأتـيه إلا محـــرم

وهذا الطغرائي يصف خروجه من بغداد بقوله: وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم العباد عباد الله والبلاد بلاد الله، فأينما وجدت الخير فأقم واتق الله.

قال المتنبي:

وكل أمر يولى الجميل محبب وكـل مكان ينـبت العز طيب

والمقادير عجائب وفوائد قوم عند قوم مصائب، والمشاهد من وفود الوافدين على ديار غير ديارهم أن تتغير على كثيرين أحوالهم، فيصبحون من العدم إلى أحسن حال. أتوا بغير مال ورجعوا بالمال الوفير، إما بالحلال والعمل الطيب النظيف، وإما الحرام والسرقة والاحتيال، وكلها أرزاق قد كتبها الله على العباد، فمنهم من أخذها بالطرق الشريفة أو بالطرق الأخرى، فلو صبر اللص أو آخذ المال الحرام لعوضه ربه بالمال الحلال، فرزق البشر قادم وفي اللحظة المكتوبة لهم، ولكن هناك من يستبدل الأدنى بالذي هو خير، وهذه طبائع البشر وما جبلوا عليه من الخير والشر والحق والباطل.

لما أراد القاضي العراقي عبدالوهاب المالكي الخروج من بغداد إلى مصر، شيعه أكابر أهلها وفضلائها، قال لهم لما ودعهم: لو وجدت بين ظهرانيكم كل غداة وعشية رغيفين مافارقتها. وقال شعرا:

بغــداد دار لأهـــل المـال طيـبة وللمفاليس دار الضنك والضيق

أقمت فيه مضاعا بين ساكـنها كأنني مصحف في بيـت زنديق

ولماذا يقول الخارجون من ديارهم ذلك، فلو وجدوا كل صباح ومساء رغيفين يقومون أصلابهم لما خرج الناس من ديارهم، وهو كناية عن ضعف المعيشة ونكدها وعسرها، وألا يوجد في الناس من يكلف نفسه رعاية هذا وذاك حتى لو كان عالماً أو طبيباً أو رجلاً مهما لندرة تطبيق ذلك، ولقلة ما في أيدي الناس. والله المستعان.

•آفة المعصية:

«سبحان من صير الملوك عبيداً لسبب معصيتهم، وصير العبيد ملوكا من أجل طاعتهم» (زليخا).

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك