كل ما هو جميل في حقبة مضت أصبح اليوم قبيحاَ.. هذا ما يراه علي الذايدي

زاوية الكتاب

كتب 495 مشاهدات 0


القبس

أنا.. إلى أين؟

علي الذايدي

 

صادفت الثمانينات فترة المراهقة في حياتي، وكانت المرحلة التي كنت فيها في إدبار من الطفولة وإقبال من البلوغ، واذكر أن جيلي لم يكن متطلبا، فقد كانت طموحاتنا بسيطة كبساطة الحياة في ذلك الوقت، ألعابنا كانت من إبداعنا في البراحات والساحات الترابية، ويغلب عليها روح الجماعة، فلم تكن لدينا أجهزة البلاي ستيشن وبقية عصابة ألعاب الفيديو التي جعلت أطفال هذه الأيام يميلون إلى العزلة والوحدة واللعب بعيدا عن الأصحاب إن وجدوا.

أكثر الأيام تشويقا في ذلك الوقت كانت أي هوشة في الهدة، والهدة هي لحظة الخروج من المدرسة، فقد كنا نتحدث لأسابيع عن هوشة حصلت بين تلميذين ولم تتعد فيها الإصابات بعض الكدمات الخفيفة.

أما اليوم الذي نشاهد فيه دورية للشرطة في شارعنا، فقد كان يوما مشهودا يسكن في ذاكرتنا أياما وذلك هيبة لرمز الداخلية الخالد وهي الدوريات.

أما رجال القوات الخاصة فلم نكن نشاهدهم إلا في ملاعب كرة القدم، وكانت أكثر أيامهم شغلا عندما تكون هناك مباراة بين ناديي الكويت والفحيحيل، فقد كانت مهمة القوات الخاصة صعبة جدا وتتلخص في فك الاشتباك بين اللاعبين.

أما من ناحية العلاقة مع الجنس الآخر، فقد كان عالم النساء يعتبر من الغيبيات التي لا نجرؤ على الحديث عنها، ولم نكن نتصور أو نتخيل أن تكون هناك علاقة بين شاب وفتاة إلا أن يكون أخاها أو زوجها.

أكتب هذا الكلام بكل أسى بعد أن قرأت في الأسبوع الذي صادف نهاية رمضان ودخول العيد جريمة قتل بين شخصين من عائلة واحدة، وانتحار مواطنين، وغيرهما الكثير من الجرائم الدموية التي دخلت على ثقافة المجتمع الكويتي.

وعن حالات تغيب الفتيات، وعن شفافية وسهولة التواصل وإقامة العلاقات بين الجنسين، لدرجة أنها تكاد تصبح شيئا عاديا لا يستوجب التخفي والغموض عند البعض.

كيف أصبح مجتمع مسالم مثل المجتمع الكويتي لديه هامش كبير من المساحة لاستيعاب كل هذه الكمية من العنف؟

كيف أصبح مجتمع مطيع وهائب للقانون مثل المجتمع الكويتي يخرج بمسيرات بالآلاف غير هائب لرجال الأمن ولا لمدرعاتهم وآلياتهم؟

كيف أصبح مجتمع عفيف مثل المجتمع الكويتي لديه هذه القابلية لاستيعاب الانحراف والإسفاف الحاصل حاليا؟

الأسباب كثيرة، ولا أريد أن أفصل فيها، ولكن السؤال الذي يشغلني اليوم هو: أنا.. إلى أين؟

أبطالي في فترة شبابي أرنولد شوارزنيغر، رامبو، بروس ويليس وغيرهم، ممن كنت أراهم أقوى مخلوقات الكون، أصبحوا اليوم مسوخا بشرية أكل الدهر عليها وشرب، ممثلات كنت أعتبرهن آية في الجمال والكمال مثل بروك شيلدز، فيبي كيتس، شارون ستون أصبحن اليوم عجائز شمطاوات ومومياوات لم يعد ينفع معهن كل عمليات الشد والتجميل.

كل ما هو جميل في حقبة مضت أصبح اليوم قبيحا بشعا ينضح بالسواد بعد أن كان يشع نضارة وحيوية.

هتكنا أستار الليل، حتى الليل لم يعد ليلا، فالناس المستيقظون بالليل أكثر من المستيقظين في النهار، صادروا حتى بهاء الليل وسكينته.

تغير الكثير، وتغير الناس، وتغيرت المعطيات، وتغيرت على إثرها النتائج، والكلام كثير، ولكني أكتفي بهذا البيت:

«تغيرت البلاد ومن عليها

فوجه الأرض مغبر قبيح».

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك