إغاثة الشعبين الغزاوي والسوري فرصة تاريخية.. هذا ما يراه عصام الفليج

زاوية الكتاب

كتب 681 مشاهدات 0


الوطن

آن الآوان  /  احذروا الشهوة الخفية

د. عصام عبد اللطيف الفليج

 

قال أحمدَ بنِ مسكين، وهو من علماءِ القرن الثالث الهجري في البصرة: امتُحِنت بالفقر سنة 219، فلم يكن عندنا شيء، ولي امرأة وطفلها، وقد طوينا على جوع يخسِف بالجَوفِ خسفا، فعزمت على بيع الدار، فلقيني أبو نصر، فأخبرته بنيتي لبيع الدار، فدفع إلي رُقاقتين من الخبز بينهما حلوى، وقال أطعمها أهلك.
فعدت إلى داري، وفي الطريق لقيتني امرأة معها صبي، فنظَرَتْ إلى الرُّقاقتين وقالت: يا سيدي، هذا طفل يتيم جائع، وﻻ‌ صبر له على الجوع، فأطعمه شيئًا يرحمك الله.ونظر إليّ الطفلُ نظرة ﻻ‌ أنساها، وخُيِّل إليّ حينئذ أن الجنة نزلت إلى اﻷ‌رضِ تعرض نفسها على مَن يُشبِع هذا الطفل وأمه، فدفعت ما في يدي للمرأة، وقلت لها: خذي وأطعمي ابنك، والله ما أملك بيضاء وﻻ‌ صفراء، وإن في داري لمَن هو أحوج إلى هذا الطعام، فدمعت عيناها، وأشرق وجه الصبي.
ومشيت وأنا مهموم، وجلست إلى حائط أفكر في بيع الدار، وإذ أنا كذلك، إذ مرّ أبو نصر وكأنه يطير فرحًا، فقال: يا أبا محمد، ما يُجلسك ها هنا، وفي دارك الخير والغنى؟! قلت: سبحان الله! ومن أين يا أبا نصر؟! قال: جاء رجل مِن خراسان يسأل الناس عن أبيك أو أحدٍ مِن أهله، ومعه أثقالٌ وأحمالٌ مِنَ الخير واﻷ‌موال.يقول: إنه تاجر مِنَ البصرة، وقد كان أبوك أودَعه ماﻻ‌ً مِن ثﻼ‌ثين سنة، فأفلس وانكسر المال، ثم ترك البصرة إلى خراسان، فصلح أمره على التجارة هناك، وأيسَر بعد المحنة، وأقبل بالثراء والغِنى، فعاد إلى البصرة وأراد أن يتحلّل، فجاءك بالمال وعليه ما كان يربحه في ثﻼ‌ثين سنة.
يقول أحمد بن مسكين: حمدتُ الله وشكرته، وبحثت عن المرأة المحتاجة وابنها، فكفيتهما وأجرَيتُ عليهما رِزقا، ثم اتّجرت في المال، وجعلت أربه بالمعروف والصنيعة واﻹ‌حسان، وهو مقبل يزداد وﻻ‌ ينقص.
وكأني قد أعجبتني نفسي، وسرّني أني قد مُلأَتْ سِجِﻼ‌تُ المﻼ‌ئكةِ بحسناتي، ورجوت أن أكون قد كُتِبتُ عند الله في الصالحين! فنمتُ ليلةً، فرأيتُني في يوم القيامة، والخلق يموج بعضهم في بعض، ورأيت الناس وقد وُسِّعَتْ أبدانُهم، فهم يحملون أوزارهم على ظهورهم مخلوقة مجسّمة، حتى لكأن الفاسق على ظهره مدينة كلها مخزيات، ثم وضعت الموازين، وجيء بي لوزن أعمالي، فجُعِلت سيئاتي في كِفة، وألقَِيت سِجﻼ‌تُ حسناتي في اﻷ‌خرى، فطاشت السجﻼ‌ت، ورجحت السيئات، ثم جعلوا يلقون الحسنة بعد الحسنة مما كنت أصنعه، فإذا تحت كل حسنةٍ «شهوةٌ خفيةٌ» مِن شهوات النفس، كالرياء، والغرورِ، وحبِ المَحْمدة عند الناس، فلم يسلمُ لي شيء، وهلكتُ عن حجتي، وسمعتُ صوتًا: ألم يبق له شيء؟ فقيل: بقي هذا.وأنظر ﻷ‌رى ما هذا الذي بقي، فإذا الرقاقتان اللتان أحسنت بهما على المرأة وابنها، فأيقنت أني هالك، فلقد كنت أُحسِنُ بمئةِ دينارٍ ضربةً واحدة، فما أغنَتْ عني، فانخذلت انخذاﻻ‌ً شديدًا، فوُضِعَت الرقاقتان في الميزان، فإذا بكفة الحسنات تنزل قليﻼ‌ً ورجحت بعضَ الرجحان، ثم وُضعت دموع المرأة المسكينة التي بكت من أثر المعروف في نفسها، ومن إيثاري إياها وابنها على أهلي، وإذا بالكفة ترجُح، وﻻ‌ تزال ترجُح حتى سمعت صوتًا يقول: لقد نجا.
انتهت القصة المذكورة في كتاب «وحي القلم»، وهي من قصص السير التي تقدم العبرة في الانفاق، فكم من منفق أضاع ماله في الدنيا، ولم يستفد منه في الآخرة، ولربما حرم أهله وعياله وأرحامه، من أجل ذلك الانفاق.
ونحن الآن أمام فرصة تاريخية للانفاق لاغاثة الشعبين الغزاوي والسوري، فقد رفع سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح حفظه الله الراية في مؤتمرين دوليين لاغاثة الشعب السوري، وكان سموه أول الزعماء نصرة للشعب الفلسطيني عموما وغزة خصوصا أبان الحرب الدموية الاسرائيلية على غزة، والتي تكللت بمكاسب سياسية ومعنوية غير مسبوقة.
٭٭٭
قال ابنُ القيّم: «أجمع العارفون بالله، ان التوفيق هو ألا يَكِلَكَ الله الى نفسك، وأن الخذلان هو ان يُخْلِيَ بينك وبين نفسك».

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك