أطلقوا سراح الفكر وعنان المشاعر..لتنجوا بأنفسكم! بقلم دلال الردعان

زاوية الكتاب

كتب 1914 مشاهدات 0

د. دلال الردعان

في احدى الدراسات الأمريكية التي تمت على 1000 مريض لمدة 3 سنوات من أعراض جسدية شملت آلام في الصدر وتعب ودوخة وضيق وأرق وخسارة في الوزن والإمساك ولدى الفحص الطبي تبين أن 16% من سبب شكوى هذه الحالات يعود لأسباب عضوية و أن ال 84% الباقية كان لها أسباب نفسية.

وبالتالي من الممكن أن يكون عدداً كبيراً من هؤلاء الأشخاص كانوا يمرون بمحنة نفسية ولكنهم عبروا عنها بعوارض جسدية. وهذا ما يسمى في علم النفس 'الاضطرابات السيكوسوماتية'.

الجدير بالذكر أن في مثل هذه الأمور المتعلقة بالأمراض النفسية لابد من الاشارة إلى ما يطلق عليه العلاقة الجدلية بين الثقافة واللغة. فمستوى ثقافتنا النفسية ومدى وعينا بتأثيرظروف الحياة وضغوطاتها على صحتنا النفسية ومعرفتنا بماهية الاضطرابات النفسية وكيفية حدوثها وكيفية التعامل معها وكذلك طريقة تعبيرنا عن أنفسنا والكلمات التي نستخدمها عادةً تعكس بنية القيم الثقافية حيث تلعب دوراً جوهرياً في وقايتنا من الوقوع في فخ المرض النفسي.

ومن المعروف أن البيئة العربية منتجة للأمراض النفسية. فطرق التنشئة الاجتماعية الخاطئة والتشدد الديني التي يتربى عليها الأفراد منذ الصغر في المجتمعات العربية من كبت لمشاعرهم والرهبة من وصمة العارعند الاصابة بالمرض النفسي والضغوط المستمرة الواقعة على المواطن العربي سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية التي يحرم فيها من التعبير عن رأيه والتمتع بأدني سقف للحريات يؤدي بدوره إلى الشعور المستمر بالإحباط مما يجعل المواطن العربي على أعتاب الاكتئاب دائماً.

ففي المجتمعات المتقدمة عادةً لا يتردد الأشخاص في الاتصال بالاستشاري النفسي وأخذ موعد بينما في المجتمعات الشرقية قد يلجأ الأشخاص إلى العلاج كآخر فرصة بعد أن تكون الأعراض تطورت وبعد أن استعانوا أولاً بالمعالجين الروحيين والشعبيين واحيانا المشعوذين. الاختلاف هنا في درجة الثقافة النفسية لدى الاشخاص فالناس في المجتمعات المتقدمة يدركون أهمية وأولوية الصحة النفسية للفرد ودورها الذي لا يتجزأ من الصحة العامة للفرد على العكس من الشعوب الشرقية التي تلهث وراء توفير لقمة العيش والأمن وتصنف عنايتها بصحتها النفسية ضمن الرفاهيات.

والعجيب في الامر ومع تقدم العلم والأبحاث فإن الأفراد والمسئولون في هذه المجتمعات الشرقية القامعة وشعوبها المكبوتة والصامتة لا زالوا لا يدركون أن الإحباط والاكتئاب المستمر قد يؤدي إلى زيادة نسبة العنف والعدوانية في سلوك الفرد وقد يكون فيها في موضع الهجوم دائماً وهذا يفسر سر بشاعة جرائم القتل في صفحات الحوادث بالصحف بحيث أصبح القاتل يتفنن في تعذيب الضحية كما يوضح لنا سر زيادة معدلات العنف الأسري من ضرب وقتل للزوجات والأزواج واغتصاب المحارم.

ولاعلاج لهذه الأمور إلا في رفع مستوى الوعي والثقافة النفسية لدى الأفراد و'الفضفضة'. ونقصد بالفضفضة إطلاق العنان للفكر والمشاعر. فكل منا يفضفض عن مشاعره بطريقةٍ ما. بعضهم يمارس الرياضة وهواياته ومواهبه لتفريغ همومه المكبوتة.

وبعضهم يلجأ للبكاء فالدموع نعمة تحرر المرء من الأثقال وتجنبه أمراض العصر كارتفاع الضغط وأمراض القلب بحسب الإثباتات العلمية. على عكس كبت البكاء الذي يؤدي إلى الإحساس بالضغط والتوتر المؤدي إلى الإصابة ببعض الأمراض أبرزها الصداع والقرحة.

وقد يفضفض آخرون بالضحك فالهرمونات التي تطلقها نوبات الضحك تنشط الجسم الى أقصى حد وتخفف الشعور بالألم. لذلك فإنّ الضحك يزيد من العتبة التي عندها يصبح الجسم حساساً تجاه الألم. بعض الباحثين يعتبرون أيضاً أنه يؤثّر إيجاباً على مناعة الجسم ضدّ الأمراض إذ أنه يزيد من المضادّات الحيويّة في الريق مما يخفف من حساسيتنا تجاه عدوى الأمراض الخارجيّة.

ومخطئ من يظن أنه قد يكون بمنأى عن الإصابة أو أنه لن يقع ضحية تلك المشاعر المضطربة فظروف الحياة اليومية وضغوطاتها تفرض على كلّ منا مصاعب قد تفوق قدراته وقد يفشل الأفراد في التكيف معها وقد يصابون بحالةِ حزن تتحول ألماً نفسياً ينعكس سلباً على الصحة والأداء المهني.

كما أنه من المعروف أن لا يجب نستهين بهذه الضغوط فمن الممكن أن يكون ضغط نفسي صغير لكن مستمر لفترة طويلة أخطر وأشد ضرراً من صدمة نفسية عنيفة تعالَج على الفور. إن الإفصاح عما يخالجنا حلاً أساسيًا للتغلب على الحزن فالمشاعر كالغصة في الحنجرة لا بد من أن تخرج والا تراكمت وانفجرت بشكل مضاعف في غير محلّها وتسبّبت بمشاكل صحية لا تحصى قد تؤدي بصاحبها أحياناً الى حافة الانتحار.

وأخيراً
فالكلمات التي لا نبوح بها....تنمو بداخلنا وتصبح ثقلاً على أرواحنا
فعلى سبيل الراحة النفسية...فضفضوا
فلا تحبسوا مشاعركم في أقفاص صدوركم فهي ليست تهم محكوم عليها بالسجن..إنها طيوراً تعشق التغريد وترنوا إلى التحليق.
فامنح احزانك الحرية لكي ترحل..فحتى الأحزان تكره القيود..
لأنه ببساطة..ان الحزن يضعف القلب ويوهن العزم ويضر الارادة ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن..

د/ دلال عبد الهادي الردعان
استشارية نفسية وعضو هيئة تدريس في كلية التربية

الآن - رأي: دلال الردعان

تعليقات

اكتب تعليقك