إسرائيل لم تعط للواسطة نفس المكانة التي نراها في بلداننا!.. بنظر خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 687 مشاهدات 0


الوطن

أفكار وأضواء  /  إسرائيل بين النكبة والنكسة!

خليل علي حيدر

 

لم يكن اليهود المنتشرون في بقاع الأرض من المهتمين بالزراعة ولكن الحركة الصهيونية اهتمت بهذا المنحى وفي ملكية الأرض وتكوين المستعمرات

لم تخل من أشكال الفساد المالية منها والإدارية ولكنها لم تعط للواسطة والمحسوبية نفس المكانة التي نراها في بلداننا


بين عام 1948 عندما قامت إسرائيل، حتى سنة 1967، أي بين «النكبة» و«النكسة»، كما يُطلق على العامين في الثقافة السياسية العربية، ازداد عدد السكان فيها بسبب هجرة اليهود اليها من 102 دولة، «اذ وفد اليها %32 من سكانها من اوروبا وامريكا، %14 من آسيا، %14 من افريقيا، اما الباقي ويبلغون حوالي %40 من السكان فقد ولدوا بها».
(السياسة النقدية في إسرائيل، د.عبدالنبي حسن يوسف، 1977، ص7)
وعانى المهاجرون الى إسرائيل من نقص المساكن، واضطر الكثير منهم الى الاقامة في خيام أو اكواخ تضمها معسكرات كبيرة. وكان الوقت الذي يمضي قبل استغلال الارض المحيطة بالقرى يطول عدة سنوات، ما كان يتطلب الانفاق دائما على استيراد المواد الغذائية، وزيادة العجز في الميزانية واستنزاف العملات الاجنبية.
كان عدد العاملين في إسرائيل عام 1968 نحو المليون عامل، %11 منهم يعمل في الزراعة وصيد الاسماك، %26 في الصناعة والمناجم، %8 في البناء، %13 في التجارة والبنوك، %24 في الخدمات العامة، و%8 في الخدمات الفردية.
لم يكن اليهود المنتشرون في بقاع الارض من المهتمين بمهنة الزراعة وما يتصل بها من حرف. ولكن الحركة الصهيونية اهتمت بهذا المنحى وفي ملكية الارض وتكوين المستعمرات، فانتقل الاهتمام بالزراعة فيما بعد من المنظمات الصهيونية الى حكومة إسرائيل، لتوفير المواد الغذائية للسكان، وتصدير بعضها والحصول على العملات الاجنبية.
واعتمد الاسرائيليون على النظام التعاوني «الموشاف»، وهو تنظيم تعاوني في قرية لصغار الملاك، حيث يبيع كل مزارع انتاجه الى الموشاف، واعتمدوا كذلك على «الكيبوتز» الذي ينظم الملكية الجماعية لجميع الموارد من الاراضي والادوات، يعملون بشكل جماعي، ويحصلون على كافة السلع والخدمات والمسكن والغذاء ووسائل التعليم والثقافة من الكيبوتز على قدم المساواة.
ومنذ انشاء دولة إسرائيل، يقول د.يوسف، اهتمت الحكومة بالاخذ بسياسة التصنيع، ولجأت الى تخفيض الواردات من السلع المصنوعة محليا كالصابون والزيوت والطباعة وغيرها. ثم اتاحت الفرصة لنمو بعض الصناعات مثل صناعة المواد الكيماوية والاجهزة الكهربائية وتجميع الثلاجات وآلات تكييف الهواء والسيارات واللوريات، كما اهتمت بصناعة الاسمنت والنسيج واطارات السيارات والبلاستيك والورق. ثم ولت وجهها بعد ذلك الى انتاج المعدات العسكرية، فانشأت صناعة الاسلحة الصغيرة والذخيرة، كما بدأت في انتاج انواع معينة من الطائرات الحربية، وكان القطاع الخاص يمتلك %93 من عدد المشروعات القائمة، اما مشروعات القطاع العام فشملت المناجم والمواد الكيماوية وتكرير البترول وانتاج الكهرباء وتتولى النقابة العامة للعمال «الهستدروت» مشروعات انتاج المعادن والاخشاب.
وشجعت إسرائيل منذ عام 1950 الاستثمارات الاجنبية، واصدرت قانونا خاصا، ثم توسعت في التسهيلات والامتيازات وقامت بتعديل القانون نفسه عدة مرات، بما في ذلك سهولة تحويل الارباح التي يحققها رأس المال الاجنبي. وقامت الحكومة الاسرائيلية بالتوسع في محطات توليد الكهرباء، فتضاعفت القدرة والطاقة المتاحة.
وفي سنة 1952 اصدرت حكومة إسرائيل «قانون البترول» الذي وضع الدعائم الاولى للتنقيب عن البترول في البلاد، ويحدد رسما مقداره %12.5 على انتاج البترول، وتم اكتشاف بعض الآبار ولكن إسرائيل تعتمد في سد احتياجاتها البترولية على الاستيراد.
ونمت في إسرائيل صناعة قطع وصقل الماس، «وهي تعتمد الى حد كبير على الماس الخام المستورد من الخارج وعلى وجه الخصوص من بعض الدول الافريقية. ويعتبر الماس من اهم صادرات إسرائيل، الى الحد الذي نستطيع معه القول ان إسرائيل اصبحت تحتل المركز الثاني في تصدير هذه السلعة بعد بلجيكا».
ومن المشاكل المهمة التي تتعرض لها إسرائيل ذلك التضخم الذي حاولت الحكومة ان تتجنبه. وفي عام 1952 خفضت القيمة الخارجية للجنيه الاسرائيلي. غير ان الدولة اعلنت في فبراير 1962 سياسة اقتصادية جديدة تعتمد على تخفيض آخر للجنيه الاسرائيلي. وكان الجنيه الاسرائيلي قد صدر عام 1948 بمعرفة بنك لومي Leumi ليحل محل الجنيه الفلسطيني الذي كانت تصدره في فلسطين سلطات الانتداب، ممثلة في «مجلس النقد الفلسطيني» ومقره لندن. وكان الجنيه الاسرائيلي في بادئ الامر يتعادل مع الجنيه الاسترليني الا ان سعره انخفض حتى صار الدولار الامريكي يساوي 4.20 جنيهات إسرائيلية في سنة 1971. ويشير ميزان التجارة الخارجية لإسرائيل الى عجز كبير ومستمر في تعاملها مع العالم الخارجي.
واتبعت إسرائيل منذ قيامها سياسة تقييد الواردات بغية تشجيع الانتاج المحلي، الا انها بدأت تخفف من هذه القيود منذ سنة 1962.
وحاولت إسرائيل ان تنضم الى السوق الاوروبية المشتركة، وابرمت عام 1964 اتفاقية مدتها ثلاث سنوات مع هذه المنظمة تقضي بتخفيف الضرائب الجمركية على حوالي 20 سلعة اغلبها سلع صناعية، ثم ابرمت اتفاقية اخرى سنة 1970 مدتها خمس سنوات، تنص على تخفيضات قيمتها %45 من التعريفات الجمركية لدول السوق على بعض السلع الزراعية والصناعية المصدرة من إسرائيل.
وظهر اهتمام إسرائيل بالطيران المدني في سنة 1949 عندما انشأت شركة «العال» EL-AL، التي بدأت متواضعة في اول الامر، فكان عدد ركابها عام 1950 اقل من 16 الف شخص، ثم وصل عددهم عام 1968 الى نحو 362 الفا. واهتمت إسرائيل بالسياحة مصدرا للدخل والعملة الاجنبية، ووسيلة مجدية للارتباط مع اليهود المنتشرين في بقاع الارض، وتعريف العالم بالدولة الجديدة، حيث زار إسرائيل في سنة 1968 اكثر من 400 الف سائح.
وبعكس لبنان، ذات التراث الفينيقي العريق، والتي لم تبرز في مجال الملاحة خلال العصور الحديثة، كما اشتكى بعض الكتاب اللبنانيين قبل سنوات، كان لدى إسرائيل في سنة 1948 اسطول تجاري مكون من اربع سفن حمولتها ستة آلاف طن، وصل في سنة 1968، خلال عشرين عاما، الى 105 سفن حمولتها نحو مليون ونصف طن، ثم اضيفت اليها خمس عشرة سفينة في سنة 1970 حمولتها 600 الف طن. وتعتبر شركة «زِمْ» Zim اكبر شركة للملاحة في إسرائيل – عام 1970 – تأتي بعدها شركة «إليَمْ» EL-Yam، وربما كان للاسم علاقة بكلمة «اليَم» الموجودة باللغة العربية، بمعنى الماء أو النهر أو البحر!
واهتمت الحكومة الاسرائيلية بمد السكك الحديدية داخل البلاد وتطوير مختلف الطرق ووسائل المواصلات. كما مدت انابيب نقل البترول وتغذية مصافي النفط وتوفير الكهرباء للمدن والقرى، وربما كانت اليوم الدولة الوحيدة التي لا ينقطع فيها التيار الكهربائي بين حين وآخر، أو ينشط المواطنون بمد الاسلاك السرية وسرقة الكهرباء والتلاعب بالعدادات، كما عليه الحال في الدول العربية وباكستان!
وبالطبع، لم تخل إسرائيل من اشكال الفساد المعروفة، المالية منها والادارية، ولكنها لم تعط للواسطة والمحسوبية ومراعاة الابناء والزوجات والاقارب نفس المكانة التي نراها في بلداننا، وكان القانون يطال الفاسد والمخطئ في اغلب الاحيان مهما علا مقامه!
هذا التطور الاقتصادي الذي سارت فيه إسرائيل، يقول د.عبدالنبي يوسف، «امكنها من استيعاب اكثر من مليون مهاجر حتى سنة 1967». وقد صاحب التطور تزايد في الناتج القومي الاجمالي، وتدفق رؤوس اموال ضخمة من الخارج. وفي سنة 1967 وصل الناتج القومي الاجمالي الى ما يزيد عن 12 الف مليون جنيه إسرائيلي، أي انه ارتفع بمقدار ½ 4 مرة عما كان عليه في سنة 1950، فيما ارتفع عدد السكان الى اكثر من مليونين و700 الف نسمة، أي ثلاثة اضعاف ما كان عليه في سنة 1950، كما وصل نصيب الفرد من الناتج القومي الى حوالي 4500 جنيه إسرائيلي، وهو ما يساوي ضعف ما كان عليه الحال في سنة 1950.
وكانت مساهمة الانتاج الصناعي في الناتج القومي قليلة عام 1948، فارتفعت في هذه الاعوام الى %25، ثم اخذت في التزايد عندما اولت الحكومة عنايتها بهذا القطاع.
وفيما هيمنت الديكتاتوريات والانقلابات على العالم العربي بعد «النكبة»، فتحولت النكبة الفلسطينية الى نكبة سياسية عربية، بل وكذلك بعد «النكسة»، التي شهدت انظمتها «الوطنية»، العديد من «الحركات التصحيحية»، في غمار هذا كله، كان لإسرائيل مسار آخر!
يقول د.حسن في هذا الكتاب: «ويتولى رئاسة الدولة في إسرائيل رئيس الجمهورية الذي ينتخبه الكينست Kenesset بأغلبية الاصوات لمدة خمس سنوات، ويجوز اعادة انتخابه مرة اخرى تالية لمدة واحدة. ويحدد رئيس الكنيست تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بفترة 30 – 90 يوما، وعليه ان يخطر كتابة جميع الاعضاء قبل الانتخاب بعشرين يوما. واذا لم يكن الكنيست في دور اجتماعه العادي، دعاه رئيسه الى اجتماع غير عادي. ويقوم رئيس الجمهورية باعتماد جميع القوانين، ما عدا تلك التي تتعلق باختصاصاته ويتخذ الاجراءات اللازمة لتشكيل الحكومة، وقبول استقالتها اذا لم تعد تتمتع بثقة الكنيست».
وفيما جرى قمع الحريات الديموقراطية بإحكام في الكثير من البلدان العربية، وهيمنت اشكال من البرلمانات الصورية، وتلاعبت الاحزاب من كل لون بالحكومات والاموال والاقتصاد، أُديرت إسرائيل وفق قواعد سياسية مختلفة تماما.
فقد اتبعت إسرائيل «مبدأ المجلس النيابي الواحد وهو الكنيست، الذي يتكون من 120 عضوا، وينتخب لمدة اربع سنوات، ويجوز اجراء انتخابات جديدة قبل مضي هذه المدة. ويقوم الكنيست برقابة الاجهزة التنفيذية وبالتصديق على المعاهدات، وبمراقبة تصرفات كافة اجهزة الحكومة عن طريق الاستجوابات التي يقدمها الاعضاء الى الوزراء، وبمناقشة الميزانية السنوية للدولة».
ويضيف د.حسن شارحا الوزارة الاسرائيلية فيقول: «وتتكون حكومة إسرائيل من رئيس الوزراء والوزراء وعددهم 18 وزيرا، وهي مسؤولة امام الكنيست وتباشر عملها بمجرد حصولها على ثقته، وهو يستطيع سحب ثقته، منها، وفي هذه الحالة تستمر في مباشرة عملها حتى تتكون حكومة جديدة. ومن المعتاد ان يكون الوزراء اعضاء في الكنيست، على انه يجوز تعيينهم من غير الاعضاء. ويتقاضى رئيس الوزراء مرتبا شهريا قدره 1959 جنيها اسرائيليا، ويبلغ المرتب الشهري للوزير 1851 – 1872 جنيها إسرائيليا ولنائب الوزير 1550 جنيها إسرائيليا». (ص29 – 30).
من كان يجرؤ في تلك السنوات على ان يسأل عن رواتب المسؤولين العرب.. دع عنك القادة والزعماء!

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك