سقطت صنعاء، فبدأت الحرب!

زاوية الكتاب

كتب 4605 مشاهدات 0


كتبت قبل عشرين عاما – وبالتحديد عام 1994- مقالا عنوانه 'سقطت عدن وبدأت الحرب'، كانت مناسبة المقال انتصار حزب المؤتمر الشعبي بقيادة علي عبد الله صالح وحلفائه من الإخوان المسلمين ضد حرب الانفصال التي قادها علي سالم البيض وبقايا رفاقه من الحزب الاشتراكي اليمني. بدخولهم لعدن، نهب 'المنتصرون' ما نهبوا وقتلوا من قتلوا ودمروا ما دمروا وفرضت الوحدة على الجنوب فرضا، وتصرف أهل الشمال بعنجهية وفوقية، وبمبررات وتفاسير دينية فرضوا على أهل عدن المتسامحين ألوانا من التشدد على حياتهم ومأكلهم وملبسهم، محدثة شرخا وجرحا لم يندمل حتى يومنا هذا.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد اجتاح الحوثيون صنعاء قبل أيام، ووقعوا على اتفاق مع حكومة عبد ربه منصور هادي التي تلاشت بطريقة مثيرة للاستغراب، شبيهة بتلاشي جيش المالكي بالعراق أمام تقدم داعش بالموصل وغرب العراق وشرق سوريا قبل أسابيع، الاتفاق الذي وقع بين الحوثيين وما بقي من حكومة منصور هادي لم يساو الحبر الذي كتب به.
فبنفس الطريقة الهمجية لميليشيات الإصلاح اليمني (الإخوان المسلمون) عاثت ميليشيات الحوثيين وحلفاؤهم من أنصار الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح بصنعاء فسادا، فنهبوا ممتلكات خصومهم ممن ثاروا على العهد السابق، وراحوا يمارسون ممارسات طائفية استفزازية ويحتفلون بما أسموه بجمعة النصر يوم الجمعة الماضي.
هلل الطائفيون الشيعة للانتصار، واعتبروه اختراقا مهما لحلم تصدير الثورة الإيرانية، ومحاصرة لخاصرة الخليج ومحاذاة لأهم دوله، وهي المملكة العربية السعودية. ورددوا شعارات طائفية بالية تعكس مدى تخلف هؤلاء وارتباطهم بالماضي السحيق، وعمق تأثرهم بخزعبلات التاريخ، وعيشهم خارج الحاضر، ناهيك عن انعدام فكرة المستقبل بعقولهم.
على الجانب الآخر، لطم طائفيو السنة الخدود على سقوط عاصمة اليمن بأيدي الحوثيين واعتبروا أن ما جرى انتصار لإيران وضربة قاصمة لأهل السنة هناك.
ولعل هذا التسطيح للأمور من قبل الطرفين الطائفيين هو أحد مصائبنا وبلاوينا، فالأمور تحركها السياسة والمصالح، وما صيحات الشعارات الدينية سوى غطاء لسوق النخاسة في عالم السياسة، فالحوثيون ليسوا عملاء لإيران كما يصورهم خصومهم الطائفيون، بل هم يمنيون أصليون وعرب أقحاح، ولديهم مطالب مشروعة تجاهلها علي عبد الله صالح ومن أتوا من بعده، بل إن الحراك الجنوبي والشمالي لم يأخذ تلك المطالب على محمل الجد، فيهم قيادات ترفع شعارات الشيعة السياسية بحكم التمويل والارتباط ولضمان الدعم اللوجستي الإيراني – مثلما كانت القاعدة وداعش السنية في سوريا تستلم المدد من إيران والنظام السوري لحرف الثورة وإشعال الطائفية دون علم كوادرهم المغرر بهم، والمثل يقول: من حبّك على لقمة، أبغضك على فقدانها! لكن غالبية الحوثيين من معوزي وفقراء اليمن لا يعرفون الفرق بين طهران والظهران، تدفعهم الأمية وحافز البقاء ولقمة العيش بحمل الكلاشينكوف الذي يحمله تحت إبطه منذ نعومة أظفاره كجزء من واقع اللادولة باليمن على مدى تاريخها الحديث، فكيف له أن يعرف الفرق بين الخلافة عند السنة أو الولاية عند الشيعة.
هكذا هي السياسة، مصالح في مصالح، ومن يظن أن إيران قد ابتلعت اليمن، لا يعرف اليمن ولا طبيعته، فاليمن ليس لقمة سائغة لأحد، وهذا هو تاريخها وماضيها، فقد طرد سيف بن ذي يزن الأحباش منها، وطرد الفرس الأسود الأنسي، بل طرد الأنسي موفد النبي معاذ بن جبل منها، رافضا دفع الزكاة والدخول بالإسلام، حتى قيل إنه أول المرتدين، وحولها أهلها إلى مقبرة الأناضول حين حاول العثمانيون السيطرة عليها، ولن تكون اليمن اليوم لعبة بيد أحد أبدا، ولكن الماضي لا يستنسخ للحاضر بشكل تلقائي، فاليمن اليوم يعيش حالة نادرة من الضعف والتفكك والجوع، وهو بحاجة لما أسميته وطالبت به في أكثر من مقال إلى –مارشال خليجي- بخطة بعيدة المدى تنقذه من براثن الفقر والأمية والأمراض والتفكك، وتعيد له أهميته كمخزون إستراتيجي لا ينضب لنا بالخليج.
السياسة الإيرانية تعيش وهم الانتصارات بمنطقتنا، وغارقة في ثمالة إحياء الإمبراطورية الفارسية، مستخدمة الدفاع عن أنصار أهل البيت- أي الشيعة، وفلسطين التي تاجر بقدسيتها كل من سبقها من عتاة الدكتاتوريات، لكن نظرة سريعة على سياسة إيران يجدها تتمدد استخباراتيا وماليا في مناطق أصبحت محرقة لها-من العراق وسوريا وصولا للبنان، وتخوض حروبا وهمية تنعكس عليها بالداخل، عاجلا أم آجلا، وعلينا استذكار صيحات المظاهرات العارمة التي أعقبت انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد عام 2009: 'نا غزه نا لبنان، در انجا اينست إيران'، وترجمتها: لا غزة ولا لبنان، هنا هنا تكون إيران، في رفض شعبي للتدخل في المسائل الخارجية على حساب قوت وحاجة الشعوب الإيرانية المستضعفة، وهنا سيكون مقتل الإستراتيجية الإيرانية، فتصديرها للطائفية والإرهاب كفيل بأن يحرقها بنفس النار التي تشعلها، ما لم يتدارك عقلاء طهران ذلك.
اليمن يعيش حالة متكررة على مدى العقود الماضية وهي غياب وضعف الدولة المركزية، والخلاص الوحيد لليمنيين هو بإيمانهم الراسخ ألا منتصر في الاحتراب الداخلي، وأن لا مصلحة لأطفال اليمن أن يكونوا وقودا لحروب إيران الداخلية، أو ضحايا غيابنا العربي والخليجي تحديدا.

 

(نقلا عن الشرق القطرية)

كتب سعد بن طفلة

تعليقات

اكتب تعليقك