انخفاض النفط لأقل مستوى منذ 4 سنوات

الاقتصاد الآن

تقرير: تراجع الطلب العالمي وزيادة الانتاج، و 'أوبك' صامتة

1488 مشاهدات 0

نفط - ارشيف

• تراجعت أسعار النفط إلى أقل مستوى لها منذ أربع سنوات في منتصف شهر أكتوبر وذلك نتيجة تراجع الطلب العالمي على النفط وقوة الانتاج.
• ولم تتحقق التوقعات بانقطاع الانتاج بسبب التطورات الجيوسياسية في كل من العراق وليبيا وأوكرانيا ما أدى إلى تراجع الضغوطات على الأسعار.
• لم تُبدِ منظمة أوبك حتى الآن أي مؤشرات بشأن مواجهة انخفاض الأسعار عن طريق تخفيض الانتاج. لكن الأسواق تترقب اجتماعها القادم في نوفمبر.
• مع انخفاض الأسعار الحالية دون سعر التوازن في ميزانية الدول الخليجية الثلاث، تعود مسألة الاستدامة المالية مجددا كأولوية.

أسعار النفط تتراجع بأكثر من 27٪ منذ يونيو إلى أقل مستوى لها منذ أربع سنوات
تصدر التراجع الكبير في أسعار النفط أهم عناوين أسواق النفط خلال الأسابيع الأخيرة. وقد جاء هذا التراجع في أسعار النفط نتيجة كل من تراجع الطلب العالمي على النفط وزيادة في انتاج حوض شمال المحيط الأطلسي. وبطبيعة الحال، فقد تمحورت معظم النقاشات حول العوامل التي تسببت بركود السوق والآثار السلبية التي قد تواجهها الدول المصدرة الرئيسية ولاسيما من حيث الاستدامة المالية وسط الزيادة الكبيرة في الإنفاق الجاري والإنفاق الإستثماري على الخطط المستقبلية، بالإضافة إلى ردة فعل أوبك تجاه هذه المسألة. ومن المزمع أن تعقد منظمة أوبك اجتماعاً في السابع والعشرين من شهر نوفمبر لمناقشة استراتيجيتها وأهداف الانتاج، بحسب ما جاء في تقرير بنك الكويت الوطني.
اما بالنسبة للدول غير المنتجة للنفط، فمن المحتمل أن يكون لهذا التراجع في أسعار النفط أثراً إيجابياً للدول المستوردة للنفط بشكل خاص وللاقتصاد العالمي بشكل عام. ففي الحالة الأولى يفترض بتراجع أسعار النفط بواقع 10 دولارات للبرميل الواحد أن يؤدي إلى تحويل ما يقارب 0.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من الدول المصدّرة للنفط إلى الدول المستوردة له، وذلك من خلال زيادة قوة الشراء ومن ثم في الإنفاق الاستهلاكي. ومن المحتمل أن يشهد الاقتصاد العالمي تراجعاً إضافياً في المدخرات بواقع 660 مليار دولار سنوياً، الأمر الذي من شأنه أن يجدد نشاط نمو الاقتصاد العالمي العام القادم. ولكن ذلك سيؤدي إلى عدم الالتفات للإيرادات، خاصة وأن المستهلكين الذين يعانون من مخلّفات الديون والتراجع المستمر في الأوضاع المالية قد يبدون رغبة أكبر في تسوية ديونهم وليس زيادة الإنفاق.
وقد شهد مزيج برنت تراجعاً بواقع 32 دولارا للبرميل، أي بنسبة 27.6٪، ليصل إلى 83.5 دولار للبرميل بحلول شهر أكتوبر، وذلك منذ أن بلغ أعلى مستوى له في يونيو عند 115 دولارا للبرميل عندما كانت المخاطر الأمنية على انتاج النفط العراقي في أوجها. كما تراجع سعر مزيج غرب تكساس المتوسط الإسنادي للنفط الخام الخفيف الحلو (ذات نسبة الكبريت المنخفضة) بواقع 24.5 دولار أو 22.8٪ ليصل إلى 82.8 دولار للبرميل.
ومع غياب أي أثر ملموس على الانتاج للأوضاع الجيوسياسية في العراق وأوكرانيا، فإن تراجع أسعار النفط يعود بشكل كبير إلى التراجع الذي جاء أكبر من المتوقع في أوروبا وآسيا والذي صاحبته زيادة في الانتاج في حوض شمال المحيط الأطلسي. كما كان لارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي دوراً في التأثير على أسواق النفط، حيث تساهم قوة الدولار في زيادة ثمن النفط (الذي يسعّر بالدولار) للمشترين بعملات أخرى.


تراجع نمو الطلب العالمي يترك أثراً كبيراً على أسواق النفط
ومن جانب الطلب، شهد نمو الاقتصاد العالمي تباطؤا خلال النصف الأول من العام 2014، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي لليابان وألمانيا في الربع الثاني من العام 2014، بينما يقدر أن يكون نمو الصين قد سجل اعندالاً في الربع الثالث من العام 2014 على الرغم من قوة أدائه خلال الربع الثاني. وقد قام صندوق النقد الدولي تباعاً بخفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي مؤخرأً لتصل إلى 3.3٪، بينما شهدت توقعات العام 2015 بعض التحسن عند 3.5٪.
ومع انعكاس تراجع النمو الاقتصادي على نمو الطلب على المنتجات النفطية، قامت وكالة الطاقة الدولية لرابع شهر على التوالي بخفض توقعاتها بشأن الطلب العالمي على النفط بواقع 600 ألف برميل يومياً (أو ما يقارب النصف) خلال العام 2014 وبواقع 300 ألف برميل يومياً للعام 2015. وتقدر الوكالة نمو الطلب العالمي على النفط بواقع 700 ألف برميل يومياً ليصل إلى 92.4 مليون برميل يومياً خلال العام 2014 و بواقع 1.1 مليون برميل يومياً ليصل إلى 93.5 مليون برميل يومياً خلال العام 2015.
ولكن من المفترض أن يتسارع نمو الطلب خلال الربع الأخير من العام 2014 الذي عادة ما يشهد أقوى أداء في السنة من ناحية استهلاك الطاقة، خاصة مع بدء فصل الشتاء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. ومن المفترض أن يوفر ذلك دعماً لأسعار النفط لتكون في نطاق 85-90 دولارا للبرميل.


أسواق النفط تشهد زيادة استثنائية في انتاج النفط الخام الخفيف الحلو
تأثرت أسواق النفط أيضاً من الفائض في انتاج النفط الخام الخفيف الحلو في حوض شمال المحيط الأطلسي. وقد جاء هذا الفائض نتيجة انتاج الدول من خارج منظمة أوبك، وخاصة أميركا التي شهدت زيادة قوية في المنتجات غير التقليدية كالنفط الصخري الذي أدى بدوره إلى رفع الانتاج إلى أعلى مستوى له منذ ثمانية وعشرين عاماً إلى 8.5 مليون برميل يومياً خلال شهر يوليو. ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي انتاج أميركا للسوائل بواقع 1.2 مليون برميل يومياً في العام 2015 وفق وكالة الطاقة الدولية. وقد ساهم الفائض في النفط الخام الخفيف الحلو في أميركا في تراجع عمليات التوريد من موّردي أميركا المعتادين كالجزائر وأنغولا ونينجيريا بنحو أكثر من 50٪ خلال السنوات العشر الأخيرة. وفي الحالات الطبيعية، عادة ما كانت الإمدادات تتجه إلى وجهات أخرى في ظل اقتصاد عالمي قوي. لكن اليوم، أدى تباطؤ الطلب، ولاسيّما في الدول من خارج المنظمة الدولية للتعاون الاقتصادي والتنمية التي تعتبر أهم مصدر للطلب العالمي، إلى تحول النفط الخام الأفريقي الخفيف الحلو إلى حوض المحيط الأطلسي.
كما أن أسواق النفط عادة ما تتكيف مع تطور الأوضاع الجيوسياسية من خلال انقطاع الانتاج، خاصة وأن انتاج أميركا قد قابلته انقطاعات في أماكن أخرى كمنطقة الشرق الأوسط. ولكن مع استئناف ليبيا انتاجها واستمرار انتاج العراق وسط التقلبات المستمرة في الأوضاع الأمنية، فإن أثر التطورات الجيوسياسية في بعض الدول بات محدودا.
وتدلّ جميع المؤشرات على زيادة النفط في الأسواق خلال الفترة المقبلة في العام 2015، حيث أن لدى ليبيا والعراق القدرة على زيادة الانتاج. فباستطاعة ليبيا أن ترفع انتاجها بما يقارب 100٪ ليصل إلى مستوياته ما قبل التحول السياسي، كما باستطاعة العراق أن يرفع انتاجه من الكميات الإضافية التي تأتي من حكومة كردستان الإقليمية. واستناداً لما قد تجري عليه المشاورات حول برنامج ايران النووي مع الاطراف الدولية، فمن المحتمل أن يستعيد الانتاج الإيراني أيضاً نشاطه بكميات كبيرة، وذلك في حال تخفيض أو إنهاء العقوبات المفروضة عليه. ومن المتوقع أن يصل انتاج النفط من خارج أعضاء منظمة أوبك إلى 1.5 مليون برميل يومياً في العام المقبل، وهو ما يمثل وفقاً وكالة الطاقة الدولية زيادة بمقدار 400 ألف برميل يومياً عن حجم النمو المتوقع في الطلب للعام المقبل.


منظمة أوبك قد لا تكون على استعداد لخفض الانتاج بل قد تركز على الحفاظ على حصتها السوقية وسط تراجع الأسعار
من الطبيعي أن تفرض هذه التطورات في الأسواق ضغوطات على منظمة أوبك. ففي الحالات الطبيعية، تحتاج أوربك إلى خفض انتاجها دون مستوه الحالي الرسمي عند ما يقارب 31 مليون برميل يومياً، وذلك بمقدار 1.7 مليون برميل يومياً على أقل تقدير خلال العام القادم لتستطيع مواجهة تراجع الطلب ودعم الأسعار. لكن من غير الواضح ما إن كانت أوبك تنوي القيام بعمليات الخفض الضخمة تلك أو ما إن كانت تملك القدرة أن تفتعل زيادة في الأسعار فوق 100 دولار للبرميل. ورغم أن الأمين العام لمنظمة أوبك عبدالله البدري قد اقترح خلال الشهر الماضي خفض الانتاج بنحو 500 ألف برميل يومياً، إلا أن السعودية، التي تعتبر المصدّر الأكبر للنفط، قد لا توافق على هذا الخفض. كما قامت دول أخرى من مجلس التعاون الخليجي بإبداء معارضتها للاقتراح. وتشير تقارير أخرى إلى أنه من المحتمل أن تنتظر السعودية انخفاض الانتاج نتيجة الأوضاع الجيوسياسية أو نتيجة تراجع انتاج النفط الصخري بسبب الأسعار المتدنية التي قد تؤدي إلى توقف الاستثمارات نتيجة عدم جدواها. ولكن، وفق محللي 'سيتي بنك'، يتوجب على الأسعار أن تتراجع لأقل من 80 دولارا للبرميل ليتأثر النفط الصخري وأقل من 50 دولارا للبرميل لإحداث تراجع أكبر في انتاج أميركا الشمالية من انتاجها للنفط الصخري.
ولكون الزيادة في الانتاج حالياً تأتي من النفط الخفيف، ولكون انتاج السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي يتمتع بدرجات متوسطة إلى مرتفعة من الكثافة والخصائص المختلفة، فإنه من غير الواضح ما إذا كان الخفض في انتاج دول مجلس التعاون الخليجي سوف يكون له أثر كبير على الأسعار. ففي العام 2011، عندما توقف انتاج النفط الحلو الليبي بعد اندلاع الاضطرابات الأمنية، ارتعفت أسعار النفط الخام الخفيف، ولم تتأثر بخطوة السعودية حينها برفع انتاجها للتعويض عن تراجع الإنتاج. ومن المحتمل أن يقع العاتق في هذه الفترة على منتجي النفط الخفيف من منظمة أوبك كالجزائر وليبيا وأنغولا ونيجيريا.
وفي المقابل، فقد قام منتجو أوبك خلال الأسابيع الأخيرة بخفض أسعارهم الرسمية للبيع للحفاظ على الحصة السوقية بين عملائهم الآسيويين.


تراجع أسعار النفط يعزز أهمية الاستدامة المالية في منطقة الخليج
لقد أدى التراجع في أسعار النفط إلى تركز الأنظار على مسألة الاستدامة المالية لدول الخليج، ولاسيما للدول المصدرة للنفط. وقد ساهم الاستثمار الحكومي النشط والإنفاق القوي من قبل الحكومات الخليجية إلى ارتفاع سعر النفط المطلوب لتحقيق التوازن في الميزانية (سعر التوازن) خلال السنوات الأخيرة. وتعدّ كل من الكويت وقطر والإمارات الدول الوحيدة بين دول مجلس التعاون الخليجي التي لا زالت تحتفظ باسعار تعادل أقل من السعر الحالي للنفط. وتدرك حكومات دول مجلس التعاون المخاطر تلك المخاطر كما أنها تتطلع الى كبح جماح نمو الانفاق الحكومي لمعالجتها. ولأن هذه الدول تمتلك موارد مالية ضخمة بشكل أصول أجنبية، فهي تتبقى محصنة نوعا ما من تداعيات تراجع أسعار النفط على المديين القصير والمتوسط.

الآن - محرر الشئون الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك