يكتب وليد الرجيب عن خطر الفكر الداعشي على الثقافة والرأي الآخر

زاوية الكتاب

كتب 852 مشاهدات 0


الراي

أصبوحة  /  حرق الرأي والثقافة

وليد الرجيب

 

في يوم تاريخي بائس، وهو الموافق 16 فبراير 1198م، تم حرق كتب الفيلسوف العربي ابن رشد على يد السلطة الحاكمة في الأندلس، بعد أن جُمعت كتبه في الساحة الكبرى بإشبيلية إضافة إلى كتب ابن سينا والفارابي وابن هيثم وغيرهم التي كانت في مكتبته، وأُرغم ابن رشد على مشاهدة عصارات فكره وفكر المفكرين والعلماء العرب، وهي تُحرق وسط تكبير وتهليل الجهلة والمتخلفين من الدهماء، بتحريض من بعض شيوخ الدين.

وقبل أيام دعا شخص عراقي غير معروف في الأوساط الثقافية وليس له تاريخ ثقافي، دعا وطالب بحرق كتب ودواوين الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف تحت تمثال الشاعر العراقي العظيم المتنبي وفي صومعة الثقافة «شارع المتنبي»، وأيده في دعوته هذه بعض المثقفين الهامشيين، بسبب قصيدة لسعدي يوسف نُشرت بلندن تحت عنوان «مصر العروبة...عراق العجم».

وقد استنكر العديد من المثقفين والأدباء والفنانين العراقيين والعرب، هذه الدعوة التي تحمل نزعة فاشية عنفية كريهة، وروحاً شيفونية عرقية وطائفية ابتلى بها العراق الشقيق ودول عربية أخرى، وهي لا تختلف عن حرق هولاكو لمكتبة بغداد، وجريمة النازي هتلر بحرقه الكتب الماركسية والتقدمية والمخالفة.

وقد كتبت ذات مرة نقداً شديداً ضد مواقف سعدي يوسف وأدونيس من الثورة السورية، ولكنني لم أقلل من شأنهما الثقافي، فأنا شخصياً قد تعلّمت كثيراً من شعر سعدي يوسف، وأفكاره النضالية وصوره الجمالية، فتجربة هذا الشاعر تمتد إلى أكثر من نصف قرن، وهي جزء مهم من التراث الثقافي العراقي والإنساني، سواء اتفقنا أم اختلفنا معه، ولكن ليس من حق أحد سواء سلطة أم أشخاص متخلّفين، مصادرة حقه في إبداء رأيه، وقمع حرية رأي الآخر بحجة الدفاع عن العراق ونظامه السياسي، لكنه في الواقع تفكير وسلوك استبدادي يذكرنا بالعهد الديكتاتوري، الذي يصادر أي رأي مخالف أو يخرج عن تمجيد الطاغية.

إن سعدي يوسف قامة شعرية وثقافية كبيرة، حملت هموم الشعب العراقي وآلامه، وعانى في سبيل ذلك سنوات في السجون، ومهما ارتكبت هذه الشخصيات الطارئة على الثقافة والفكر من حماقة، فلن يستطيعوا محو تاريخ وعقل سعدي يوسف أو غيره من أصحاب الفكر المغاير، بل يجب على الجميع احترام اختلاف الفكر والعقل والرأي، لا أن يحكم على الآراء بشيفونية عصبية وفاشية وطائفية عنيفة ومتخلفة، بما أسموه «انتفاضة الحق».

نحن لا نختلف عن «الدواعش» الذين يحاكمون الآخرين على أفكارهم ومعتقداتهم ومواقفهم السياسية والأيديولوجية، والذين فجروا ودمروا أضرحة المفكرين والفنانين والأنبياء، بماذا نختلف كأنظمة وقوى سياسية ومثقفين تملؤنا الضحالة؟

أليس ما يمارس اليوم ضد الكتاب من منع ومصادرة، ونحن نعيش أيام معرض الكتاب الذي يفترض أن يكون عرساً ثقافياً سنوياً؟ ألا يعتبر ذلك فكراً داعشياً ضد الرأي الآخر؟ في دولة تدّعي الديموقراطية ودعم الثقافة والحرية، في عصر لا يحتمل مثل هذا السلوك الإقصائي المتخلّف.

لن تستطيع أي قوة على الأرض أن تمنع أو تسجن رأياً، مهما بلغت من نفوذ أو سلطان أو قوة، بل جُل ما تجنيه من سلوكات كهذه، هو الازدراء والاستهزاء وعدم الاحترام، أما مثقفو الصدفة العابرون على التاريخ، فلن يتركوا علامة أو أثراً على وجودهم، ولن يعرف التاريخ أنهم كانوا هنا.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك