معظم شعوب الدول العربية أجيرة أو سجينة!.. بنظر محمد المقاطع

زاوية الكتاب

كتب 561 مشاهدات 0


القبس

الديوانية  /  طيور بلا أجنحة

أ.د محمد عبد المحسن المقاطع

 

لا فرق بين الطيور المحبوسة في قفص، والطيور بلا أجنحة. فكلها فقدت القدرة على التحليق الحُر في أرجاء السماء المترامية، وكلها فقدت أغلى ما تملك، وهو وجودها، بعد أن أصبحت دمية بيد صيادها الذي جردها من أجنحتها أو حبسها في قفص بتحكم وظلم بيِّنين، وقد كان سوء طالع هذه الطيور أنها وقعت في شراك الفخ الذي نصبه لها صيادها، مستغلاً حاجتها، ومنها الجوع والعطش، وغريزتها في حب الحياة والعيش على سجيتها الطبيعية، وهو ما أوقعها في ذلك الفخ! وربما تكون تلك الطيور في مرمى صيادها، فيرديها ميتة بطلقة واحدة إذا استعصى عليه صيدها بأفخاخه.

ومثل الطيور تماماً نجد أن معظم شعوب الدول العربية تعيش محنة الطيور بلا أجنحة، فهي محبوسة في دولها تحت نير بعض الأنظمة التي تحسب عليها أنفاسها في الحياة والقوت، وأهم من ذلك تجريدها من آدميتها، فلا تفكير ولا رأي ولا مشاركة ولا اعتراض ولا حركة إلا بإذن أو أمر السجّان الذي يعرف أن وجوده في السلطة لا شرعية ولا استمرارية له إلا بالقوة والغلبة، فصار شعبه بالنسبة إليه سجيناً أو أجيراً وليس شريكاً، وهو في كل أعماله في شؤون الدولة يتصرف بعقلية المتفضّل والمتمنن بفتات عطاياه وفضله في إبقائهم في بيوتهم تحت رهبة السلطة. أما من يحاول أن يتنفس هواء نقياً باسترداد كرامته، فإنه - إن كان محظوظاً - ستخطئه رصاصات غدر قناصة هذا النظام، وسيزج به في غياهب السجن المهيأ لاستباحة آدمية الإنسان وكرامته، فها هم الكثير من العرب صاروا من الطيور التي بلا أجنحة.

إن نموذج السلطة والحكم في بعض الدول العربية يحكمه سجانون يريدون الناس مثل الطيور مكسورة الأجنحة لا يحلقون معهم، وبالتأكيد ليس فوقهم، يغدون بحثاً عن لقمة العيش، ويعودون إلى بيوتهم بِطَاناً (أي شَبِعون من الأكل) يعيشون اليوم تلو الآخر، سعياً إلى الرزق، لا يطالبون بحق ولا يملكون إرادة ولا ينتقدون ممارسات خاطئة ولا يفضحون سرقات أموال الدولة، ولا يشاركون في سلطة أو قرار. وإن فعل أي منهم شيئاً من ذلك، فهو إما متآمر على السلطة، وإما عميل لدولة أو خارج عن طوع السلطة، وإما إرهابي، أو منظِّم لمجموعة تهدد نظام الحكم.

الناس في نظرهم لا خيار لهم إلا القبول بالسجن داخل الدولة بلا إرادة أو قيمة إنسانية، فلا ينظر إليهم على أنهم بشر مثلهم تماماً، ويملكون قدراتهم نفسها أو ما هو أفضل منها. فإن تصرفوا خلاف إرادة السلطة الغاشمة، فمصيرهم السجن أو رصاصة الغدر الطائشة. وهذا هو الفرق بين هذه الدول وبين دول وأنظمة العالم المتقدم، فالإنسان هناك هو السلطة، وهو شريك فيها يتداولها مع غيره وينالها الأفضل بإرادة حرة عبر صناديق الانتخاب لا عبر ترتيبات القوى الاستعمارية، ولا بشرعية الغلبة والقوة، ولا على ظهر دبابة، فتلك أمور اختفت في عالمهم وأبقوها في عالمنا، وهو ما زادنا يومياً تخلفاً ونكبات وقتلاً وتشريداً وويلات نذوق بأسها على يد نماذج من السلطة الغاشمة، وتضعف كيان بعض دولنا، وبالتالي أمتنا، وأضحكنا علينا الأمم، وصرنا طيوراً بلا أجنحة بسلطان بعض الأنظمة التي لا تملك شرعية ومتسلطة بلا حدود.

اللهم إني بلغت.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك