أسباب انتشار ثقافة وعقلية القطيع في مجتمعاتنا العربية!.. بقلم ناصر المطيري

زاوية الكتاب

كتب 2051 مشاهدات 0


النهار

خارج التغطية  /  عقلية القطيع

ناصر المطيري

 

في الثقافة العربية الشعبية الكثير من الأمصال والسلوكيات التي لو دققنا فيها لوجدنا أنها تكرس تجميد الفكر وحرية الرأي والموقف وتجعله تابعا موجها للرأي الجماعي - ولو كان هذا الموقف خاطئا- دون وعي أوتفكير، وقد أذكت الثقافة الشعبية للأسف هذه العقلية، وأسرفت في سياق الأمثال التي تمجدها.. مثل (حشر مع الناس عيد) و(أنا عود من طرف حزمة)، و(خلك مع الأولين ولو بنتف اللحى)، (الموت مع الجماعة رحمة)، وغيرها، وكل هذه الأمثال تؤدي بالنتيجة وتصب في ذات الثقافة، التي يطلق عليها علماء الاجتماع اسم «ثقافة القطيع».
وفي عصرنا الحاضر برزت تلك الثقافة بوجه آخر، فمن الانعكاسات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعية اليوم أنها تساهم في انحراف الرأي العام في المجتمع وتؤثر في السلوك الجمعي من خلال ترويج الاشاعة وتشويه الحقيقة، فتتفشى «ثقافة القطيع» حيث يعطل كثير من الناس عقولهم فتصبح تابعة مسيرة وموجهة دون وعي بواقع وحقائق الأمور.
ثقافة القطيع هي أن يكون الإنسان مجرد رقم يكمل العدد ويتلقف كل شيء بلا تدقيق ولا تمحيص ولا عرض على العقل الذي وهبه الله اياه، كانت ثقافة القطيع تستهدف معدومي الخبرة والمعرفة والاطلاع لكنها تطورت مع تطور الحياة، ووسائل تحضرها ورقيها، وانتشرت مستعينة بالثورة المعلوماتية الهائلة، لتكرس كل ما أنتجه العلم وتوصل إليه في سبيل استمراريتها وسيطرتها على عقول وخيارات الاتباع. كثير من العقول اليوم تنتظر دائما من الآخرين أن يفكروا عنها، وهي في الاجمال نتاج ثقافة السماع أو الثقافة الشفهية التي تعتمد على الاشاعة وعلى ما يقوله الغير دون فحص أو اختبار أو محاولة للتأكد من المعلومة.. وبهذا المعنى تكون ثقافة القطيع هي ثقافة من لا ثقافة له، وممن يقبل بوضع عقله على الرف ليخضع لما يقوله الناس سواء كان خطأ أو صوابا، وقد أخذت هذه العقلية اسمها من حركة قطعان الماشية التي تتحرك دائما خلف الخروف الذي يُعلق في رقبته الجرس ليكون هو دليلها ومرشدها.. بحيث يسهل على الراعي توجيهها بتوجيه هذا الخروف وحسب.
ولو استقصينا أسباب وجذور انتشار ثقافة وعقلية القطيع في مجتمعاتنا العربية لوجدنا أنها تعود إلى أزمة وعي وسطحية في التعليم والثقافة، والأهم من هذا وذاك هي أزمة حرية في الرأي والتعبير، لأنه عندما يطغى رأي أو موقف جماعي خاطئ يصبح على بعض الواعين صعوبة في ابداء مايخالف ذلك الموقف حتى لايقع تحت طائلة الاتهام والتخوين أويصبح شاذا في رأيه وموقفه المختلف عن الرأي المتفشي بسبب تزييف الوعي،وهذه أزمة يواجهها كثير من المثقفين العرب حينما يواجهون اشكالية بين ماهو سائد ومنتشر ومايروجه الاعلام الموجه وبين قناعاتهم المستندة للعلم والحقيقة.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك