عن العنف والجغرافيا الجديدة يكتب - علي الطراح

زاوية الكتاب

كتب 669 مشاهدات 0


مشهد‎ ‬العنف ‬في ‬الوطن ‬العربي ‬يطرح ‬علينا ‬أسئلة ‬معقدة، ‬وهو ‬مشهد ‬يجعلنا ‬نفكر ‬في ‬كيفية ‬انشاره ‬واتساع ‬رقعته، ‬كما ‬أنه قد ‬يجعلنا ‬نؤمن ‬بأن ‬القضية ‬تتجاوز ‬ما ‬هو ‬مرئي ‬أمامنا، فالأمر ‬يطرح ‬علينا ‬خيوطاً ‬معقدة ‬يدخل ‬فيها ‬العالمي ‬والإقليمي ‬ليفرض ‬علينا ‬كثيراً ‬من ‬التحديات. ‬ونعتقد أن ‬ما ‬يحدث أصبح ‬خارجاً ‬عن ‬نطاق ‬تحكمنا ‬في ‬ظاهرة ‬العنف، ‬ولم ‬يعد ‬في ‬مقدورنا ‬صد ‬موجاتها، ‬وهذا ‬ما ‬يستوجب ‬وضع ‬آليات ‬جديدة ‬تحقق ‬لنا ‬الفهم ‬العميق ‬لتوسع ‬الظاهرة ‬العنيفة. ‬كما ‬أن أحد أهم ‬التحديات ‬الكبيرة ‬يتجسد ‬في ‬فهمنا ‬التقليدي ‬في ‬مواجهة هذه ‬التحديات، ‬وهي ‬تحديات ‬تسعى ‬إلى ‬تقويض مفهوم ‬الدولة ‬الوطنية، ‬وفي ‬المقابل ‬يدعونا ‬فهمنا ‬التقليدي ‬إلى ‬الإيمان ‬المطلق ‬بالحلول ‬الجزئية، ‬وهذا ‬ينطلق ‬من ‬المصالح ‬الفردية ‬وليس ‬الجماعية ‬للعرب. ‬بمعنى ‬أن ‬القناعة ‬ما زالت ‬غامضة ‬وأن ‬البعض ‬يعتقد أنه ‬يستطيع ‬أن ‬يصد ‬الأذى ‬عنه ‬بمفرده، ‬ونقصد ‬هنا ‬الدولة ‬الوطنية في بعض الحالات، ‬ومن ‬ثم فإن ‬السياسات ‬المشتركة ‬ما ‬زالت ‬مغيبة. ‬بينما ‬على ‬أرض ‬الواقع ‬تؤكد ‬المؤشرات ‬أن ‬العنف ‬يتجاوز ‬الحدود، ‬وهو ‬يفرض ‬واقعاً ‬جغرافياً ‬يصب ‬في ‬مصالح ‬عالمية ‬محددة، ‬وهذا ‬ما زال ‬يستعصي ‬على ‬الفهم ‬المشترك.

نرى‎ ‬أن ‬الطريق ‬لم ‬تعد ‬سالكة ‬نحو التعامل المرتجل كما ‬قد يتراءى ‬لنا والحلول التبسيطية والجزئية لم تعد ممكنة أيضاً، ‬وعلينا أن ‬ننتبه ‬إلى ‬خطورة ‬الوضع الإقليمي، ‬الذي ‬نرى ‬فيه ‬التزامن ‬بين ارتفاع ‬موجات ‬العنف، ‬وامتداده ‬إلى ‬بقع ‬ودول ‬عربية ‬وأفريقية ‬وحتى ‬أوروبية ‬غربية، ‬وبين ‬ما ‬حدث ‬في ‬اليمن. ‬فاليمن ‬لم ‬يعد ‬اليمن ‬الذي ‬نعرفه، ‬ولعله ‬يتجه ‬نحو ‬واقع ‬جديد قد ‬لا ‬نملك ‬صده ‬على ‬الأقل ‬مرحلياً! ‬كما ‬أن ‬سوريا ‬تشكل ‬أحد ‬أخطر ‬التحديات ‬الكبيرة ‬ونحن ‬لا ‬نملك ‬رؤية ‬موحدة ‬حيال سبل ‬الخروج ‬من ‬الأزمة ‬السورية. ‬والمأزق ‬السوري الراهن قد يفضي إلى اقتراب أكثر ‬نحو ‬جغرافيا ‬جديدة ‬هناك قد ‬لا ‬تختلف، هي أيضاً، ‬عما ‬يحدث ‬في ‬اليمن. ومن ‬ثم ‬فنحن ‬لا ‬نملك ‬أوراق ‬اللعبة، ‬التي ‬تفرض ‬قوتها، ‬وقد يهيأ ‬لنا أننا ‬ما زلنا ‬نملك ‬بعضاً ‬من ‬الأوراق، ‬وهو ‬نوع ‬من ‬الوهم ‬العربي ‬الذي ‬اعتدنا ‬عليه. ‬فالعالم ‬يتغير ‬بسرعة ‬هائلة، ‬ويقابل ‬ذلك ‬بطء ‬في ‬خطواتنا ‬العلمية ‬والعملية ‬حيال هذا ‬التغير ‬العالمي، ‬فروسيا مثلاً ‬اختارت ‬أن ‬تقف ‬مع ‬النظام ‬السوري ‬كما ‬اختارت أن تدعم ‬الحوثيين، ‬فهي ‬اليوم ‬تقف ‬بقوة ‬مع ‬مصالحها ‬وليست ‬معادية ‬لمصالحنا ‬كدول ‬خليجية ‬على ‬سبيل ‬المثال، ‬خصوصاً إذا ‬ما ‬اتفقنا ‬على أن ‬المصالح ‬هي ‬التي ‬تحكم ‬العالم، ‬وليست ‬هناك ‬صداقات ‬دائمة ‬في ‬السياسة، ‬وهنا ‬يصبح ‬من ‬العقل ‬أن ‬نبحث ‬عن ‬مسالك ‬جديدة ‬تمكننا ‬من ‬تفهم ‬المصلحة ‬الروسية ‬وكيفية ‬التفاهم ‬في ‬الوصول إلى ‬صيغ ‬مشتركة ‬تعييد ‬التوازن ‬وتمنع ‬الاستفراد.

و‬من ‬الواضح ‬أن ‬المحركات ‬لموجات ‬العنف ‬كبيرة ‬وتحكمها ‬رؤية ‬قد تتجاوز ‬منفذها، ‬ولعل أحداث ‬مصر ‬الأخيرة ‬تجعلنا ‬ندرك أن ‬مصر ‬عادت ‬مطلوبة ‬في ‬دفاتر ‬الجغرافيا ‬الجديدة، ‬وأنها ‬كدولة ‬محورية ‬يراد ‬لها أن ‬تلتحق ‬بمشروع ‬التقسيم ‬أو ‬الإضعاف ‬الاستراتيجي ‬الذي ‬دب ‬في ‬المنطقة ‬العربية. ‬فالعراق ‬وسوريا، ‬وهما ‬دولتان ‬محوريتان، ‬لم ‬تعودا ‬فاعلتين، ‬واليوم ‬مصر ‬مطلوب ‬كسرها واستهدافها، ‬ومن ‬ثم ‬تستكمل ‬الخطوات ‬لأجل ‬فرض ‬تقسيمات ‬جغرافيا ‬جديدة.

إن الوضع‎ ‬العربي ‬في ‬غاية ‬الخطورة، ‬وما ‬ندعو ‬إليه ‬هو أن ‬يدرك ‬العرب، ‬أن أمن ‬الحكومات ‬لا ‬يتجزأ ‬عن أمن ‬الشعوب، ‬وأن ‬الأمن ‬الحقيقي ‬يخرج ‬لنا ‬من ‬تلاحم ‬الحكومات ‬مع ‬شعوبها، ‬وفي بعض الحالات ‬هناك ‬تلكؤ ‬واضح ‬في ‬اتخاذ ‬خطوات ‬إجرائية ‬تتسم ‬بالشجاعة ‬نحو ‬إعادة ‬المعادلة ‬الأمنية بأسلوب غير قائم على ‬النهج ‬التقليدي.

الاتحاد الإماراتية

تعليقات

اكتب تعليقك