عن العنف والجغرافيا الجديدة يكتب - علي الطراح
زاوية الكتابكتب فبراير 26, 2015, 1:46 م 669 مشاهدات 0
مشهد العنف في الوطن العربي يطرح علينا أسئلة معقدة، وهو مشهد يجعلنا نفكر في كيفية انشاره واتساع رقعته، كما أنه قد يجعلنا نؤمن بأن القضية تتجاوز ما هو مرئي أمامنا، فالأمر يطرح علينا خيوطاً معقدة يدخل فيها العالمي والإقليمي ليفرض علينا كثيراً من التحديات. ونعتقد أن ما يحدث أصبح خارجاً عن نطاق تحكمنا في ظاهرة العنف، ولم يعد في مقدورنا صد موجاتها، وهذا ما يستوجب وضع آليات جديدة تحقق لنا الفهم العميق لتوسع الظاهرة العنيفة. كما أن أحد أهم التحديات الكبيرة يتجسد في فهمنا التقليدي في مواجهة هذه التحديات، وهي تحديات تسعى إلى تقويض مفهوم الدولة الوطنية، وفي المقابل يدعونا فهمنا التقليدي إلى الإيمان المطلق بالحلول الجزئية، وهذا ينطلق من المصالح الفردية وليس الجماعية للعرب. بمعنى أن القناعة ما زالت غامضة وأن البعض يعتقد أنه يستطيع أن يصد الأذى عنه بمفرده، ونقصد هنا الدولة الوطنية في بعض الحالات، ومن ثم فإن السياسات المشتركة ما زالت مغيبة. بينما على أرض الواقع تؤكد المؤشرات أن العنف يتجاوز الحدود، وهو يفرض واقعاً جغرافياً يصب في مصالح عالمية محددة، وهذا ما زال يستعصي على الفهم المشترك.
نرى أن الطريق لم تعد سالكة نحو التعامل المرتجل كما قد يتراءى لنا والحلول التبسيطية والجزئية لم تعد ممكنة أيضاً، وعلينا أن ننتبه إلى خطورة الوضع الإقليمي، الذي نرى فيه التزامن بين ارتفاع موجات العنف، وامتداده إلى بقع ودول عربية وأفريقية وحتى أوروبية غربية، وبين ما حدث في اليمن. فاليمن لم يعد اليمن الذي نعرفه، ولعله يتجه نحو واقع جديد قد لا نملك صده على الأقل مرحلياً! كما أن سوريا تشكل أحد أخطر التحديات الكبيرة ونحن لا نملك رؤية موحدة حيال سبل الخروج من الأزمة السورية. والمأزق السوري الراهن قد يفضي إلى اقتراب أكثر نحو جغرافيا جديدة هناك قد لا تختلف، هي أيضاً، عما يحدث في اليمن. ومن ثم فنحن لا نملك أوراق اللعبة، التي تفرض قوتها، وقد يهيأ لنا أننا ما زلنا نملك بعضاً من الأوراق، وهو نوع من الوهم العربي الذي اعتدنا عليه. فالعالم يتغير بسرعة هائلة، ويقابل ذلك بطء في خطواتنا العلمية والعملية حيال هذا التغير العالمي، فروسيا مثلاً اختارت أن تقف مع النظام السوري كما اختارت أن تدعم الحوثيين، فهي اليوم تقف بقوة مع مصالحها وليست معادية لمصالحنا كدول خليجية على سبيل المثال، خصوصاً إذا ما اتفقنا على أن المصالح هي التي تحكم العالم، وليست هناك صداقات دائمة في السياسة، وهنا يصبح من العقل أن نبحث عن مسالك جديدة تمكننا من تفهم المصلحة الروسية وكيفية التفاهم في الوصول إلى صيغ مشتركة تعييد التوازن وتمنع الاستفراد.
ومن الواضح أن المحركات لموجات العنف كبيرة وتحكمها رؤية قد تتجاوز منفذها، ولعل أحداث مصر الأخيرة تجعلنا ندرك أن مصر عادت مطلوبة في دفاتر الجغرافيا الجديدة، وأنها كدولة محورية يراد لها أن تلتحق بمشروع التقسيم أو الإضعاف الاستراتيجي الذي دب في المنطقة العربية. فالعراق وسوريا، وهما دولتان محوريتان، لم تعودا فاعلتين، واليوم مصر مطلوب كسرها واستهدافها، ومن ثم تستكمل الخطوات لأجل فرض تقسيمات جغرافيا جديدة.
إن الوضع العربي في غاية الخطورة، وما ندعو إليه هو أن يدرك العرب، أن أمن الحكومات لا يتجزأ عن أمن الشعوب، وأن الأمن الحقيقي يخرج لنا من تلاحم الحكومات مع شعوبها، وفي بعض الحالات هناك تلكؤ واضح في اتخاذ خطوات إجرائية تتسم بالشجاعة نحو إعادة المعادلة الأمنية بأسلوب غير قائم على النهج التقليدي.
تعليقات