ماذا فعل الإخوان بأنفسهم؟!.. سؤال يطرحه ويجيب عنه خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 566 مشاهدات 0


الوطن

أفكار وأضواء  /  ماذا فعل الإخوان.. بأنفسهم؟!

خليل علي حيدر

 

«ثلاث فرص كبيرة» أهدرها تيار الإسلام السياسي في مصر، وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، كتب رئيس تحرير مجلة «الهلال» في سبتمبر 2013، الأستاذ محمد الشافعي.
كانت الفرصة الأولى تضمن لهذا التيار ان يستثمر فرصة الحكم التي جاءته بعد سنوات طويلة جداً، ومن ثم الاستمرار في هذا الحكم، وذلك بالنجاح في الحصول على الرضا الطوعي من الجماهير، ولكن «الإخوان» فعلوا عكس هذا.
فعلى مدى عام كامل، يضيف الاستاذ الشافعي، «لم يصدر عن مرسي قرار واحد يصب في مصلحة الغالبية العظمى من الجماهير المصرية.وقد انشغل ومعه جماعته طوال هذا العام، بمحاولة الثأر من أعداء الماضي والحاضر، وتسريع عمليات «التمكين» من خلال الوجود في مفاصل الدولة المختلفة».
أضاع الإخوان بعد ذلك فرصتين!
الأولى، «الاقتداء بالامام الحسن بن على رضي الله عنه».
اذ قرر الإخوان «الاقتتال من أجل حكم لم يحسنوه».
أما الثانية، وكانت تضمن لهم الخروج الآمن والكريم، فيقول الشافعي: «فكانت في الاقتداء بالقطب الإخواني التركي نجم الدين أربكان، والذي كافح طويلاً حتى استطاع ان يصل الى حكم تركيا في عام 1995، من خلال تشكيل حكومة ائتلافية..وبعد عامين تدخل الجيش التركي وأزاح أربكان..فما كان من الرجل الحكيم الا الاختفاء النهائي عن المشهد السياسي التركي، وترك الأمر للجيل الثاني من إخوان تركيا، لكي يلعبوا السياسة بآليات أكثر عصرية وديناميكية، وذلك الجيل هو الذي يحكم تركيا منذ أكثر من عشر سنوات بقيادة رجب طيب اردوغان وعبدالله غول، وللأسف فان إخوان مصر لم يتعلموا من إخوان تركيا».
لحسن الحظ، استاذنا الفاضل محمد الشافعي، لم تكن قيادة الإخوان في مصر بهذا الذكاء والحنكة! فلو كان قادة الجماعة ودعاتها الكبار بهذا الدهاء فلربما امتد سلطانهم على مصر سنين طوالاً! ولحسن طالع الشعب المصري، وشعوب بلدان الخليج والعالم العربي، هيمن الغرور على الجماعة..فطواهم التاريخ.
«بعد فشل جماعة الإخوان في الخروج الآمن والكريم»، يستطرد الشافعي في تحليله، وبعد «تجربتهم البائسة في الحكم»، ارتكبوا نحو خمسة أخطاء.فقد صوروا خسارتهم المعركة السياسية وكأنها حرب على الإسلام، وتبنوا خطاباً تحريضياً على مؤسسات الدولة، وقاموا ببث الشائعات وبذل أقصى الجهد في شق صف الجيش المصري واستهداف الشرطة، وبعد نجاح الدولة في فض اعتصامي «رابعة» و«النهضة»، انفجرت ماسورة العنف والتخريب، ومحاولة ادخال البلاد في حرب أهلية دون ان يدرك «الإخوان» أنهم بهذا يدمرون سمعتهم وسمعة بقية الإسلاميين، ثم قاموا بمحاولات مستميتة للاستعانة بالقوى الخارجية لدرجة الدعوة الى التدخل العسكري في مصر.
وتساءل الكاتب: ما المخرج من هذه الأزمة؟
حذر الشافعي، على الرغم من كل شيء، من الاندفاع نحو سحق فصائل تيار الإسلام السياسي، ولكن لابد من محاسبة المخطئين.فلا توافق ولا تسامح مع من تلوثت أياديهم بدم المصريين، ولابد من الوصول الى قاعدة التيار الديني وخاصة الشباب الذين لجأوا الى هذا التيار انبهاراً بالفكرة الدينية، ولابد من تقديم قيادات الصف الأول والثاني والثالث من جماعة «الإخوان» للمساءلة القانونية.
وطالب «الشافعي» الدولة بوضع السياسات الكفيلة باجتذاب الشباب بدلاً من هروبهم الى صفوف الإخوان وغيرهم.وربما تطلب هذا الاستفادة من الأزهر، وارتقاء فصائل التيار الإسلامي لمواجهة المسؤولية و«ألا يخسروا مصريتهم وانتماءهم الوطني».
وشارك القيادي «الإخواني» المنشق د.ثروت الخرباوي في نفس العدد من «الهلال» بمقال شكك فيه حتى بجدوى الصلح مع جماعة «الإخوان».
وتساءل في مقاله المعنون «ليس كل الصلح خير»، هل من سبيل للتصالح مع جماعة «الإخوان»؟ وأجاب قائلاً: «لا ينبغي أبداً ان نعمم.فمن المقطوع بأن من لم يشارك في أي عنف أو ارهاب من أفراد جماعة «الإخوان»، فله ان ينخرط في الحياة السياسية».
ولكن د.الخرباوي قال ان مثل هذه القاعدة لا ينبغي ان تفتح المجال للإخوان المسلمين لدخول الحياة العامة ثانية كحزب وكتلة: «وأول ركيزة ينبغي ان نسبر غورها هي موقف الإخوان من الوطن، ثم رؤية الإخوان للفصائل السياسية المختلفة، ومدى ايمانهم بالديموقراطية وتداول السلطة، ويأتي بعد ذلك البحث عن دين الإخوان وخياراتهم الفقهية».
فالمرشد السابق للجماعة مهدي عاكف، صاحب العبارة «القبيحة حينما تحدث بصوته الفظ المبحوح قائلاً: «طظ في مصر»، أردفها بعبارة أخرى هي «نحن كإخوان نقبل ان يحكمنا مسلم من أي بلد في العالم ولو كان من ماليزيا».
فلا قيمة للوطن، ولا أهمية للمواطنة، وليس لدى الجماعة ما يمنعها من التخلي عن أجزاء من الوطن.ففي ابريل 2013 مثلاً، التقى رئيسان من الإخوان في أحد مساجد الخرطوم وهما عمر البشير ومحمد مرسي، وبعد قراءة القرآن ومجموعة من الأدعية، خرج محمد مرسي ليعد السودان بمنحها الأرض المصرية «حلايب» و«شلاتين».
أما عن نظرة الإخوان للفصائل السياسية الأخرى، ونظرتهم للديموقراطية، فيكفي ان نتذكر عداء حسن البنا للأحزاب، ف «الخير في ان تتوحد الأمة كلها تحت راية الإخوان»: «ان الإخوان يعتقدون من قرارة نفوسهم ان مصر لا يصلحها ولا ينقذها الا ان تنحل هذه الاحزاب كلها، وتتألف هيئة وطنية عامة تقود الأمة الى الفوز وفق تعاليم القرآن».
وينقل د.الخرباوي عن مرشد «الإخوان» الخامس مصطفى مشهور أنه كتب في بعض كتيباته ان الديموقراطية «ما هي الا لغو وعبث لا علاقة لها بالدين بل هي تخالفه».وفي موضع آخر يقول مشهور: «كيف لهؤلاء ان يفكروا في مصطلح تداول السلطة اذا ما وصل الإخوان للحكم، فهل يمكن ان يفكر أحدكم في ان يترك الإسلام حكم العباد ويتنازل عن التكليف الذي كلفه الله به لكي يترك الأمر لفرقة تدين بمنهج غير منهج الإسلام؟».
كلام د.محمد مرسي الذي قاله بأن «الإخوان» سيحكمون أكثر من خمسمائة عام يفضح اذن نوايا الإخوان في الاستمرار في الحكم والاستقرار على الكرسي..الى الأبد.
ومن هنا غضب الإخوان عندما ثار الشعب في وجههم، ورفض هيمنتهم، فمن هؤلاء كي يرفضوا حكم الله والشرع؟ «لذلك لم يكن عنف الإخوان في مواجهة الشعب عندما خلعهم هو موقف الفريق الوطني الذي يجب ان يراجع أخطاءه ويخضع لغضب شعبه، ولكنه كان موقف من يعتقد انه يحمل الحل الالهي الذي يجب ان يواجه الطواغيت التي خرجت لكي تحارب الإسلام».
من نظر الى الناس بعين الدعوة رحمهم، ومن نظر اليهم بعين الدعوى رجمهم، ويوم ان تركت جماعة الإخوان الدعوة واحترفت الدعوى، يضيف د.الخرباوي، «انهال تكفيرها على رؤوسنا».
تكفير من يترك الإخوان، يشتكي الخرباوي، ظاهرة متكررة، فعندما تناقشت مع بعض الإخوان بعد خروجي من الجماعة، يقول الخرباوي، قال لي احدهم: «هل تظن نفسك مسلما بعد ان خرجت من الجماعة؟».
ويقارن الخرباوي هذا التهجم عليه بما جابه الشيخ محمد الغزالي عندما تمرد على مرشد الإخوان الثاني، حسن الهضيبي، وينقل الخرباوي عن الغزالي قوله في كتابه «من معالم الحق» شاكيا: «ان الذين يحسبون انفسهم جماعة المسلمين يرون مخالفة الاستاذ حسن الهضيبي ضربا من مخالفة الله ورسوله، وطريقا الى النار وبئس القرار!».ويضيف الشيخ الغزالي: «كنت اسير مع زميلي الاستاذ سيد سابق قريبا من شعبة المنيل، فمرّ بنا اثنان من اولئك الشبان المفتونين، وابيا الا اسماعنا رأيهما فينا وهو اننا من اهل جهنم، فمن المضحك المبكي ان يخطب الجمعة في مسجد الروضة عقب فصلنا من المركز العام – للإخوان – من يؤكد ان الولاء للقيادة يكفر السيئات وان الخروج على الجماعة يمحق الفضائل، وان الذين نابذوا القيادة عادوا للجاهلية الاولى لانهم خلعوا البيعة».
ويحذر الخرباوي من الالحاح على الإخوان للعودة والمصالحة..ف«الجماعة لم تطلب اصلا ان تصطلح او تنخرط في المجتمع سيساسيا، وهي المعتدية وترى العكس، وهي الآثمة وترى العكس، وهي المصرة المستكبرة التي ترفض مراجعة افكارها».
الكاتب «الشريف منجود» ثالث من كتب عن الإخوان في هذا العدد من الهلال، سبتمبر 2013، يتناول بالبحث، «اسرار رفض الإخوان للتوافق»، ومعارضتهم لليبرالية والحداثة، ويرد على د.محمد عمارة وطارق البشري، ويقول ان البنا لم يكن امتدادا لمشروع الجامعة الإسلامية الذي نادى به السيد جمال الدين الافغاني والشيخ محمد عبده، ويتساءل: ماذا استقى البنا من هؤلاء؟ هل قرأ لهم واكتشف جميع افكارهم، أم اخذ عنهم ما يمكن ان يخدم منطقه وافكاره؟ تجربة حسن البنا، كما يتضح من افكاره يقول «منجود»، تعتمد على مفهوم الامامة والأبوية، نفس نموذج فرق الخوارج والشيعة وغيرهم من الفرق التي «حاولت ان تسيطر على عامة الامة بالعمل السري تارة، والمواجهة العنيفة تارة اخرى، فالتاريخ الإسلامي شاهد على الصور العدائية التي مارستها بعض الجماعات الساعية الى السلطة او السيطرة..الا انه في النهاية خابت مساعيهم وانهارت أيديولوجيتهم».
هل يمكن اعتبار جماعة الإخوان نموذجاً معاصراً من هذه الجماعات السرية التي تكرر ظهورها في التاريخ الإسلامي القديم؟ لقد كانت بعض تلك الحركات تعتمد على العنف والاغتيال، ولكن الإخوان على الرغم من انهم ليسوا مبدئيا ضد استخدام العنف والانقلاب في السياسة كما رأينا في تاريخهم في مصر والسودان مثلا، ولكن لهم سمات من السرية والانغلاق ومحاباة الجماعة وغير ذلك ما يجعلهم بنفس درجة الخطورة.
مقال د.جمال شقرة كان بعنوان «جماعة الإخوان بين ادمان الاعتقال وجدوى المراجعات»، ويدرس د.شقرة جمود الإخوان وعدم تفهمهم لتطورات مصر السياسية في زمن عبدالناصر، حيث اكتشف الشباب بعد صدمة 1954 افتقادهم الادوات النظرية الفعالة التي تمنحهم القدرة على فهم وتحليل النظام، «حيث كان الإخوان حتى رصاصات المنشية ينظرون الى عبدالناصر على انه «أخ مبايع»، لذا كانت صدمة الشباب حقيقية عندما أفهمهم الشيوخ انه تحول عنهم، مما أربكهم نظريا وعمليا، لقد وقفت قيادات جماعة الإخوان بعد رصاصات المنشية حائرة، عاجزة عن فهم واستيعاب التغيرات السياسية والاجتماعية، والاقتصادية المتلاحقة».
لم تكن لدى الإخوان رؤية تنموية يحاكمون بموجبها مشاريع الثورة المصرية، ولم تحسن قيادات الجماعة الظن حتى بمشروع السد العالي الذي قال فيه مرشد الإخوان عمر التلمساني (1987- 1904) انه «سد مشؤوم انكد سيجلب على مصر اخطارا محققة وماحقة، وهو مشروع كان يجب الا يفكر فيه احد، لانه سيعرض الكباري للانهيار..هو مشروع لا داعي له، لولا المجد الاجوف الذي كان يملأ جوانب عبدالناصر، تيهاً وخيلاء حتى لو ذهبت مصر كلها».(الهلال، ص 112)، ولم يتحمس الإخوان كذلك لدستور 1956، اذ كان الإخوان تطبيقاً لأفكار حسن البنا يرفعون شعار «القرآن دستورنا»، ويرفضون أي شكل من أشكال الحكم المعروفة، لأنهم لا يؤمنون الا بالفكرة الإسلامية، ويرون فيها غناء عن كل ما في الراسمالية والشيوعية والاشتراكية وعن كل ما في دساتير العلم من مبادئ سياسية واقتصادية».
ويضيف د.شقرة ان الإخوان لم تكن لديهم كذلك رؤية متبلورة ل «فكرة الإسلامية»، ويقول: «في الحقيقة كما اتضح من كتابات الإخوان بعد حسن البنا، ومن أقوال حسن الهضيبي وأعضاء مكتب الارشاد، أثناء محاكمات 1954، فان الإخوان في واقع الأمر كانوا - ولايزالون – يفتقدون لمعنى محدد حول ما كانوا يقصدونه بالفكرة الإسلامية وبنظام الحكم الإسلامي، ولم تغن في الواقع الخطوط العريضة التي أعلنها وتمسك بها وأورثها حسن البنا لمن أتى من بعده من منظري الإخوان في تقديم اجابات نظرية محدودة وقاطعة حول الكيفية التي سيدير بها الإخوان شؤون الأمة في حالة وصولهم الى السلطة».
ختاماً، قد يحق لنا القول، ان ما يفعله الإخوان بأنفسهم في عام واحد، عجز الآخرون ان يفعلوه بهم في 85 عاماً!

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك