عن الانهيار الأمريكي!.. يكتب خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 612 مشاهدات 0


الوطن

أفكار وأضواء  /  هل ستنهار أمريكا.. أم سيتغير مسارها؟

خليل علي حيدر

 

إذا كان «سقوط الحضارة الغربية» وشيكاً.. فهل سيشمل ذلك الولايات المتحدة الأمريكية كذلك، أم تراه يقف عند حدود أوروبا، «القارة العجوز»؟
لقد شهد العالم خلال القرون الخمسة الأخيرة ثلاثة تحولات كبرى، يقول الكاتب الأمريكي المعروف «فريد زكريا». كان الأول صعود الحضارة الغربية، الذي بدأ مع القرن الخامس عشر ثم تسارعت جوانب نهضتها في القرن الثامن عشر، وكانت من بين حصيلة هذه العملية التاريخية «الحداثة» كما نعرفها: العلم والتكنولوجيا ، التجارة والرأسمالية، بالإضافة الى الثورتين الزراعية والصناعية. كما نجمت عن هذه الحركة هيمنة سياسية ممتدة للغرب على أمم العالم.
وكان التحول الثاني صعود الولايات المتحدة مع نهاية القرن التاسع عشر بعد أن أصبحت دولة صناعية، وصارت هذه الدولة الكبرى أقوى أمم الأرض، منذ الامبراطورية الرومانية، وظلت مهيمنة خلال معظم سنوات القرن العشرين على الحياة السياسية والعلمية والثقافية.
أما التحول الثالث في تحليل فريد زكريا، فهو الذي نعيشه اليوم، حيث شملت الحضارة والنهضة والتنمية بقية الأمم، وبخاصة في آسيا. فكان معدل النمو مثلاً في 124 دولة خلال عامي 2006 و2007 نحو %4 أو أكثر. ونرى اليوم أن أثرى الأثرياء شخص مكسيكي، وأكبر طائرة نقل روسية، وأعظم مصافي البترول قيد البناء في الهند، وأكبر المصانع في الصين، بل ومن بين أكبر عشرة مجمعات أسواق عالمياً واحد فقط في الولايات المتحدة وأكبرها في بكين. (The post America world fareed zakaria,2009,p.1-3)
إن واشنطن فقدت مصداقيتها وامتيازاتها، وبالتالي خسرت قدرتها على القيادة وإقناع الغير، يقول الباحث الأسترالي «توم سويتزر». Switzer. ولهذا، «يتم تجاهل مطالب واشنطن بشكل متزايد من جميع الأطراف، بدءاً من خصومها التقليديين في طهران وبيونج يانج-كوريا الشمالية، وصولاً إلى أبرز متلقي المساعدات الأمريكية في القاهرة والقدس». وفي مؤتمرات القمة العالمية يرفض الألمان مقترحات «أوباما» المالية، وتتمرد الصين على الضغوط والمطالب المتعلقة بمراعاة الوضع المناخي متابعة مسارها الشائك نحو الازدهار، فيما يرفض الباكستانيون قطع علاقة جهاز استخباراتهم مع حركة «طالبان».
وبالطبع، يضيف «سويتزر»، لم تكن الهيمنة الأمريكية في أوجها بلا ثغرات حتى في سنوات الحرب الباردة. فهي لم تستطع منع الثورتين الكوبية والإيرانية وهزمت في فيتنام. ولكن لا تزال الولايات المتحدة أبرز اقتصاد في العالم، وأهم جهة تُصدر عملة الاحتياط العالمي أو الدولار، وصاحبة أعظم جيش في العالم، وترغب بلدان كثيرة حول العالم في الحصول على الحماية الأمريكية، كما لا تزال أمريكا بمنجاة من مشكلة زيادة المسنين في نسبة سكانها بسبب سياستها في تقبل المهاجرين. هذه الأمور كلها صحيحة، «لكن النفوذ الأمريكي بدأ يتلاشى فعلاً وسيتابع مساره التنازلي، وستصبح الصين أهم اقتصاد في العالم خلال عقد من الزمان». (الجريدة ، 2012/7/13).
توني كارون، Karon، المحلل الأمريكي يؤيد كذلك انحدار الهيمنة الأمريكية، وإن كان السبب في ذلك أحياناً كثيرة تعقيدات السياسة الأمريكية نفسها. فمثلاً، «على مستوى برنامج إيران النووي وعد الرئيس الأمريكي، عند تولي منصبه، بتغيير قواعد اللعبة من خلال التواصل مع طهران، لكن سرعان ما أُعيقت تلك المساعي بسبب خليط من السياسات الداخلية الإيرانية وتعالي أصوات مؤيدي استعمال القوة العسكرية داخل إدارة أوباما نفسها، فطالب هؤلاء بالحد من الحوار مع إيران.. ولا تزال المحادثات جارية، حيث يجهد الجمهوريون لمنع تقديم اي تنازلات. وفي كوريا الشمالية، ضعف دور الولايات المتحدة لدرجة أنها مضطرة الآن إلى توسل الصين للقيام بما يلزم. وفي العراق جاء تهميش الرجل السياسي المفضل بالنسبة للولايات المتحدة أياد علاوي، من الحكومة الجديدة، ليذكر بمدى تضاؤل النفوذ الأمريكي» . (الجريدة، 2011/1/5).
وتحدثت استاذة القانون روزا بروكس Brooks في مقال بصحيفة لوس انجيلس تايمز عن تراجع النفوذ الأمريكي، وتساءلت: هل تسير الولايات المتحدة على طريق الانحطاط؟ هل بدأ نفوذها العالمي يتراجع فعلاً؟ لقد قال مرشح الجمهوريين «ميت رومني» معارضاً الفكرة من أساسها: «أنا أرفض الفكرة إن مصير الولايات المتحدة هو التراجع الحتمي. ربما يميل أوباما إلى رفع راية الاستسلام ولكن الله لم يخلق الولايات المتحدة لتكون دولة تابعة للآخرين». أما الرئيس أوباما فقد اعتبر في خطابه عن حال الاتحاد، نافياً عن نفسه انتقادات التخاذل، أن «كل من يعتبر أن الولايات المتحدة بدأت تتراجع أو أن نفوذها يتلاشى لا يعرف ما يقوله». ولكن بعض الدبلوماسيين الأمريكان ينتقدون مثل هذه المكابرة، ويرون فيها من عوامل تسريع التراجع! وتقول د.بروكس إن تراجع أمريكا عائد لسببين: الأول، أن الدول التي كانت ضعيفة تزداد قوة. «فتعتبر أوروبا، على الرغم من مشاكلها الراهنة، قوة اقتصادية ودبلوماسية لا يمكن إنكارها، وتشكل الصين والبرازيل والهند قوى إقليمية بدأت تكسب نفوذاً عالمياً متزايداً. ونتيجة زيادة قوة الدول الأخرى، يتراجع النفوذ الأمريكي نسبياً. إن الولايات المتحدة لم تعد تتمتع بمكانة اقتصادية طاغية في وجه تنامي نفوذ أوروبا الغربية وشرق آسيا. وكان الرئيس ريغان يدرك أن التراجع النسبي للنفوذ الأمريكي هو أمر إيجابي، (إذا استطاع الأمريكيون تحويل القوى الناشئة إلى حلفاء موثوقين، ستزدهر الولايات المتحدة إذا تمكنت من إحاطة نفسها بدول صديقة تتمتع بنفوذ كبير مثلها. سيحصل الأمريكيون بفضلها على أسواق أكبر وسيتم تقاسم الأعباء بين الدول المختلفة. لا يمكن أن تحل الولايات المتحدة وحدها المشاكل العالمية».
وتقول استاذة القانون الأمريكية إن ما تخاف منه حقاً هو السبب الثاني من اسباب تراجع البلاد: «لقد انهار الحلم الأمريكي بمعناه الحقيقي. فقد أصبح متوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة أدنى من المستوى المسجل في الأنظمة الديموقراطية الصناعية الأخرى، وينطبق الأمر نفسه على معدل وفيات الأطفال ومعدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية. كذلك تسجل الولايات المتحدة أعلى نسبة مساجين في العالم، ويواجه الأمريكيون ايضاً مشكلة اللامساواة في المداخيل أكثر من أي بلد آخر في الدول المتطورة.. ولا يمكن الحفاظ على زعامة العالم إذا قبل الأمريكيون بهذه الظروف المحلية التي بدأت تشبه أوضاع بعض دول العالم الثالث».
وتختتم الكاتبة توقعاتها بالقول حول مصير بلادها: «إن مشكلة تراجع النفوذ الأمريكي حقيقية ويجب أن يُعترف بذلك صراحة، فإذا لم يتوقف الأمريكيون عن الكذب على أنفسهم، فسيصبح التراجع حاداً ودائماً» ( الجريدة، 2012/2/5).
ومن الحقائق التي تنبئ في رأي البعض، بتدهور الولايات المتحدة الوشيك، تخلخل تركيبتها السكانية، وهجوم الآسيويين وسكان المكسيك وبقية أمريكا اللاتينية عليها، ما يدفع المجتمع صوب تحول سكاني عميق، نتيجة للهجرة المشروعة وغير المشروعة. ولا تستطيع السلطات أن تمنع بعض وسائل الحصول على الجنسية الأمريكية مهما بدت مثيرة للريبة.
وقد سأل مراسل خلال مؤتمر صحفي للخارجية الأمريكية في نهاية عام 2012: «ما هي سياسة الولايات المتحدة تجاه الصينية التي تحضر آلاف الصينيات الحوامل إلى امريكا لوضع أطفالهن هناك حتى يصبحوا مواطنين أمريكيين تلقائياً»؟ فأجاب المتحدث إن قانون الهجرة الأمريكي لا يمنع ذلك، وبدا واضحاً أن المراسل أصيب بخيبة أمل، وأبدى استغراباً لرد المتحدث. وعندما قال المتحدث «هذا هو قانوننا» رد الصحافي: «إنكم تدمرون وطننا». وقد أظهر تقرير أصدره مكتب الإحصاء الأمريكي في واشنطن أن البيض في أمريكا سيصبحون أقلية بعد خمسين عاماً. كما أظهر تصاعداً في أعداد المتحدرين من أصول لاتينية وآسيوية ما سيغير بشكل جذري ملامح الولايات المتحدة. وقال التقرير صراحة، إنه بحلول عام 2060، سيشكل غير البيض %57 من سكان الولايات المتحدة، بينما تبلغ نسبتهم اليوم %37 من السكان، وأغلب هذا التغيير سببه استمرار زيادة مواليد الأقليات بمعدل أعلى من مواليد البيض، كما أكده تعداد عام 2010، وتظل المكسيك أكبر مصدر للهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، حيث يمثل المكسيكيون %60 من هؤلاء المهاجرين، نحو سبعة ملايين شخص. ويأتي في المركز الثاني المهاجرون بشكل غير شرعي من السلفادور، نحو نصف مليون شخص، ثم جواتيمالا وبيرو. وهناك نحو ثلاثة ملايين مهاجر غير قانوني في ولاية كاليفورنيا ونحو مليونين في تكساس ومليون في فلوريدا! 
وكانت ولاية «ألا باما» قد أجازت في بداية السنة الحالية قانوناً متشدداً ضد المهاجرين غير القانونيين، مما أثار ضجة كبيرة. «لكن قطاع الأعمال في الولاية، وخاصة المزارعين، احتجوا على القانون، وقالوا إنه يتسبب في رحيل كبير للعمال المتحدرين من أصول لاتينية من الولاية، ويؤدي في الأخيرة الى نقص في العمالة. إن الأجانب في الولايات المتحدة، وربما في كل دولة، يعملون في اعمال لا يريدها سكان الدولة، وخاصة الزراعة اليدوية، وتنظيف الشوارع والمنازل، والعمل في المطاعم». (تقرير محمد الصالح، الشرق الأوسط، 2012/12/14).
ويرى المفكر الأمريكي الشهير صاحب نظرية صراع الحضارات «صامويل هنتنغتون » Huntington في مقال مطول بدورية السياسة الخارجية Foreign Policy، النسخة العربية مارس-أبريل 2004 : إن التدفق المتواصل للمتحدرين من أصول أمريكية لاتينية، يهدد بتقسيم الولايات المتحدة إلى شعبين وثقافتين ولغتين. فعلى عكس المجموعات المهاجرة الأخرى في الماضي، فإن المهاجرين المكسيكيين والمهاجرين اللاتينيين الآخرين، لم يندمجوا في التيار الرئيس للثقافة الأمريكية، بل انهم شكلواً بدلاً من ذلك جيوبهم السياسية واللغوية الخاصة بهم - من لوس انجلوس إلى ميامي - ورفضوا منظومة القيم الانجلو – بروستانتية، التي بنت الحلم الأمريكي. إن تجاهل الولايات المتحدة لهذا التحدي ينطوي على مخاطرة بالنسبة إليها» .
إن تدفق مهاجري المكسيك وأمريكا اللاتينية الى الولايات المتحدة أعقد بكثير من توافر العمالة الرخيصة. وحتى لو تطورت المكسيك بمعدلات عالية السرعة فقد لا يقلل هذا النمو النزعة الى الهجرة شمالاً. فخلال القرن التاسع عشر، حين كانت أوروبا تشهد عملية تطور صناعي سريع، وبدأت المداخيل الفردية ترتفع، هاجر نحو خمسين مليون أوروبي الى الأمريكتين وآسيا وأفريقيا. ولهذا يطلق «هنتتنغتون» على هذا الزحف القادم من الجنوب.. «التهديد اللاتيني»!

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك