عصام الفليج يكتب: والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد!

زاوية الكتاب

كتب 911 مشاهدات 0


الوطن

آن الآوان  /  والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد

د. عصام عبداللطيف الفليج

 

بعد انتهاء حروب الردة، أرسل الخليفة ابوبكر الصديق، القائد خالد بن الوليد الى العراق سنة 13ه، وجهز أربعة جيوش الى الشام، فبعث عمرو بن العاص الى فلسطين (وادي عربة)، وأبو عبيدة بن الجراح الى الجابية على طريق دمشق، ويزيد بن أبي سفيان البلقاء، وشرحبيل بن حسنة أعلى الغور فوق طبرية ونهر الأردن (وقيل نزل في بصرى).
وعين الصديق لكل منهم الولاية التي يتولاها بعد الفتح (أنظر الى ثقة النصر)، فجعل لعمرو فلسطين، وليزيد دمشق، ولأبي عبيدة حمص، ولشرحبيل الأردن.
سار القادة الى أهدافهم، فبلغ الروم ذلك، فجاء هرقل من حمص وجهز 240 ألف جندي، وأراد ان يحارب المسلمين متفرقين، فأرسل القائد تذارق نحو عمرو، وبعث جرجة نحو يزيد، وبعث الدراقص ناحية شرحبيل، وبعث الفيقار نحو أبي عبيدة، فهابهم المسلمون، وخاصة أن جميع ألويتهم لا تزيد على 27 ألفاً، فسأل الجميع بكتب مستعجلة عمْراً: ما الرأي؟ فأجابهم ان الرأي الاجتماع، وكتبوا الى أبي بكر بمثل ما كاتبوا به عمْراً، فكتب اليهم: ان اجتمعوا فتكونوا عسكراً واحداً.
بلغ ذلك هرقل، فكتب الى بطارقته ان اجتمعوا لهم، وانزلوا منزلاً فسيحاً فيه ماء، ليكون ضيّق المهرب لجنوده.
وجعل عليهم التذارق، وعلى المقدمة جرجة، وعلى مجنبتيه باهان والدراقص، وعلى الحرب الفيقار، ونزلوا الواقوصة (وهي على ضفة اليرموك)، وصار الوادي خندقاً لهم.
وانتقل المسلمون من عسكرهم الذي اجتمعوا فيه، فنزلوا عليهم، فقال عمرو: أيها الناس أبشروا، حُصِرتْ الروم، وقلما جاء محصور بخير. اذ ان الروم تتحرك في منبطح فسيح من الأرض، تحيط به من ثلاث جهات الجبال المرتفعة، فهم محصورون.
وبقي المسلمون أمامهم شهر صفر من13ه وشهرا ربيع لا يقدرون من الروم على شيء، الواقوصة من ورائهم، والخندق من أمامهم، ولا يخرجون خرجة الا نصر المسلمون عليهم، فلما انقضى ربيع الأول كتب أبو بكر الصديق الى خالد بن الوليد ليلحق بهم من العراق، وقد قال في ذلك: خالد لها، والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد.
قدر خالد خطورة الحالة، فأسرع وقطع المسافة بجيشه في خمسة أيام، وفرح المسلمون بخالد، واشتد غضب الروم بمجيئه، وقال هرقل لقواده: أرى من الرأي ألا تقاتلوا هؤلاء القوم، وأن تصالحوهم، فوالله لأن تعطوهم نصف ما أخرجته الشام، وتأخذوا نصفه، وتقر لكم جبال الروم، خير لكم من ان يغلبوكم على الشام، ويشاركوكم في جبال الروم، ولكنهم أبوا. ومرض في هذه الأثناء الصديق، وتوفي للنصف من جمادى الآخرة، قبل الفتح بعشر ليال دون ان يعلموا.
واتخذ الطرفان استعداداتهما، الروم في 240 ألف، منهم 80 ألفاً مقيدون بالسلاسل كي لا يفروا من المعركة، والمسلمون 36 ألفاً مع جيش خالد، وعرض خالد على الأمراء ان يكونوا جيشاً واحداً، فوافقوا وأمّروه عليهم.
علم خالد ان القتال كل بفرقته سيطول، وفيه اضعافا للجهود، فعبأ الجيش وقسمه الى أربعين كردوساً (أي: كتائب كبيرة)، كل كردوس ينقسم الى: قلب وميمنة وميسرة، وشهد المعركة ألفاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر خالد الكراديس الأربعين كلها ان تنشب القتال من كل الاتجاهات.
حينها وصل البريد الى خالد بوفاة أبي بكر الصديق، وولي عمر بن الخطاب الخلافة، وكان قراره الأول تأمير أبي عبيدة على الجيش، فأخذ خالد الكتاب وجعله في كنانته، مخافة ان أظهر الأمر ان يضعف معنويات الجند.
ونشب القتال بقوة في اليوم الأول، وزحف الروم بأعدادهم الكثيرة فردهم المسلمون، وفي هذا اليوم كثرت الجراح من كثرة السهام، واعورّ من المسلمين 700 مقاتل، فسمي ذلك اليوم «يوم التعوير».
واستمر القتال على الرغم من الجراح والقتلى بنفس القوة في اليوم التالي، وأصيبوا جميعاً بجراحات كبيرة.
وكان الهجوم الأخير عاماً على الروم، واقتحم خالد وجيشه خندق الروم، فتساقطوا وتهافت منهم في الوادي 80 ألفاً، وانتهت المعركة باستشهاد 3 آلاف من المسلمين، وقتل من الروم 120 ألفاً، وارتحل هرقل من حمص مودعاً سورية وداعه الأخير، وقال قولته المشهورة: «سلام عليك ياسورية، سلاماً لا لقاء بعده».
وبعد انتهاء معركة «اليرموك» التاريخية، أعلن خالد مضمون الكتاب، واعتزل الامارة، وولاها مكانه أبا عبيدة رضي الله عنهم جميعاً.

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك