'تفضيل الكلاب على من لبس الثياب'!.. بقلم عبد العزيز الفضلي

زاوية الكتاب

كتب 967 مشاهدات 0


الراي

رسالتي  /  'تفضيل الكلاب على من لبس الثياب'

عبد العزيز صباح الفضلي

 

لا تستغربوا هذا العنوان، فلقد كتب الإمام أبو بكر المرزباني سنة 381هـ كتابا سماه «تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب»، ووضح أن سبب كتابته له هو ما حل في زمانهم من «فساد المودة بين الناس وخسّة أخلاقهم ولؤم طباعهم» هكذا كان وصفه، وأنه أصبح من الصعب أن تجد الخل الوفي والصديق النصوح.

في الوقت الذي تجد فيه الكلب لمن يقتنيه أشفق من الوالد على ولده والأخ الشقيق على أخيه، ذلك لأنه يحرس راعيه، ويحمي حريمه شاهداً وغائباً، نائماً ويقظان، ولا يقصّر عن ذلك وإن جفوه، ولا يخذلهم وإن خذلوه.

وأقول هذا وصف ما كان في زمانهم؛ فماذا نقول عن زماننا الذي نجد فيه بعضاً من الجيران يهتك ستر جاره، والصديق يغدر بصاحبه، والشريك ينصب على شريكه، والمستأمن على المال أو العرض يخون أمانته، ومن أُعطي منصباً لظاهر صلاحه يخون من ولاه ليأخذ مكانه.

أورد الإمام المرزباني قصصاً عن وفاء الكلب، ومنها أن الحارث بن صعصعة كان له أصدقاء وندماء يسهر معهم ويرافقونه في أسفاره، وأنه في إحدى رحلاته خرج مع بعضهم وترك في البيت كلباً ربّاه، فتخلف عن ركبهم أحد أصدقائه إذ كان قد واعد زوجة الحارث على زيارتها في البيت في غياب زوجها، فلما دخل عليها وشربا الخمر وقع على زوجة الحارث فلما رأى الكلب ذلك الفعل هجم عليهما فقتلهما، فلما رجع الحارث ونظر إلى القتيلين وعرف القصة أنشأ قائلا:

وما زال يرعى ذمّتي ويحوطني

ويحفظ عرسي والخليل يخون

فوا عجباً للخلّ يهتك حُرمتي

ويا عجبا للكلب كيف يصون

ثم هجر أصدقاءه واتخذ الكلب نديماً وصاحباً وكان يقول:

فللكلب خير من خليل يخونني

وينكح عرسي بعد وقت رحيلي

سأجعل كلبي ما حييت منادمي

وأمنحه وُدّي وصفو خليلي

ومما ذُكِر من قصص وفاء الكلب أن عامر بن عنترة كان له كلاب صيد وكان يُحسن إليها ويرعاها، فلما مات «عامر» لزمت الكلاب قبره حتى ماتت عنده في الوقت الذي تفرق عنه الأهل والأقارب.

ومن عجائب الزمن أن الناس اليوم أصبحت تخوّن الصادق الأمين، بسبب دعاية أو وشاية، أو سوء تقدير، فتقوم بإقصائه أو معاقبته، ليكتشفوا لاحقاً الجرم الذي فعلوه ولكن بعد فوات الأوان، وهذا مشابه للحادثة التي ذكرها المرزباني في ختام كتابه لرجل ماتت زوجته وخلّفت وراءها صبياً، وكان له كلب ربّاه، فترك يوماً ولده في البيت ومعه الكلب وخرج لبعض حوائجه وعاد بعد فترة ليرى الكلب عند الباب ووجهه وجسمه ملطخاً بالدماء، فظن أن الكلب قد قتل ولده، فعمد إلى الكلب فقتله، فلما دخل البيت وجد الصبي حيا وإلى جانبه أفعى ضخمة ميتة، فندم الرجل على فعلته، لكن حيث لا ينفع الندم، إذ قتل الكلب الأمين بسبب تهوره واستعجاله في الحكم عليه!!

إن الحديث عن وفاء الكلب إنما قصدت به المقارنة بينه وبين سوء طباع بعض الناس، وهو ليس دعوة إلى اقتنائه أو تربيته في البيوت دون حاجة، ففي الحديث: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة»، ويقول عليه الصلاة والسلام: «من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط».

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك