كتب التاريخ يجب أن تكتب بمداد الحقيقة!.. برأي صالح الشايجي

الأنباء

بلا قناع  /  'انجليزي بو تيله'

صالح الشايجي

 

في أوائل سبعينيات القرن المنصرم تقريبا أنهت بريطانيا وجودها المباشر وغير المباشر في الدول العربية والتي كانت تحكمها اتفاقيات حماية وما شابه، إما على شكل تدخل مباشر أو اتفاقيات حماية محددة ومقيدة التدخل، وهي فترة امتدت لقرن كامل تقريبا.

وبذلك انتهت مرحلة ما يسمى بالاستعمار ونالت الدول العربية استقلالها وأصبحت هي المسيطرة على قرارها الوطني والمدبرة لشؤونها وسياساتها الداخلية والخارجية. وأسدل الستار على «العرض الاستعماري» وغادرت سفن المستعمر الموانئ العربية مخلفة وراءها دولا تسير نحو المجهول، فإما خير وهناء وسعادة لتلك الدول، أو نكبات وعثرات ودموع ونحيب

أنا بحكم عمري أنتمي إلى الشطر الأخير من المرحلة الاستعمارية أو مرحلة التواجد الأجنبي في البلاد العربية، وكنا في صغرنا نردد أهزوجة شعبية بلهاء تقول «انجليزي بو تيله.. عساه يموت الليلة» ولأطفال مصر أهزوجتهم «يا عزيز يا عزيز.. كبة تاخد الانجليز»

إذا ما عذرنا أطفال مصر على أهزوجتهم، ومردّها مرار قد يكونون رأوه من الإنجليز بحكم وجود الإنجليز على أرضهم بدباباتهم وجيشهم، فما مبررنا نحن أطفال الكويت آنذاك لنطلب الموت للإنجليز الذين لم نر لهم جنديا في بلادنا ولا وجودا متغطرسا يحسسنا بالدونية وأننا مقهورون في بلادنا.

هذه الحالة أراها تتكرر الآن لدى الشعوب العربية، فمن يكرهون الأجنبي ويكلون إليه كل خراب يحل في البلاد العربية على أيدي شعوبها وحكامها، هم ممن لم يعاصروا الاستعمار أو الوجود الأجنبي في بلدانهم، وهم نشأوا على كراهية من لم يعاصروه ولم يعرفوه ولم يخبروا خيره أو شره، وأقصد بهم من هم في حدود الخمسين من أعمارهم نزولا حتى الشبان المراهقين أو حتى الأطفال.

ما إن تحدث مصيبة أو كارثة عربية مدوية إلا وكان الأجنبي وراءها حسب ظنونهم التي يجزمون بيقينيتها، وهذا ما يمكن تسميته بالحقد الوراثي اللاعقلاني.

رأي منبعه العاطفة الساذجة المسطحة التي لا تتطلب جهدا للتفكير والمعرفة والفهم.

وأعتقد أن دواء هذه العلة يكمن في تدريس التلاميذ العرب من صغرهم تاريخ المرحلة الاستعمارية بطريقة صحيحة تعتمد على الحقيقة لا على خيالات مجنحة كما نراها في الأفلام السينمائية، أما كتب التاريخ فيجب أن تكتب بمداد الحقيقة حتى وإن تصادمت مع عواطفنا.