أحمد عبدالملك يكتب - مبررات الإرهاب في الخليج

زاوية الكتاب

كتب 648 مشاهدات 0

ارشيف

في يوم من أيام رمضان سقط 64 قتيلاً في كلٍ من الكويت وتونس، بينما جُرح 227 شخصاً في حادث الاعتداء الانتحاري على مسجد الإمام الصادق في دولة الكويت يوم الجمعة الماضي.
تفجير الكويت كان عبرَ شخص يتمنطقُ حزاماً ناسفاً شوهد – عبر كاميرات المسجد – هو يدخل ويبدو جسمه العلوي مُتخماً بالمتفجرات. بينما كان 'بطل' حادثة فندق تونس - في سوسة شرقي تونس – طالباً تونسياً أردى مجموعة من السياح بواسطة رشاش وقد تسلل مع مجموعة من خلف الفندق.
بالطبع، فإن مسلسل القتل – في نفس اليوم – طال أكثر من مكان، فقط سقط 45 قتيلاً في الصومال إثر هجوم شنته حركة الشباب الصومالية المتمردة على جنود حفظ السلام الدولية. كما قُتل شخص في هجوم إرهابي على مصنع غاز في مدينة ليون الفرنسية، وكان المهاجم يرفع علم (داعش)، وُجدت جثة الرجل مقطوعة الرأس، وحولها كتابات باللغة العربية. كما قتُل 20 شخصاً في كردفان بالسودان، وقُتل 145 مدنياً في كوباني، إثر تجدد المعارك في درعا وريف دمشق، وقُتل أيضاً 20 شخصاً من قوات الأسد في الحسكة إثر هجوم انتحاري من قبل عناصر (داعش).
نحن في الخليج لم نألف هذه الروح الشريرة التي تطال المدنيين الآمنين، ولم يسبق لآبائنا وأجدادنا أن شهدوا تفجيرات في دور العبادة وفي رمضان بالذات. وهو الشهر الحرام، وأيضاً قتل النفس التي حرّم الله بدون حق !؟ وإذا ما كانت العصبية المذهبية مؤججاً وقادحاً لمثل هذه العمليات، فلقد عاشَ السنة والشيعة مئات السنين في هذه المنطقة لم يجمعهم إلا الاحترام والمحبة، ولم يحدث ما يُعكر صفو أبناء البلد الواحد. فما الذي حدث ؟ وكيف يُقبل الشباب على تفجير أنفسهم وهو في ريعان العمر؟ ولماذا ينظمُون إلى جبهات انتحارية تسلبهم نعمة الحياة ؟ وما هي الدوافع؟
1-نحن نعتقد أن خطاب الكراهية الذي تم تضمينه في الخطاب الدعوي من أهم مُسببات التوجهات الانحرافية في التفكير أو الانضمام إلى الحركات الجهادية أو المتطرفة مثل (القاعدة) و (داعش). ولقد أخبرني صديق خلال مناقشة هذا الموضوع بأنه عمل في بلد خليجي، وكانت تصلهم برشورات قربَ موسم الصيف تدعو الناس إلى عدم تحية 'الكفار' أو الشراء منهم، وعدم مشاركتهم أفراحهم، وعدم الابتسام لهم، وأن يضمر المسلم ما لا يُظهر، وغيرها من التعليمات للمسافرين إلى أوروبا بالذات. وهذا التوجه أَضّر كثيراً بعلاقة المسلمين مع الآخر، وبنى عليها المسلمون – محدودو الفكر والتفكير- مواقف استعدت عليهم الأمم الأخرى التي تؤمن بالعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان !؟ وبذلك برزت الصورة 'النمطية' للمسلم في عقول الناس وفي وسائل الإعلام الغربية والأمريكية.

2- إن حالة اليأس والإحباط التي عانى منها الشاب – في بعض دول المنطقة – كانت مُحفزاً رئيسياً لهؤلاء الشباب في 'تصديق' دعاوى الإرهاب، عبر الوعود الذهبية، مثل الجنة وحور العين، ولاحظوا أن التركيز على (حور العين) من الأمور التي اجتذبت هؤلاء الشباب الذي يعانون الحرمان داخل مجتمعاتهم، وعدم تمكنهم من حتى رؤية الجنس الآخر أو حتى الاقتراب منه!؟ وهذه نتيجة حتمية للتوجهات المتشددة – التي لا تعترف بالاعتدال –والتي حرّفت الدينَ الحنيف ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا)، وقوّضت الدعائم الأساسية لسماحة الدين ورحابته لقبول تلك الأفكار (لكم دينكم ولي دين).
3-غياب العدالة الاجتماعية في بعض دول المنطقة، وتغييب الانتصار للوطن أو الأمة. وكان من نتائج هذا الغياب غيابُ مبدأ تكافؤ الفرص، وشيوع المحسوبية، وعدم عدالة التعيين، وإقصاء الكفاءات، خصوصاً ذات العمق الضعيف في المجتمع. وهذا أدى إلى تدني الإنتاجية، وشيوع الفساد، وغلبة 'الفزعة' والانتصار للشخص ( أنا وابن عمي على الغريب)، وهو ما شطرَ المجتمعات وألهاها عن الوحدة الوطنية، بل والشعور بالانتماء للوطن.
4- غياب الحريات العامة في بعض دول المنطقة، وإحساس المواطن بالاختناق من صرامة القوانين أو التعليمات غير المشرعة التي تضع المواطن دوماً في خانة 'الاتهام' وأنه يعيش داخل سجن كبير دونما حقوق، ودونما اعتبار للحريات العامة. وهذا يؤدي إلى الإحساس بـ (الاغتراب) المجتمعي والثقافي، مما يُسهل على الجهات المتطرفة اختراقَه، وبالتالي تجنيدَه في عمليات انتحارية.
5- وجود التُّهم الجاهزة في بعض الدول؛ والتي أفرزتها الحالات الأمنية المتلاحقة، وحدوث 'سُعار أمني'، يغّلب الشكَّ على اليقين، ويُشيعُ حالة من الخوف والرهبة حتى بين المواطنين المخلصين والمنتجين، فيلجَأون إلى التراخي أو العبور إلى الهوامش خوفاً من حالات 'الاشتباه' التي أحياناً تؤدي إلى القضاء على مستقبل المواطن، في الوقت الذي تضيّق عليه مساحة الدفاع عن نفسه ، وهو بالطبع لا يستطيع مقارعة الدولة.
6- لا نختلف على أن ما يجري على الساحة العربية من اغتيالات وحالات انتحارية إنما مصدرها اختلاف المذاهب، خصوصاً بين السنة والشيعة! وللأسف لم تتمكن العقلية العربية الإسلامية الخروج من هذه الأزمة حتى بعد مرور 15 قرناً من الزمان. بل إن الزعامات الدينية ورموزها قد ساهمت في تعزيز وتوطيد تلك الاختلافات على مرِّ العصور، وتبادل الاتهامات والسباب والألقاب المُحقّرةِ بين الطرفين. وهذا ولّدَ حالة من الكراهية تحوّلت إلى العنف بمجرد وصول طرفٍ من الأطراف إلى السلطة – مثل الحالة العراقية واليمنية – أو حصول مجموعات متطرفة على دعم لوجيستي خارجي – مثل القاعدة وداعش وحزب الله وغيرها – ومبادرتها في إعلان الحرب على مناوئيها.
نحن في منطقة الخليج يهمنا أن تبقى دولنا في منأى عن الأفكار الشاردة، والأحقاد الغاضبة، وأن يتعاضد المواطنون بكافة فئاتهم ومذاهبهم نحو مواجهة المخطط الإرهابي الذي يريد الإطاحة بنعمة الله علينا في هذه المنطقة وهي نعمة الأمن. وأن يتم تحويل خطاب الكراهية إلى خطاب تسامح، ورفض الدعوات التي ترفض الآخر، بل وتعديل بعض القوانين التي لا تخدم الوحدة الوطنية، أو تُبرز التفاضل بين أبناء الوطن الواحد. كما يجب توجيه الإعلام ليكون أكثر انفتاحاً على قبول الآخر، ورفض الدعوات الانفصالية، التفضيلية، الإقصائية، التي نراها يومياً على بعض الفضائيات العربية ، خصوصاً الدينية منها.
وأخيراً نقدّم التعازي لإخواننا في دولة الكويت وفي تونس على مصابهم الجَلل، وندعو المولى القدير أن ينعم علينا جميعاً بالأمن والأمان، وأن نساعد الجهات المختصة للقيام بدورها في دعم هذا الأمن، وحماية المجتمع من أية شرور، والقضاء على مسبباتها.

 

الآن - جريدة الشرق

تعليقات

اكتب تعليقك