قبضة الإستبداد اخرجت روح العباد ! يكتب صالح المزيد

زاوية الكتاب

كتب صالح المزيد 1022 مشاهدات 0


الإستبداد هو التفرد بِقَول أو فعل وقصر الأُمة عليه اطراً نحو إتجاه جبري أوحد!، ومنطقهُ يقول ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، واقتبس تعريف الإستبداد للمفكر الإسلاميّ عبدالرحمن الكواكبي رحمه الله من كتابه 'طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد' حيث قال رحمه الله: ' الإستبداد لغةً: هو غرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة أو الأستقلال في الرأي وفي الحقوق المشتركة. وقال ايضاً رحمه الله: ويراد بالإستبداد عند اطلاقه استبداد الحكومات خاصةً لأنها أعظم مظاهر اضراره التي جعلت الإنسان أشقى ذوي الحياة، وأما تحكم النفس على العقل وتحكم الأب والأُستاذ والزوج ورؤساء الأديان وبعض الشركات وبعض الطبقات فيوصف بالإستبداد مجازاً أو مع الإضافة. وقال ايضاً: الإستبداد في اصطلاح السياسيين هو تصرف فرد او جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف، وقد تطرق مزيدات على هذا المعنى الإصطلاحي فيستعملون في مقام كلمة الإستبداد كلمات مثل استعباد، اعتساف، تسلط، تحكم' انتهى الإقتباس.

 وأقول ان اي 'مستبد' لابد لهُ من مناصرين وملأ يحمونه ويكونوا من بلاطه!، والمستبد لديه جناحان الأول القوة العسكرية والقبضة الأمنية والثاني الشرعية الدينية بخطابها الشرعي 'المؤول والمبدل'!، وأنظروا للتاريخ الإسلامي ستجدون كل 'مستبد' لا يطير ويحلق بسماء الإستبداد والطغيان إلا عبر هذين الجناحين!

إلا أن هذا الطائر 'المستبد' نهايتهُ السقوط لا محالة وأن طال زمانه بالتحليق، والذي يسقطه أما مستبد مثله ينقلب عليه طمعاً بشهوة السلطة، أو الأُمة التي هي مصدر السلطات ولها السيادة والقوامة تصحى من سُباتها وتواجه 'الطائر المستبد' بالقوة والحكمة معاً لتصحح مسارهُ أو تُخلعه اذا تمادى وتكبر وطغى!

فيا ترى ماذا حدث للأُمة الإسلامية؟ ولماذا هذا حالها؟ ولماذا صار 'المستبد العادل' مطلب عند بعض المسلمين بل غاية مرادهم؟

إن الخلافة الراشدة للأربعة الكبار ابو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين التزمت بالخطاب القرآني والسنة النبوية فصار خطابها الشرعي هو الخطاب الربانيّ المُنزل فجعلت القوامة للأُمة وهي من تختار الخليفة أو الأمير بحرية تامة وامتدت ثلاثون سنة وبعدها حدث 'مُحدثٍ!' هلك الأُمة ونزع القوامة منها وصارت كالعبيد عند مليكها!

فحينما تولى معاوية ابن ابي سفيان رضي الله عنه الإمارة بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه الحُكم لهُ وسميّ هذا بـ عام الجماعة اي اجمعوا على معاوية وفي أواخر أيامهُ وَرّثَ معاوية الحُكم لأبنهُ يزيد دون مشورة المسلمين، وهنا حدث 'المُحدث!' وصارت الخلافة ملكاً يُورث جبرياً وعضوضاً، فإستبدت الدولة الأموية بالحُكم، ثم استبدت الدولة العباسية بالحُكم، ثم استبدت دولة المماليك بالحُكم، ثم استبدت الدولة العثمانية بالحُكم توريثاً عبر المُحدث الذي هلك الأمة الإسلامية، نعم ان رمزية الخلافة في هذهِ الدول الأربع كانت حاضرة دون شك الا انها شكلية، والإستبداد صار نهجاً للحُكم فصار بعض المسلمين يطالبون بالمستبد العادل! بدلاً من الخلافة الراشدة! وهذا خضوع لا يقبلهُ الدين بخطابه الشرعي المُنزل!، ولاحظ معي أخي القارئ ما من دولة من هؤلاء الدول الأربع وإلا وسقطت اتدري لماذا؟

لأن الطائر 'المستبد' نهايتة السقوط وان طال تحليقه في سماء الإستبداد والطغيان كما بينت سالفا!

قال رسولنا ﷺ 'عليكم بسُنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الراشدِين المهديِّينَ من بعدي, عَضُّوا عليها بالنواجذِ, و إياكم و مُحدثاتِ الأمورِ, فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ' حديث صحيح.

وقال رسولنا  ﷺ 'إيَّاكم و محدَثاتُ الأمورِ ، فإنَّ شرَّ الأمورِ محدثاتُها ، و إنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٍ و إنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ' حديث صحيح.
وفي زيادة ' وكل ضلالة بالنار' حسنها العلامة ابن باز رحمه الله.

فالحديث الشريف ساطع البيان واضح الدلالة على التمسك بسنة الخلفاء الراشدين وهي 'الخلافة الإسلامية وقوامة الأُمة والشورى' حتى يُقطع دابر الإستبداد والطغيان ولكي لا تهلك الأُمة وتكون كالقصعة كما هو حالنا اليوم!، فمنذ توريث الحُكم من معاوية رضي الله عنه لأبنهُ يزيد حدث المُحدث الهالك!، وقبضة الإستبداد اخرجت روح العباد بحيث اضحوا كالعبيد مملوكين خالية صدورهم من روح الحرية و المشورة و القوامة، وهذا جَراء الخطاب الشرعي المؤول والمبدل لمشايخ السلاطين الذي أقروا بهذا المُحدث وتناسوا الخطاب الشرعي المُنزل!، وكما قال شيخنا د.حاكم المطيري حفظهُ الله بكتابه 'الحرية أو الطوفان' حيث قال:' ان الخطاب الشرعي المُنزل هو من وقت النبيﷺ الى وفاة الصحابي الخليفة عبدالله إبن الزبير رضي الله عنه (مع الإنتباه هنا لبداية المُحدث بتوريث معاوية رضي الله عنه الحُكم لأبنه يزيد وحدثت المُحدثات الهالكه في نفس المرحله بأواخرها!!) ، و بعد وفات ابن الزبير الى سقوط الدولة العثمانية وبأواخر أيامها مرحلة الخطاب الشرعي المؤول!، وبعد سقوط الدولة العثمانية الى يومنا هذا مرحلة الخطاب الشرعي المبدل!!!!

والسؤال الى متى سيستمر هذا الخطاب الشرعي المبدل !!!!!؟

واصبح حالنا من أُمة اسلامية واحدة بحُكم واحد الى أُمم قطرية بقيادات مختلفة خاضعة لتقسيم سايكس بيكو الذي صنعه الغرب وتم إنشاء الحُكم الجبري العضوض بنصوص شرعية مبدلة ما انزل الله بها من سلطان!!!!

إني أعلم ان الرجوع لشكل ونظام الخلافة الراشدة التي أمرنا رسولنا ﷺ بالتمسك بها بالنواجذ امراً ليس سهلاً ومعقداً، إلا ان القاعدة الفقهية تقول' لا يتعطل المقدور بتعذر المعسور' فالمطلوب الآن نهوض الشعوب العربية والإسلامية نحو إتجاه تحقيق إرادتها الإسلامية والشرعية بحُكم انها صاحبة القوامة بإختيار حكوماتها بحيث تأتي من رحم صناديق الإقتراع عبر البرلمان اي دستورياً ما يسمى 'بالنظام البرلمان الكامل'، وان تواجه الظُلم بكل سليمة وان تنبذ العنف بجميع اشكاله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتركب قطار التغيير بالتدرج وتعيش بالربيع، وتترك الراديكالية الى آخر العلاج بمثابة الكيّ وبحكمة ايضاً بلا عنفوان، لينعكس هذا على الوطن الإسلامي والعربي بالإيجاب ويتم التقارب والتلاصق شيئا فشيئا بين الشعوب وتتقارب الوجهات والقرارات التي تحدد المصير المشترك الفعلي وتدريجياً نحو  إنشاء شكل إتحادي إسلامي الى ان نتمكن رويداً من الوصول الى الخلافة الإسلامية ليعود حال الأُمة كما كانت بعهد الخلافة الراشدة قوية ومتينة وحضارتها شامخة وتسود العالم وتُهزه!

وحيث بشرنا رسولنا ﷺ بعودة خلافة النبوة الراشدة وقال ' تكونُ النُّبُوَّةُ فيكم ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ - تعالى -، ثم تكونُ خلافةٌ على مِنهاجِ النُّبُوَّةِ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ - تعالى -، ثم تكونُ مُلْكًا عاضًّا، فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ - تعالى -، ثم تكونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فيكونُ ما شاء اللهُ أن يكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ - تعالى -، ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ نُبُوَّةٍ . ثم سكت'حديث حسن كما قال الألباني رحمه الله.


وعلى الأُمة الإسلامية من اقصاها الى اقصاها ان تعلن التوبة الجماعية لله تعالى بعدم امتثالها لأمر النبي ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحيٌ يوحى بالتمسك بسنة الخلافة الراشدة كنظام للحُكم بالنواجذ، وبأنها احدثت محدثةٍ هلكة الدولة الإسلامية الواحدة ومزقتها بل اسقطتها جراء الإستبداد والطغيان والتغلب، فإن كل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة بالنار!

الآن - رأي / صالح المزيد

تعليقات

اكتب تعليقك