عن جراد الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.. يكتب صالح الشايجي

زاوية الكتاب

كتب 655 مشاهدات 0


الأنباء

بلا قناع  -  مرثية زمن

صالح الشايجي

 

كانت أقلامنا كسيوف صقيلة، أو كربابة تشدو بأناملنا أحلى الشدو وأعذبه.

كنا كشعراء «عكاظ» أو كشعراء المعلّقات.

كنّا نخلب الألباب ونلفت الأنظار كل حين من تلك الأحيان المدبرة.

كنّا كأجراس تدقّ هنا فيسمعها من كان هنا ومن كان هناك.

مشاعلَ وبيادرَ.. كنّا.

وجار الزمان ـ والزمان يجور ـ فغدت أقلامنا جرداء يبابا كأنها «أعجاز نخل خاوية» أو كجرائد نخل يابسة عجفاء تتذكر يناعتها وخضرتها وطراوتها ولينها والثمر الملتف بها كأمّه.. تتذكر وتحزن ولكن جفت مآقيها وما عاد فيها من دمع تذرفه.. فيغتالها الحزن واليباس.

أفسدت كتابتنا وقل ضجيجها وانصرف الناس عنا، وطردتنا العملات الرديئة.

عافنا السوق وأشاح عنا المتسوقون حتى كسدنا وأنزلنا من الرفوف وأبعدنا عن العيون النظارة وأودعنا المخازن بانتظار الرحمة الكبرى.

طردتنا العملات الرديئة التي دخلت الأسواق لتشتري البضائع المغشوشة الرخيصة ذات البريق الكاذب واللمعة الخادعة، والتي حلت بديلا عن بضاعتنا الأصلية.

داخَلَنا الغرباء والسفهاء والسابلة والدهماء والسوقة من أصناف أهل الأرض ومن المنتحلين صفات البشر، فعزلونا وأقصوْنا ودعوا النخاسين لبيعنا في سوق النخاسة.

داهمنا الدهماء من كل صوب ومن كل «فجّ عميق» فاحتلوا الساحات ورفعوا بيارقهم ودقّوا طبولهم ونثروا سحرهم ونشروا شعوذاتهم.. والناس بهم هائمون مستهامون، يستلهمونهم وكأنهم وحي الهزيع الأخير من الليل.

خرجت الجرذان الآدمية من جحورها فأكلت أخضر الحقل ويابسه.. بعدما قتلت الحراس وحتى خيالات المآتة..ثم صارت تقتات على لحومها النتنة.. ويحي.. إنّي أرثي زمنا وأناسا وكتّابا وأقلاما وصحفا وقراء.. أرثي سنين أسعدتنا أيامها.. وأرثي أياما أسعدتنا لياليها.

أرثي كتاباتنا في تلك السنين الغابرات، قبل أن يغزونا جراد الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي تسيّدها الجراد الخاوي رأسه قبل بطنه.. فراح يتقافر على كل خضراء يانعة باسقة فيمتص اخضرارها ويحيلها جرداء يابسة.. أرثي أقلامنا الملكات المخطوب ودّهن، المرفهات المنزّهات المدلّلات الماشيات على الارض هونا.. لا غرور ولا تعاليَ.. المنصفات المعطيات كل ذي حق حقه.. ذاك زمن أخضر.. وهذا زمن أجرد..

من حقّي أن أرثي زماني ومملكتي المهدومة المغدورة..

ومن حقّ أهل هذا الزمان حبّ زمانهم هذا والدفاع عنه..

وسيأتيهم زمن..يحرق زمنهم..

إن الأزمنة تنتقم من بعضها..

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك