الأغلبية و خيبة البراك! بقلم سارة الدريس

زاوية الكتاب

كتب 7187 مشاهدات 0

سارة الدريس

لست أعرض نفسي هنا في هذا المقال كخبير و محلل سياسي ، أو باحث تاريخي ، أو متنبئ بما سيكون ، إنما أنا شاهد و قارئ ، عاصرت الفترة ، و قرأت أنه في تاريخ الكويت كلما وصلت معارضة إصلاحية إلى مجلس الأمة ، تقوم السلطة بتفتيتها ، تارة عبر حل المجلس ، و تارة عبر تزوير الانتخابات و الانقلاب على الدستور ، و تارة عبر تغيير النظام الانتخابي ، و تارة عبر مجلس وطني معين .. الخ ، يحدث بعدها حراك شعبي معارض ، ثم قمع و ملاحقات ، ثم تستسلم المعارضة و ترضخ للأمر الواقع و تعود لمربع السلطة صاغرة ، و كلام السلطة يمشي 'بقيمة و بمطاعة' .. و المؤسف أنه على طول مدة الحياة شبه الديمقراطية في الكويت ابتلينا بمعارضة قصيرة نفس ، سرعان ما تتشرذم و تتراجع و تتفكك .. اما بصراع الزعامات .. او نزاع حول الاولويات و الاهداف .. و ليس هذا موضوعي الأساسي انما هي محاولة للإشارة إلى أننا نعيش سيناريو مكرر لا جديد فيه ، و ردود فعل مكررة ، و نلدغ من ذات الجحر ألف مرة ، ولا نتعلم! ..

و حتى لا نرى بعين واحدة ، و نضع السلطة كشماعة دائما ، سأقوم هنا بعمل جلد و لشط ذاتي ، لعله مبرح ، لكنه من شخص محب صادق ولا نحتاج للتدليل ، ولا أطيل .. أعيد ما قلت أعلاه لأبدأ موضوعي 'كلما وصلت معارضة اصلاحية للمجلس تقوم السلطة بتفتيت هذا المجلس' ، أريد أن أسلط الضوء على مجلس 2012 .. هذا المجلس الذي عاصرناه و بإمكاننا أن نطرح رأينا فيه دون عودة إلى أحداث في كتب دونت من خلال وجه نظر آخرين، أود أن أسأل سؤالا بسيطا ، هل كان مجلس 2012 أو ما يسمى بمجلس الأغلبية مجلسا معارضا اصلاحيا فعلا؟ ، هل مجلس جاء بعد حراك شعبي عقدت الآمال عليه بتحسين البيئة السياسية كإصلاح القضاء و إقرار الأحزاب و نظام انتخابي عادل ، و الاستحقاقات الشعبية كالتعليم و الصحة و الاسكان فضربها بعرض الحائط و اشغل وقتنا و ضيع فرصة المجلس علينا بنزاعته حول قوانين هامشية لا تحد فقط من الحرية ، بل تعدمها حرقا ، كتعديل المادة الثانية ، و أسلمة القوانين و عمليات التجميل و قانون الحشمة ، و الطامة و المصيبة الكبرى قانون إعدام المسيء ، هي معارضة اصلاحية تؤمن بالحرية فعلا؟ ، ألم ندخل بموال لا نهاية له لمجرد مطالبة تلك الأغلبية بإضافة 'أل ' بدل ان تصبح مصدر رئيسي للتشريع 'المصدر' و كأن هذه الأل ستوفر لأبنائنا مقاعد في الجامعة أو ستحل عجز الميزانية أو توفر لذاك 'اللي ناطر بيت ' سكن و مأوى ؟ ،هل كانت أغلبية تحترم الأقلية؟ .. أعرف ان هذا المجلس لم يستمر الا بضعة اشهر و لم تكن المدة كافية للعمل و الانجاز .. لكنهم طرحوا القوانين التي ذكرتها للتو بهذه الاشهر .. و لا اقيم هنا عملهم داخل المجلس فقط .. بل في الحراك ايضا .. لذا اكمل معي.. ألم تكن و مازالت هذه الأغلبية طائفية؟ ، ألم ينجح كثير منهم بفرعيات عنصرية لولاها ما وصلوا و ما كانوا؟

كتلة أغلبية 'و خلينا نستثني منهم اثنين ثلاث' أغلب نوابها كانوا نوابا سابقين في مجالس أقرت القوانين المقيدة للحرية و التي نحاسب و نسجن نحن الان على أساسها اليوم على سبيل المثال الماده 25 من قانون أمن الدولة و الحبس الاحتياطي و قانون المرئي و المسموع ، كتلة أغلبية لا تملك رؤية ولا خطة ولا مشروع اصلاحي ، أغلب مشاريعها قضايا جدلية هامشية تصب في صالح معتقداتها و مصالحها الخاصة ، و يدندنون على كل قضية تكسبهم مودة شعبية و تدغدغ مشاعر البسطاء دون حساب تأثير هذه التشريعات على قيم التعايش و مصلحة البلد ، كتلة أغلبية وصلت إلى مرحلة من الافلاس أصبحت اجتماعاتها ليست الا حفلة شاي و بضع صور للذكرى و بيان يتيم ، و بعضهم كان يصيح معنا في الشوارع 'حرية حرية' و هو لا يدافع الا عن الاراء التي توافقه بينما يفتحون نار التشهير و التحريض على كل من يخالفهم بالدين و المذهب و الفكر، و لم يبلغ بهم الافلاس بل الوضاعة بأنهم حرضوا ضد من كان في أول صفوفهم ، يظنون أن الحرية فصلت لتناسب مقاسهم فقط ، و هذا ينطبق عليهم و على كثير من توابعهم ممن ايدوهم و اعطوهم هذه المكانة و مع بالغ الأسى و الأسف .. و المضحك أن بعضهم يرشح نفسه عبر انتخابات ديمقراطية و يصوت له الناس بصناديق ديمقراطية ، يصل للبرلمان و يقسم على احترام الدستور لينقض كل هذا و يطالب بتعديل المادة الثانية و تطبيق 'فهمه' للشريعة! ، و تخيلوا أن بعضهم صار أقصى ما يقوم به هو كتابة تغريدة دعاء حين اعتقال أي شاب من شباب الحراك ، و كأن دعائه هذا موقفا سياسيا ، لا ينتقد اجراء ولا يحاسب تجاوز ، يكاد يهمس همسا و يسمي نفسه معارضة!، كتلة أغلبية صارت موجودة كخيال المآته و محسوبة على الشعب كآخر خيار شرعي و عليه الالتزام به ، عقليات كهذه لا يمكن أن تقود حراك ، ولا يمكن تصمد ولا تستمر ، و هاهم الان يعلنون مشاركتهم فرادى تارة بتصريح و تارة بتلميح بعد ان فشلوا بتحقيق المطالب و المبكي انهم مازالوا لا يملكون مشروعا ولا عجب ، فمن خرج من رحم الفرعيات و الخطابات الطائفية و استثارة عواطف الجماهير الدين و يتكسب سياسيا من خلالها يقوم بأدهى و أمر ، و لا أنزه المجلسين السلطويين المسخين ، الانبطاحيين بشكل فج و البصامين بلا حياء الذين أتيا بعده من كل هذا، و ما أردى من المربوط الا المفتلت ..

عموما بعد كل هذا و في هذه الأجواء المشحونة اقليميا و محليا ، و بعد الخيبات المتتالية اعرف ان استجابة الناس لدعوى المقاطعة باتت ضئيلة جداً ، و لو أني أراه الخيار الأصوب ، فلست أرى جدوى من المشاركة بنفس السيناريو الذي تكرر حتى ضقنا به ذرعا ، و كما قلت في الفقرة الأولى بأن للسلطة طرق كثيرة لتفتيت أي مجلس معارض ، و حتى لا نعود لمربع السلطة للمرة المليون ، ولا ندور في ذات الدوامة، فحجة الاصلاح من الداخل ساقطة و لن تجدي نفعا مهما حاولوا اقناعنا فالشواهد تقول عكس ذلك ، لكن و حزينة جدا و انا اقولها إن أردت أن تشارك لا تصوت لهكذا خيارات ، يجب أن نعترف أن خياراتنا جزء أساسي في أزمتنا ، نحن من أوصلنا العنصري و الطائفي و مخلص المعاملات و سماسرة العلاج السياحي و صاحب الواسطات و المحسوبيات للمجلس ، لا نلوم السلطة فقط ، لنراجع خياراتنا ، صوت لأشخاص عقلانيين ، يمتلكون رؤى شاملة و مشاريع واقعية و حلول و خطاب متزن يقبلون الاخر و يحترمون الاختلاف و يفهمون جيدا قيم التعايش و يؤمنون أن الحرية تعني إيمانك بحرية حتى من يخالفك و حقه في أن يختلف ، لا تصوت لأشخاص يتكسبون باستغلال الدين و يصعدون بالتحريض ضد الاخرين و يستثيرون مشاعر البسطاء ، لا تختار أولئك ، ولا تكن مثل السلطة تجرنا لذات المربع دائما ..

بالنسبة لي كإلتزام أخلاقي ، مستمرة بالمقاطعة ، لن أشارك ما دام مسلم البراك في السجن ، الخطاب الذي سجن عليه قلت ألف مرة أنه يمثلني ، و عقاب مسلم عليه كأنه عقاب لي أيضا ، صفقت له حينها ، و لن أدير له ظهري حين حوسب بسببه و يدفع ثمنه الان ، لن أنقض عهدي به ، عقوبته ليست فردية ، بل لكل من أيده ، و لن أصوت أبدا لأشخاص نقضوا العهد برفيقهم و تركوه يدفع الثمن وحيدا ، لن أصوت لأشخاص مشاركتهم ليست إلا خيار قليلي الحيلة ممن لا يملكون عقلية سياسية ولا مشاريع تنموية ولا حلول تخرجنا من عنق الزجاجة ، صوتي أمانة في عنقي ، لن أسلمه لمن لا يستحقه ، و الكويت أمانتنا جميعا

ملاحظة 1 : الشباب الحر المستقل هم القادة الحقيقيين .. هم من ابتدؤوا الحراك .. و هم أصحاب التضحيات .. و هم من يرسمون خارطة الطريق .. و هم من عليهم أن يقودوا المشهد .. اجتمعوا ولا تكونوا تبع و منقادين و طبالين.

ملاحظة 2 : لا تتهمني جراء هذا المقال بالتحامل على الأغلبية ، فقد كنا أول من انتقدهم يوم كانوا فعلا أغلبية و في مجلسهم ، و كما قال مسلم البراك 'لا مجال اليوم لرفاهية المجاملة ' و هذا ينطبق على السلطة ، و على الجميع.

سارة الدريس

الآن - رأي : سارة الدريس

تعليقات

اكتب تعليقك