الخصخصة مالها وما عليها .. بقلم أحمد الداوس

تقـــشـــف تـاتشـــــر والكويت
أحمد الداوس

عندما تتعرض الدولة الى أزمة مالية كأن تنقص إيراداتها عن مصروفاتها, كما يحصل حاليا في دول الخليج وبلدان أخرى, يجري الحديث عن شيء أسمه الخصخصة, فما معناها؟
الخصخصة بالمفهوم المُبسط هي بيع الحكومة بعض شركاتها الحكومية الى القطاع الخاص, أي الى قطاع التجار حتى يتحملوا هم التكاليف المالية بدلاً من ان تتحملها الحكومة, وبهذا تتخلص الحكومة من عبء الإنفاق المالي.
لنضرب على ذلك مثالاً ففي أحدى محلات البقالة البريطانية كانت الفتاة مارغريت تعمل مع أبوها تاتشر, وفوق المحل كان منزلهما, وفي العمل تأثرت الفتاة بسلوك أبيها المتقشف, فموارد الأسرة المالية كانت محدودة, فزرع الأب في نفس إبنته قيم العمل الشاق وخدمة المجتمع, وخلال الحرب العالمية الثانية تأثرت الفتاة أيضاً بكلمات رئيس الحكومة وينستون تشرتشل الحماسية الذي كان يرفض استسلام بريطانيا للنازية الألمانية, ورأت في تشرشل رمزاً للبطولة, وفي العام 1951 درست مارغريت تاتشر القانون لأنها كانت تعتقد أنه سوف ينفعها عندما تخوض السياسة, وفي العام 1970 أصبحت وزيرة للتعليم في حكومة ادوارد هيث, وأُطلق على تاتشر لقب “سارقة الحليب” لأنها منعت الحليب المجاني عن الطلاب في المدارس البريطانية كسياسة تقشف لتخفيض الإنفاق .
في عام 1974 استقال ادوارد هيث وأصبحت تاتشر رئيسة لحزب المحافظين, وفي مايو 1979 فازت برئاسة الحكومة وكان الاقتصاد البريطاني يعاني من أزمة متمثلة بركود اقتصادي كما هي الحال اليوم في دول الخليج, وعلى السياسيين البريطانيين اتخاذ قرارات صعبة ضد رغبة المواطن, ولأن تاتشر كانت تعتنق فكرة التقشف والأسلوب الصارم لذلك اتبعت سياسات اقتصادية عنيفة غيرت وجه بريطانيا من خلال خصخصة الشركات المملوكة للدولة, مثل خطوط الطيران والسكك الحديد والاتصالات وصناعة النفط والغاز, وبناء السفن فزادت أرباح الشركات, واشترى البريطانيون الأسهم وحققوا الأرباح فانتعش الاقتصاد البريطاني وأصبحت لندن مركزاً مالياً ضخماً, لكن لهذا النجاح عيوب فقد ظهر تفاوت في الأجور بين البريطانيين وازداد عدد العاطلين عن العمل الى مليوني مواطن ولم تنخفض نسبة التضخم مع ظاهرة التشرد التي عمت بريطانيا, كما اندلعت أعمال الشغب في صيف 1979 فعمت المدن البريطانية, واستاء الناس من طريقة تاتشر في معالجة الوضع الاقتصادي, فكانت ترفض الخضوع لإضرابات نقابات العمال، ففي إحدى المرات أضرب عمال المناجم فأمرت بتخزين كميات من الفحم في محطات الطاقة, ووضعت شرطة لحراسته, وبعد سنة هُزمت نقابة الفحم وعاد العمال الى عملهم, بعدها ضعفت حركة نقابات العمال بشكل كبير, وأصبحت تاتشر مكروهة بين العمال في مختلف قطاعاتهم, وتعرضت تاتشر للهجوم بقنبلة, وهي تحضر مؤتمراً لحزب المحافظين في مدينة برايتون في العام 1984 قام به الجيش الجمهوري الإرلندي, لكنها نجت من الحادث ومات خمسة أشخاص وجُرح 34 شخصا, فواصلت تاتشر حضور المؤتمر وأدانت الحادث في اليوم التالي.
ارتكبت تاتشر خطأ كبيراً فبعد فوزها للمرة الثالثة في الانتخابات العامة العام 1987 فرضت مايُسمى “ضريبة الاقتراع” أي فرضت عبئاً مالياً على المواطنين, وكانت غلطة كبيرة منها بأن يدفع كل بريطاني هذه الضريبة بغض النظر عن دخله, فاندلعت أعمال الشغب في أنحاء بريطانيا وخرج مئة ألف متظاهر يصرخون بلافتات « لن ندفع « وجرح في المظاهرة نحو مئة شخص, وظهر الاستياء بين أعضاء البرلمان، ومع هذا فقد أصرت تاتشر على موقفها ووقف ضدها وزير الدفاع مايكل هسلتاين فطلبت مقابلة كل وزير في حكومتها على حده, واستقالت في يوم 28 نوفمبر 1990, وبشكل مختصر حققت تاتشر نجاحاً لكنها أضرت بقطاعات من المواطنين.
الخصخصة في الكويت يعني بيع ممتلكات البلد لبعض التجار, صحيح أنه قد يتحسن أداء الشركة أمام منافسة الشركات الأخرى لكن من عيوب الخصخصة أنها تزيد من معدل البطالة بين الشعب، فخصخصة محطات الوقود في الكويت كان من نتيجتها طرد العامل الكويتي لصالح الوافد, وأن التاجر سيدير الشركة وفقا لمصلحته, وقد لايقبل ابني أو ابنك في العمل لديه, وربما تستغني الشركة عن المواطن فجأة فيجد نفسه يبحث عن عملٍ في مكان آخر