صالح بن نخي يقارن بين إضرابي ' النفطيين الكويتي' و'الأطباء البريطاني'

زاوية الكتاب

كتب 1248 مشاهدات 0

صالح بن نخي

الراي

ما بين اعتصامي النفطيين والأطباء

صالح بن نخي

 

تعايشت خلال الأشهر الستة الأخيرة مع المعركة المحتدمة بين الأطباء البريطانيين والحكومة التي قررت فرض عقود عمل جديدة على الأطباء (ما عدا الاستشاريين) تتضمن تغييرات عديدة، أهمها زيادة ساعات العمل وتخفيض معدلات الأجر، ما تسبب بضجة كبيرة وردود فعل مختلفة في المجتمع البريطاني، فمنهم من اعتبر هذا الفعل تقشفاً حكومياً، بينما رأى أخرون أحقية الحكومة بتطبيق مثل هذا القرار.

كانت ردة فعل الأطباء قوية وحازمة، حيث رفضوا «فرض» أي عقد بأي شكل من الأشكال، لكنهم حرصوا على الالتزام بالأطر النقابية وطالبوا الحكومة بالجلوس على طاولة الحوار لحل مكامن الخلاف، وبعد أشهر من المفاوضات، انتهت تلك المحاورات بتعنت حكومي جُوبه باضرابات متكررة بصورة تصعيدية من قبل الطاقم الطبي. وما بين هذه المناوشات المستمرة، لم يسعنِ إلا تذكر الأزمة المشابهة للقطاع النفطي في الكويت.

ما زالت أزمة القطاع النفطي في الكويت مستمرة رغم فض الإضراب، حيث يجلس كل من ممثلي القطاع النفطي والحكومة على طاولة الحوار في محاولة للخروج بحل مرضٍ للطرفين، وتتوقف المحاورات بين حزم حكومي تجابهه تهديدات نقابية بالإضراب. وجه الشبه في كلا الموقفين ـ البريطاني والكويتي ـ هو الفشل الحكومي في كسب الطرف الآخر لتسهيل عملية التغيير المقيتة، ففي كلتا الحكومتين، تمت صياغة العقود الجديدة من دون محاورة الطرف المعني أو الأخذ برأي أهل الاختصاص، بل تم اتخاذ تلك القرارات وفقاً لـ«الميزانية» والرغبة بإيجاد حلول «ترقيعية» لسد مكامن الخلل فيها.

رغم تشابه الموقف الحكومي في الدولتين، إلا أن الاختلاف في ردة الفعل النقابية كانت شاسعة، وما هذا الاختلاف إلا انعكاس لتباين الثقافة النقابية في كلا المجتمعين، وللأسف، فشل النقابيون الكويتيون في استغلال الخطأ الحكومي بأخطاء أشد سوءاً من نظيرتها الحكومية، فكانت الأزمة كمسابقة لتتويج الأقل كفاءة، وقد نجحت النقابات النفطية بالفوز بعد جهود مضنية. فكيف حصدت النقابات النفطية، اللقب؟ يتمثل فشل النقابات النفطية بخطأين جوهريين، فحين طالب الأطباء بلغة الحوار قالوا «نحن... أنتم»، فيما كانت لغة النفطيين «نحن وأنتم».

حينما أعلنت الحكومة البريطانية تطبيق عقود عمل جديدة على الأطباء، طالب الأطباء نقابتهم مباشرةً بالجلوس على طاولة الحوار للوصول إلى حل وسط مرضٍ للطرفين وإن تكبدوا خسائر طفيفة، وبعد شهور من المفاوضات قررت الحكومة «لي ذراع الأطباء» بفرض العقد الجديد من دون اعتبار للمفاوضات الجارية، وحينها بدأ الأطباء عملية التصعيد والتدرج بالاضرابات، حيث بدأت بوقف الخدمات غير الطارئة لساعات معينة، ثم إضرابات أشد تزمتاً وتنديداً بالقرار الحكومي. أما النقابات النفطية، فسرعان ما أعلنت عن إضراب شامل وتام متسببة بشلل جزئي لأهم قطاعات البلد، ملقية بكل أوراقها من دون اعتبار لأي مفاوضات مستقبلية، متبعةً أسلوب لي الذراع لفرض المطالب، وتسبب الأسلوب غير المدروس للنقابات بردة فعل حكومية متزمتة رافضة للمساومة ما أدى إلى تعقيد الوضع والخروج بخفي حنين!

السبب الثاني في فشل النقابات النفطية، أنها لم تتعظ من درس فشل الحكومة في كسب الطرف الآخر، ففي حين روج الأطباء في المملكة المتحدة بأن إضرابهم يهدف لحماية مرضاهم من شر العقد الجديد في ساعات العمل كاسبين بذلك تعاطف الشارع العام، خرجت النقابات النفطية بتصريحات تهديدية بأن إضرابهم سيتسبب بأضرار بيئية كبيرة إن طال، مما وجه رسالة واضحة لبقية الشعب تقول «نحن لا نهتم بكم، ونحن مستعدون للاضرار بكم!»، فخسروا تأييد الشارع الذي وقف بصف الحكومة الكويتية وشد على يدها فخسروا المعركة!، وأكاد أجزم بأن كسب الشارع ووقوفه مع القطاع النفطي كان سيتسبب بتراجع حكومي، وإن لم يلغِ القرارات الجديدة كلياً فكان ـ على الأقل ـ سيخفف من حدتها.

نقطة أخيرة:

النهج الذي انتهجته النقابات النفطية «الصراخ ولي الذراع» يعكس ـ وللأسف ـ ثقافة مجتمع، وإن كان البعض يندب نظام الدوائر الخمس والصوت الواحد، كسبب رئيسي لضعف بعض مخرجات المجلس، فلا أعلم كيف يفسرون ضعف النقابات العمالية التي تمثل نخبة المجتمع، «العلة فينا» لا هي بدوائر ولا هي في أصوات

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك