مجلس الدولة في الكويت

زاوية الكتاب

بين القانون والاجتماع والعنف - يكتب علي الطراح

كتب 2530 مشاهدات 0

د.علي الطراح

خص الدكتور علي الطراح/ استاذ علم الاجتماع ومستشار الأمين العام لليونيسكو لشؤون المنطقة العربية - بمقال عن مشروع قانون مجلس الدولة والجدل الدائر حوله في البلاد، مستعرضا أبعاده له تتعلق بعلم الإجتماعي، وفي ما يلي نص المقال:


مجلس الدولة .. بين القانون والاجتماع والعنف


استحضرني الجدل الدائر في الكويت حول التوجه نحو قيام مجلس الدولة باعتباره استكمال لفراغ دستوري وفق ما فهمته من بعض الاطروحات القانونية ، بينما انقسم رجال القانون في تفسير اسباب التوجه وفي ظروف محددة شهدت بعض من التباين حول بعض من الاحكام القضائية ، وكان منها وربما اهمها قضايا الجنسية . فالتوجه نحو مجلس الدولة فهم على انه يحمل مضمون السيطرة والهيمنة لصالح السلطة التنفيذية ، ونتيجة لغياب الرسالة الاعلامية الواضحة جاء التفاوت والتشكيك ليشغل بال الكثير ويجعل المختص والخارج عن الاختصاص ، ان يدلي بالرأي ، الى ان تدحرجت القضية لتتحول الى منحى سياسي له عواقبه غير المحببة التي تسبب البلبلة بين العامة من الناس.

والجدل الذي اشرت اليه تصاحب مع مناقشة في دوائر الاختصاص في منظمة الامم المتحدة شهدتها شخصيا وشاركت بها باعتباري مستشار لشئون المنطقة العربية في منظمة اليونيسكو . وكان النقاش يدور حول تصاعد وتيرة العنف في المنطقة العربية ، ومحاولة معرفة الاسباب ، وكيفية المعالجة. وانقسم الفرقاء حول ربط العنف بمساحة جغرافية معينة وتحديدا العربية، بينما العنف شكل لنا ظاهرة عالمية تحتاج الى مزيد من الفهم لاسبابه . وربما المهم في الامر والمرتبط بموضوع الجدل الكويتي ، تجسد في تراجع كمية او جرعات العلوم الاجتماعية التي يتلقاها الطالب في سنوات دراسته التأسيسية . واصحاب هذا التوجه يجدون ان هناك ثوابت تؤكد ان اختلال ميزان الدراسة بين ما هو علمي ونقصد به العلوم الطبيعية وبين العلوم الاجتماعية ، الذي بات واضحا نتيجة للتطور التقني في مجال الانترنت او ما يطلق عليه عصر المعلوماتية التي شكلت حياتنا بعمومها . فيرى هذا الاتجاه ان الجرعات الاجتماعية تراجعت في المناهج ومن ثم اثر ذلك في تكوين القيم الاجتماعية الضابطة للسلوك الانساني ، وميل نحو العنف وتنامي العدوان. والخلاف تجسد بأن المنهج التعليمي في المنطقة العربية بحاجة الى اعادة توازن بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية ، والخلل في العلاقة اعتبر احد نتائجه وتجلياته سلوك العنف المنتشر بمساحة واسعة.

وكان الجدل ضمن رؤية عقلانية مجردة اكدنا فيها حقائق مهمة وكان اهمها ان الاختلال بين العلوم الطبيعية والاجتماعية ليس بقضية عربية ، بقدر ما هي عالمية ، فصحيفة الوشنطن بوست الامريكية اوردت كثير من التحليلات حول هذه الظاهرة العالمية وطالبت باعادة تقييم العلاقة بين العلوم الطبيعية والاجتماعية وتحديد الجرعات المطلوب تدريسها لاجل احداث توازن في السلوك والعقل .وصاحب الجدل الدائر بعض من الدراسات المعمقة حول شخصيات تبنت العنف او تحث عليه او تقوده ، فهي شخصيات معظمها جاء من تخصصات علمية ، وكان نصيب الاطباء والمهندسين ليحتلوا مراتب ونسب مرتفعة بين الجهاديين ، بينما قلت النسبة لدى حاملي الدرجة الجامعية من الكليات الاجتماعية . ومن الطبيعي كان الجدل يتجه نحو فهم اسباب العنف والعمل على وضع استراتيجية تحد من انتشاره بيين الشباب على المستوى العالمي .

وبالعودة الى الجدل الكويتي حول التباين في اسباب التوجه نحو انشاء مجلس الدولة في الوقت الذي لدينا هيئات قضائية تنظر القضاء الادراي بعناية وبحرص بقدر ما تمليه سلطة القاضي وضميره ومسطرته القانونية . وعندما نلتقط صور سريعة حول طبيعة الجريمة في الكويت فاننا نجد تطور باشكالها ونوعها وجنسية مرتكبها ونوعه الجنسي . ففي العقود الاخيرة نشاهد ارتفاع بنسب جرائم المخدرات بين المواطنين من الجنسين ونلاحظ انخفاض في سن الفئة العمرية وتراجع في قوة الضبط الاجتماعي الذي من ضمنه القانون . اذن هناك تطورات يجب رصدها بعناية سواء من مختص القانون او المختصين في العلم الاجتماعي والنفسي ، فهم شركاء في تفسير الاسباب بالدرجة الاولى. وبحكم التخصص في مجال علم الاجتماع ، يتضح لنا ان مهمتنا تتجسد في فهم الظواهر الاجتماعية وبعلاقات الافراد ببعضهم البعض كجماعات متنوعة ، كما نتوجه نحو فهم النظام الاجتماعي الذي يحكم المجتمع وعلاقة الفرد او الجماعة بمؤسسات الدولة من ناحية وعلاقته بمختلف المؤسسات غير الرسمية ودورها في التاثير على سلوكه العام .ومن وضع الاسس في دراسة الانسان والمجتمع العلامة ابن خلدون في 1405 ميلادي وأسماه بعلم العمران ، واشار بمقدمته : وكأن هذا علم مستقل بذاته، وانه ذو موضوع وهو العمران البشري والاجتماع الانساني،وذو مسائل : وهي بيان ما يلحقه من العوارض والاحوال لذاته واحدة بعد اخرى' واضاف بقوله: وأعلم ان الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة غريب النزعة غزير الفائدة'.

ويأاي علم الاجتماع القانوني الذي يعني بدراسة القانون والنظم القانونية وتركيبها الاجتماعي، ويهتم بوصف الكثير من الاتجاهات المعنية بالعلاقات الموجودة بين القانون نصا والمجتمع. فهو العلم الذي يدرس الحقيقة الكلية للقانون وكيفية توظيفه لصالح المجتمع وتحولة الى قوة ضابطة للسلوك وللعلاقة بين الفرد والمجتمع بمؤسساته المختلفة.

ولما كانت الساحة الكويتية شهدت كثير من الجدل حول السلطة القضائية سواء من منتسبي السلطة القضائية او المهتمين من السياسيين ، فالجدل قد يتسع وتتسع معه انعكاساتة التي ربما نعتبرها بمثابة مساس بالسلطة القضائية التي يجب عدم مس هيبتها بل ان تعضيدها يشكل ضرورة لحفظ ميزان العدالة في المجتمع. وكما نعرف تقوم الدولة الحديثة على وجود ثلاث سلطات تمارس ادورا مختلفة بحسب ما تنص عليه نصوص الدساتير من اختصاصات ومهام ، بيد ان تلك المهام قد تبدو متداخلة حينا ومتقاطعة حينا آخر. ومن شأن هذا التداخل ان يحدث لبس في العلاقة او سطوة سلطة على اخرى مما يحدث خلل في وظائف السلطات ويضعفها ومن ثم يضعف الدولة باعتبارها الحاضنة للسلطات المختلفة . وفي هذا السياق ، لدينا شواهد مختلفة في بلدان عديدة ، تسعى السلطة التنفيذية للسيطرة او الهيمنة على السلطة القضائية مما يفتح افاق مظلمة تخل بركائز الدولة على المدى البعيد . لذا يحض المشرع في الدول الحديثة على حماية السلطة القضائية وتعزيز استقلالها ومنحها استقلالية كاملة تبعد عنها شبح التداخل والتدخل الذان قد ينالان من هيبتها ويلغيان استقلالها .

ان استقلال الوظيفة القضائية ضرورة ملحة بشقيها العضوي والموضوعي . ومن ثم فان اثارة الحديث حول التوجه نحو مجلس الدولة يجب ان يدرس بعناية ، وان يحتضنه القضاة بالدرجة الاولى لنضمن تحصينه ونحفظ هيبته لما له من ثقل في حفظ قوة الدولة. فالموضوع يجب ان يحاط بعناية فائقة ومجردة من اي اهواء خاصة تخدم هذا الطرف او ذاك . فدعوتنا تتوجه نحو التعقل وان ندفع نحو مزيد من صلابة سلطات الدولة التي نص عليها دستورها .

أ.د. علي الطراح

استاذ علم الاجتماع ومستشار الأمين العام لليونيسكو لشؤون المنطقة العربية

كتب: د.علي الطراح

تعليقات

اكتب تعليقك