المناكفة أقصى طوحات المشاركة

زاوية الكتاب

ما بين المشاركة والمقاطعة - تحليلات سياسية مهمة لجاسم السعدون

كتب 7053 مشاهدات 0


المناكفة أقصى طوحات المشاركة



عندما صدر مرسوم الصوت الواحد، ذكرت في ندوة عامة بأنه الإنقلاب الرابع على الدستور، وأنه سوف يفشل في تحقيق أهدافه المعلنة، فالتنمية المستهدفة سوف تتردى، وبديلاً لتحقيق اللحمة الوطنية، سوف نحصد المزيد من التفكك، ولا أظن أن أحداً يمكن يخلص الآن إلى ما يخالف تلك الحصيلة. واليوم، تبقى مقاطعة الإنتخابات القادمة هي السبيل السلمي الوحيد المتاح، إن لم يكن من أجل تحقيق هدف بناء وحماية مستقبل وطن طيب، فمن أجل عدم المساهمة في جريمة تسريع تدهور أوضاعه، وذلك أضعف الإٍيمان.

فصيلان سياسيان حتى الآن، أعلنا عودتهما عن المقاطعة ورغبتهما في المشاركة في الإنتخابات القادمة، الأول هو 'ثوابت الأمة'، ومبرره فتوى دينية من خارج الحدود السياسية للكويت، ولا علاقة لها بالديمقراطية، وذلك أمر لا يعنيني، ولا علاقة له بصلب قضيتنا، وإنما بنتائجها اللاحقة، والثاني هو الحركة الدستورية. والحركة الدستورية، جاءت بتبرير لمشاركتها، قد يكون الوحيد المتداول لدى غيرها من الراغبين بالمشاركة، وهو أن المشاركة قد تؤدي إلى وقف سرعة الإنحدار الذي كابدته البلد في السنوات الثلاث الفائتة. ولأن الديمقراطية الحقة تعني ضرورة إحترام خيار الآخر وإجتهاداته، فأنا أحترم خياريهما، ولكنني أود الاجتهاد في نقض مبرر المشاركة، لأنني أكاد أجزم، بأن حصاد إنتخابات عام 2017 سوف يكون أسوأ من حصاد إنتخابات عام 2013.

الخلاصة العامة لوجهة نظري تلك، هي، أن الديمقراطية في صلبها تعني الحق والقدرة على التغيير السلمي للحكومة، وبعد ثلاث إنقلابات غير دستورية قبل غزو الكويت وإحتلالها، كلها جاءت دفاعاً عن ثبات حكومة المحاصصة، جاء الإنقلاب الرابع ليؤكد بأن الديمقراطية الكويتية تتوقف عند تهديد ثبات حكومة المحاصصة، وذلك يلغي الديمقراطية من أساسها. يبقى المتاح من أجل ضمان ثبات الحكومة، هو الكرم في شراء الولاءات لها، لا يهم إن كان ذلك في صورة إستشراء للفساد، ولا يهم إن كان في صورة محاصصة في منح الوظيفة أو الخدمة أو كسر منظومة القوانين والقيم، وذلك ما حول الكويت تدريجياً، من المقدمة في إقليمها على الأقل، إلى وضعها المتخلف الحالي.

لكن، لا بأس من بعض التفصيل في تحليل النتائج المحتملة للتوسع المحتمل في قاعدة المشاركة في الإنتخابات القادمة، وسوف أحصرها إختصاراً في أربع نقاط كالتالي:



أولاً- المحتوى والنتيجة في تشكيل المجلس القادم - الفساد والتنمية

المشاركة في أحسن الأحوال سوف تأتي بأقلية تجيد المناكفة في مواجهة حكومة ضعيفة وأغلبية من صنف النواب المناديب، وفي ظل النقمة السائدة حالياً، سوف تكسب المناكفة زخماً لدى الرأي العام، وحتى تدافع الحكومة عن ثباتها أو ديمومتها، سوف ترفع من السعر أو المكافأة لشراء ولاء المناديب، مما يجعل سوقهم رائجاً بزيادة نصيبهم من الخدمات والوظائف، وربما المال، والإيداعات والتحويلات لن تكون بدعة وإن كانت ضلالة. ذلك لا يعني إزدهار ورواج الفساد فقط، وإنما يعني مزيد من التخريب للسياسات العامة، فالمناديب سوف يحصلون على حصصهم في المناصب الإدارية الكبرى، وسوف يساومون الحكومة الضعيفة على وأد سياسات الإصلاح غير الشعبية، لذلك سوف تسوء أحوال الإدارة العامة المسئولة عن التنمية.

ثانياً- اللحمة الوطنية

أمام فساد المناديب وفشل نواب المناكفة في الحد من ذلك الفساد ودعم الإصلاح، وعودة مشاركة جماعات أو قوى دينية في تشكيل المجلس الجديد، أو ثوابت الأمة والحركة الدستورية، فسوف تنشأ معها نزعة للتطرف الديني من أجل التعويض، لذلك من شبه المؤكد أن تزداد حدة الطرح الطائفي والذي سوف يزداد زخماً بفعل الأحداث الجيوسياسية الساخنة والبائسة في الإقليم حولنا. وبعد الهبوط الحاد في مستوى التعامل في المجلس المهادن الحالي، فمن العقال إنحدرنا إلى النعال، سوف يبلغ المستوى القادم للنقاش بالكلمات ما دون ذلك، وخطره هو في سهولة إمتداده إلى شارع محبط. ذلك يعني، أن المشاركة لن تؤدي باللحمة الوطنية إلى حال أفضل من حال التنمية، فالإثنان سوف يسيران بإتجاه معاكس، وبسرعة أعلى.

ثالثاً- المشروعية

مع المقاطعة، وثقلها كان كبير، تظل معظم إجراءات حكومة المحاصصة الدائمة، ونواب الأغلبية من صنف المناديب، يفتقران إلى المشروعية في إتخاذهم لإجراءات مجرمة، مثل سحب الجنسية لدواعي سياسية، وسجن المعارضين، وتكميم الأفواه، والإعلام شبه الموحد، إلى جانب إستشراء الفساد وفشل التنمية وضرب الوحدة الوطنية. وإتساع قاعدة المشاركة، سواء صوت نواب المناكفة مع أو ضد أي قرارات أو سياسات من ذلك النوع، سوف يضفي المشروعية عليها، لأنها تمت بقرار أغلبية شاركت، وبقرار أغلبية داخل مجلس الأمة. أي أن المشاركة لن تحقق أي هدف إيجابي، ولن توقف تسارع تدهور أوضاع التنمية واللحمة الوطنية، ولكنها أيضاً سوف تمنح حكومة المحاصصة، ومجلس تسيطر عليه أغلبية مناديب، مشروعية هما في أشد الحاجة لها.

رابعاً- الأوضاع غير الأوضاع

ما قبل خريف عام 2014، كانت سوق النفط رائجة، إنتاجاً وأسعاراً، وفي أوضاع وفر كبير في الموازنة، كان المال يغطي عجز الحكومة الهائل، وكانت تسوق فسادها ورداءة أداءها بتوزيع العطايا والهبات، بما جعل حتى غالبية عقلاء القوم، غافلين عن خطورة نواقصها. في الوقت الحاضر، إعترفت معظم الدول المصدرة للنفط بأن أوضاعها باتت غير مستدامة، وبأن الإصلاح لم يعد يكفي علاجاً، وإنما هي بحاجة إلى إستدارة كاملة وقاسية للدفاع عن إستقرارها ووجودها. فنزويلا مثلاً، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من التحول إلى دولة فاشلة، ولا يفصل الدول التي تؤخر إستدارتها، سوى بعض الوقت حتى بلوغ مرحلة فنزويلا، وإذا سلمنا بأن زمن رواج سوق النفط قد غطى على خطايا حكومة المحاصصة، فالأوضاع الحالية سوف تضاعف من تبعاتها. فالعجز المالي المحتمل في عام 2016 يبلغ نحو 4 أضعاف الحد الأعلى والخطر المتعارف عليه عالمياً، وهناك 420 ألف كويتي صغير قادم إلى سوق العمل خلال 15 سنة، مقابل 420 ألف في سوق العمل حالياً، أكثر من نصفهم عمالة فائضة. وفي عام 1986 قامت الحكومة بإنقلابها الثالث على الدستور من أجل ضمان الأمن واللحمة الوطنية وبناء الإقتصاد، وإنتهت تلك الحقبة بغزو وإحتلال خارجي، هذه المرة، نظرة إلى حالة فنزويلا، أو دول في الإقليم حولنا، كافية لمعرفة منبع الحظر القادم.

في الختام، المشاركة من وجهة نظري تعني قبول تدريجي بتحويل مجلس الأمة إلى المجلس الوطني سيء الذكر، والمشاركة، تعني القبول بغياب الديمقراطية مع بصمة وختم على ثبات حكومة المحاصصة العاجزة عن إدارة مطار أو شركة طيران أو ميناء أو بناء طريق صالح...الخ، ولعل وعسى أن تصبح تلك الحكومة مع المشاركة، قادرة على تحقيق وعد قديم لم يتحقق، بضمان نظافة حمامات المطار الدولي مع نهاية عام 2014، ولكن، بعد خراب كل ما عداه.

جاسم خالد السعدون
15 يونيو 2016

مقال اليوم- جاسم السعدون

تعليقات

اكتب تعليقك