المخاطر المترتبة على نتيجة الاستفتاء الذي جرى في بريطانيا ليست واقعية.. برأي فهد الصباح

زاوية الكتاب

كتب 547 مشاهدات 0

فهد الصباح

النهار

رأي اقتصادي- خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي... «واحنا شكو»؟

فهد داود الصباح

 

دخلت بريطانيا الاتحاد الاوروبي ولم يتغير شيء في العلاقات الكويتية معها، واختار البريطانيون الخروج من الاتحاد ولن يتغير شيء لسبب بسيط، وهو ان العلاقات الاقتصادية معها بقيت قائمة على التبادل بالجنيه الاسترليني، وبالتالي فان الحمى التي سرت في عروق المحللين بشأن المخاطر المترتبة على نتيجة الاستفتاء الذي جرى يوم الخميس الماضي ليست واقعية، وهي واقعية عندما يكون الاستفتاء على بقاء الاتحاد الاوروبي او انفراط عقده، عندها يمكن التوسع في التحليل والبحث عن مخارج من ازمات مستجدة ستضاف الى ازمة اسعار النفط وغيرها من الازمات الاقتصادية، لكن السؤال الواجب الاجابة عنه هو: لماذا نختار القلق من المتغيرات حتى التي نعرف ان تأثيراتها محدودة علينا، او عديمة التأثير، وهل لذلك علاقة بتكوين الوعي الجمعي لدينا، بمعنى اننا لا نملك، كمجتمع درجة كافية من الوعي تبعد عنا الخوف من كل امر نراه مجهولا لأن الانسان بطبيعته يخاف من المجهول؟

منذ بدأت حركة التغيير الاجتماعي الناجمة عن الطفرة المالية بعد ارتفاع اسعار النفط قبل نحو نصف قرن، وتسارع مشاريع البنية التحتية وتغيير النمط المعيشي بعد موجة تثمين المنازل القديمة من اجل اعادة تخطيط المدن والقرى الكويتية، فرض نمط الحياة المستجد ما يشبه سلسلة من الثغرات الاجتماعية، فنظرت الغالبية الى مسألة تحديث المنازل والاعتماد المتزايد على التنكولوجيا كحل نهائي لكل ازماتها الاجتماعية، فمثلا عدم وجود تلفزيون في البيت كان يعتبر تخلفا، في الوقت الذي لم نعتمد فيه على بناء الانسان من خلال التعليم القائم على تشجيع المبادرات الفردية التي اتسم بها المجتمع الكويتي في مرحلة ما قبل النفط.

كان التعليم ومايزال عندنا قائماً على التلقين والاعتماد الكلي المطلق على الاخر، وجاء مفهوم الاعتماد على العامل غير الكويتي كثقافة وسلوك اجتماعي متكامل، يبدأ من الاعمال المنزلية ويمر بالتربية ولا يتوقف عند التخطيط، ولم نلاحظ التشوهات الاساسية في هذا النمط وطبيعة ثقافة الاخر الاتي من ثقافات متعددة، وبدلا من اخذ الايجابي في تلك الثقافات انسقنا وراء السلبية، ما ادى الى قتل الابداعية عند الاجيال الكويتية مما زاد في الجهل، اي اعتمدنا تربية الجهل وهو ما زاد القلق في اللاوعي المجتمعي، فكانت القبلية والطائفية مثلا ملجأ لنا، خصوصا بعد صدمة الغزو التي لم نستفد منها في تعزيز الثقة بالنفس... نعم تعزيز الثقة بالنفس حين اعتمد الكويتيون على انفسهم في كل نواحي الحياة، فبدلا من تعزيز هذا الشعور اصبحت المسألة اغنيات واناشيد وشعارات لا اثر لها في الواقع، بينما في كل الامم التي تتعرض لهذا النوع من الازمات تتغير النظرة الى الحياة، ويصبح الشعور الوطني ممارسة، بمعنى يقضي المجتمع على السلبيات التي ادت الى الوقوع في الازمة، وتنشأ قناعة عند المواطن اساسها نهائية الوطن لا البحث عن ملجأ بديل كما حدث لدينا، في العقدين الماضيين.

خرجت بريطانيا او بقيت في الاتحاد الاوروبي لن يتغير شيء في الكويت، انما الذي علينا البحث فيه هو هذا الشعور بالقلق من اي تغيير يطرأ في هذا العالم، علما ان ما يجري في منطقتنا اكبر بكثير مما جرى في بريطانيا، فالاحداث في المنطقة ستؤدي الى تغيير مصيري كبير وسيطال كل المجتمعات لانها بالاساس مجتمعات غير محصنة، فدولنا نشأت في النصف الاول من القرن الماضي على اسس مختلفة عن طبيعتها الاجتماعية والثقافية، وحاولت النخب طوال تلك العقود فرض ثقافة لا علاقة لها بواقعنا، وبدأت من التعليم والاقتصاد، وهو ما ادى الى هذا الخلل الكبير الذي نعيشه اليوم، وهو النمط الاقتصادي القائم على ما يمكن تسميته كما تقول العامة «اقتصاد على البركة» لاننا اخذنا نمط الصيد حتى في النفط، فنحن ننتج نفطا ونبيعه في الاسواق العالمية وننفق مما نجني، فضربنا الاسس الصناعية التي كانت لدينا، وجعلنا التخطيط مجرد شوارع وابنية وغيرها مما لا يترك اثارا اجتماعيا حقيقيا، واعتبرنا ان تكديس المال على مستوى الثروة الفردية اساس الحياة وهو ما يمنع القلق من المستقبل، ولم ننظر الى الثروة الوطنية كأساس في الطمأنينة كما هي الحال في سويسرا مثلا التي رفض شعبها راتبا شهريا لكل فرد فيها لان الناس هناك تعتبر ان ثروة الدولة هي اساس الحماية، اضافة الى ان الحيادية السياسية السويسرية ادت الى حيادية اقتصادية بمعنى الانفتاح على كل العالم، فازدهرت الصناعات والاكتفاء الذاتي بغالبية ما يتطلبه الفرد، بينما نحن في الكويت، وبعد نحو ثمانية عقود على اكتشاف النفط، وقلة عدد السكان والثروة الضخمة ما نزال نعتمد على 95 في المئة من المنتجات المستوردة في حياتنا، وهذا الاعتماد يشكل ايضا مصدرا من مصادر القلق الدائمة.

في المحصلة علينا ان نبحث عن سبل الاطمئنان الاجتماعي التي لن تتوفر لنا الا عندما نثق بالوطن... نعم الوطن، واننا شعب تغلب في الماضي على شظف العيش بكل السبل الابداعية، واننا بحاجة الى بناء ذات اقتصادية مؤمنة بالاستمرارية وليس نمط الصياد الذي اذا لم يجد في هذه البقعة من البحر ما يصطاده يلجأ الى بقعة اخرى، لان استمرارنا على هذا النمط سيؤدي في نهاية المطاف الى خسارة الذات وخسارة المستقبل.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك