قراءة في خطاب العشر الأواخر

زاوية الكتاب

كتب 1276 مشاهدات 0


خطاب العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك والذي توجه به حضرة صاحب السمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد للشعب الكويتي أتى هذا العام ليسلط الضوء على قضايا مصيرية تتعلق بحاضر ومستقبل الكويت ما يدعو الجميع شعبا ومؤسسات رسمية ومدنية إلى أخذ توجيهات وتنبيهات سموه بعين الاعتبار والتعامل معها بفهم واعي وتحويلها إلى إجراءات تنفيذية يتم تطبيقها .

 

سمو الأمير ركز في الخطاب , كعادته دوما على الوحدة الوطنية , والتي أعتبر أننا بحاجة دائمة إلى التمسك بها كما ذكر أنها ستبقى السياج المنيع الذي درأ وسيدرأ المخاطر عن الكويت , وفي ذلك تنبيه إلى أن أي محاولة لهدم هذه الوحدة لأسباب مصلحية أو سياسية ضيقة ستواجه بالحزم , ولهذا على التيارات السياسية ووسائل الإعلام بمختلف أنواعها العمل بهذا التوجيه فمسألة الحفاظ على الوحدة الوطنية بمثابة الحفاظ على وجود الكويت .

 

وفي مقارنة بين أوضاع الكويت والأوضاع المضطربة في بعض دول المنطقة بين سموه أن الكويت وطن آمن ينعم أهله بالخير والرخاء , والتراحم في ظل دولة الدستور وكل هذا نعم يفترض أن نستشعرها دوما في ظل إقليم تشهد بعض دوله المخاطر والنكبات والصراعات , ويفترض أن نستخلص من كل ذلك الدروس والعبر ' فالعاقل من اتعظ بغيره ' .

 

هذا الجزء من خطاب سمو الأمير يجب أن يدفع وزارة الإعلام ووزارة الداخلية إلى مواجهة أي طرح ضيق ومصلحي يثير النعرات المذهبية والعنصرية بطريقة سريعة جدا ومن دون أن يؤثر ذلك على حرية التعبير والرأي , وهذا ممكن إذا كان هناك نظاما مؤسسيا في الوزارتين يضمن تطبيق القانون من دون عشوائية و بفهم للصورة كاملة .

 

سمو الأمير نبه في خطابه الأسر الكويتية إلى ضرورة توجيه الأبناء بالنصح والإرشاد لمواجهة الانفتاح الإعلامي السريع , وفي ذلك إشارة إلى أن دور الأسرة يعتبر الدور الرئيسي لمواجهة سلبيات هذا الانفتاح ما يدعو الوزارات المعنية إلى تكثيف الخطط التي تفعل دور الأسر في هذا الصدد عن طريق الدورات التدريبية والمشاريع الميدانية .

 

سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي تطرق لها سمو الأمير بتوسع ووصف بعض ما يكتب فيها من مقالات وتغريدات بأنه معول هدم يسيء للوطن وتتم كتابته جزافا ومن دون دليل وعبر التشكيك بالنوايا والذمم , كما تضمن خطاب سموه دعوة للإعلام التقليدي لعدم نقل ما يكتب في هذه الوسائل من دون تدقيق .

 

لا شك أن دعوة سموه لا تشمل فقط الجانب القانوني فالقوانين لوحدها لا تعالج الظواهر الغريبة , فالمعالجة تتطلب جهدا مؤسسيا من جهات عدة يتضمن خلق حالة من الوعي العام في هذه الوسائل ليس فقط من أجل التحذير من سلبيات استخدامها , وهو أمر مهم , ولكن أيضا من أجل استخدامها بشكل نافع فمتى ما حضرت الإيجابية قلت السلبية .

 

وفي هذا الصدد يمكن للهيئة العامة للشباب ولمكتب وزير الدولة لشؤون الشباب , وللمجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون القيام بمشروع توعوي ضخم ومستمر لسنوات طويلة يتضمن إنشاء واحات للمعرفة والترفيه في كل منطقة سكنية بحيث يجد الشباب بدائلا تجعله يستخدم أدوات التواصل الاجتماعي بشكل نافع بحيث يتعلم كيف يبدأ مشروعا تجاريا أو تعليميا أو تقنيا .

 

سمو الأمير ركز على أهمية تنمية مهارات وقدرات الشباب الكويتي ليكونوا أكثر وعيا ونضجا ما يجعلهم محصنين من الأفكار الضالة والسلوك المنحرف , واللافت أن سموه لم يركز فقط على أن يكون الشباب ضحية لفكر الإرهابي بل شمل ذلك مع أي سلوك اجتماعي ينحرف عن طبيعة الكويت المعتدلة والمتسامحة ما يدعو المختصين والمسؤولين كل في مجاله القيام بمواجهة كل ظاهرة سلبية من دون تهاون ومن دون تركيز على قضية وترك القضايا الأخرى فكما أن الإرهاب خطر جدا ايضا بعض الظواهر الاجتماعية تعتبر خطيرة جدا إن أهملت .

 

حادث تفجير مسجد الصادق الذي مرت عليه سنة كاملة كان محلا لإشارة من سمو الأمير حيث أعتبره مثالا رائعا يعبر عن أصالة معدن الشعب الكويتي , وعن تعاطف أبناءه بالسراء والضراء , وعن تمسكهم بالوحدة الوطنية ضد كل من يحاول بشيطانية إشعال الفتنة وبث النعرات والفرقة .

 

ولا شك أن في مواجهة الشعب الكويتي لهذا الحادث الخسيس دروسا وعبر يمكن أن تؤسس لمنهج مدرسي ومؤسسي تتم فيها مواجهة أي طرح مذهبي أو عنصري يبرز من قبل أي قوى متطرفة أو من قبل تجار السياسة ممن يستغلون الظروف الإقليمية الملتهبة لإقحام الشعب الكويتي في أتون الفتنة طمعا في مكاسب سياسية وانتخابية ضيقة .

 

ومن باب الوفاء كرر سمو الأمير , كما هي عادته دوما , وبكل تقدير وإجلال استذكار الأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد والأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله - رحمهما الله - فكم كان جميلا وفاء سموه لهما .

 

خطاب حضرة صاحب السمو الأمير بالفعل يجب أن يكون نبراسا لنا جميعا فمكانة سموه الشعبية قبل الرسمية , وموقعه الدستوري كرئيس للدولة وكأب للسلطات جميعا , وحكمته في إدارة الشأن العام منذ عقود طويلة تجعل من خطابه خارطة الطريق نحتاج إليها في زمن ضياع البوصلة وتداخل المصالح .

داهم القحطاني

تعليقات

اكتب تعليقك