ناصر المطيري يرى أن تنقية المجتمع من آفة الفساد السبيل إلى الوحدة

النهار

خارج التغطية- سور الوطن العظيم

ناصر المطيري

 

الصينيون القدماء عندما بنوا سور الصين العظيم  كان بهدف حماية بلادهم من أعداء الخارج وتحصينها من غزواتهم ليحققوا لشعبهم الأمن والاستقرار ، غير أن واقع الحال كان أن هذا الهدف لم يتحقق كما هو مرجو ، فقد تعرضت الصين خلال المئة سنة الأولى إلى ثلاث غزوات ، وفي كل مرة لم يكن الأعداء بحاجة إلى هدم السور أو اقتحامه بل كانوا يقومون برشوة الحراس عند بوابات السور العظيم، لأن الصينيين انشغلوا ببناء السور لسنوات بجهدهم وأموالهم ولكنهم نسوا بناء الحراس بقيم الأمانة والنزاهة والولاء!

لعل في هذه القصة بعض العبر التي نستقيها ونسقطها على واقعنا اليوم لأن الشعوب والأمم الواعية تستفيد من أحداث التاريخ فهو خير واعظ وأبلغ ناصح لمن ألقى السمع والبصر وهو شهيد.

العبرة المهمة هنا هي أن الشعوب هي السور الحقيقي لحماية الأوطان ، مهما علت الأسوار الاسمنتية أو الحديدية، وما لم يكن الشعب متآلفاً ومتحداً محباً بإخلاص لوطنه فإن اختراق الوطن يصبح مهمة سهلة لكل عدو يضمر الشر والطمع في أرضه.

والمؤسف أن في واقع الحياة الراهن بدأت تسود روح البغضاء والتخاصم بين أبناء الشعب الواحد وتراجعت قيم ومعاني الولاء للوطن لصالح قيم الولاء للمرجعيات السياسية والدينية والاجتماعية والفئوية والطائفية ، فأصبح سور الشعب هشاً وبنيانه غير متماسك أمام عاتيات الرياح من الأحداث والأخطار المحيطة من القوى الإقليمية التي تتمدد وتتربص بأمن البلاد والعباد.

انشغلت بلداننا الخليجية خلال السنوات الماضية بتوفير الأمن المادي من التسلح وعقد الاتفاقيات الأمنية والاستراتيجية مع بعض القوى الكبرى لتحقيق الردع وتوفير الحماية لكياناتها ولكنها أغفلت بناء الإنسان المواطن الحق ، وفي ظل انشغال دولنا بتحقيق الأمن المادي ورفع أسوار الحماية كانت المشاعر الطائفية البغيضة تنخر في بنيان الوحدة الوطنية.

يضاف إلى ذلك غول الفساد الذي يتفشى في بلداننا بكل صوره، فساد مالي وفساد اداري وفساد أخلاقي في ظل تدهور القيم والأخلاق والمشاعر الوطنية الخالصة.

نعم الفساد بوابة كبيرة اذا فتحت فهي تسمح للأعداء المتربصين  بأن يخترقوا الأمن ويتغلغلوا إلى دولنا بلا حرب ولا مقاومة.

علينا أن نعي وندرك أن الأمن هو في بناء الإنسان المواطن المتسلح بروح الوحدة الوطنية، ولا يتحقق ذلك من دون تنقية المجتمع من آفة الفساد ونبذ الفاسدين .. هذا هو سور الوطن العظيم.