كيف يرى المفكرون الغربيون مستقبل تركيا؟.. يتسائل حمود الحطاب

زاوية الكتاب

كتب 374 مشاهدات 0

د. حمود الحطاب

السياسة

شفافيات-كيف يرى المفكرون الغربيون مستقبل تركيا؟

د. حمود الحطاب

 

هذه الرؤية التوقعية للمحلّل الاميركي الشهير جورج فريدمان حيث يرى الكاتب أن “القرن المقبل” سيبقى قرن العصر الاميركي، وأن اميركا ليست في أفول كما يشعر الكثيرون داخلها. كذلك فإن الأعداء التقليديين لاميركا كالصين وروسيا لا يمثلون أي خطر في المستقبل القريب، بل ولا يتوقع منهم أي خطر. فالصين إقليم معزول جغرافياً من الناحية البرية, إذ يمنعها عن التمدد الجبال في الغرب والسهول في الشمال، ثم إنها ضعيفة على مستوى القوة البحرية، واقتصادها رغم قوته حالياً إلا أنه يعاني من أزمات دورية وهي الأزمات التي يتوقع مع مرور الفترة المقبل أن تستهلك القوة الصينية أو حتى تمزقها داخليا. وهذا رد غير مباشر على رغبة المرزوقي الرئيس التونسي السابق, الذي نقلت لكم رأيه في مسألة ضرورة تحالف تركيا مع الصين, إذا تتذكرون، والمقالة بنت يومين. ويقول: “أما الروس فلم يعودوا كما كانوا أيام الاتحاد السوفياتي مهما حاولوا أن يستعيدوا هذا الدور وسيجري استنزاف قوتهم”. وفي الوقت نفسه يلفت النظر إلى أن “قوى أخرى ستبرز وتسطع في هذا القرن هي: اليابان وتركيا وبولندا والمكسيك، مع خفوت وذبول في قوة الاتحاد الأوروبي وبقاء القوة الاميركية مهيمنة على العالم”، وقد أخذ الكاتب يعرض بالأرقام تفوق اميركا الهائل عن غيرها في سُلّم القوة. ويشير الكاتب إلى أن “ثلاثاً من القوى الصاعدة ستستفيد من الانهيار الثاني للروس، وهي تركيا واليابان وبولندا”، إذ يتوقع جورج فريدمان أن روسيا ستحاول توسيع قوتها مرة أخرى بحلول منتصف العقد الثاني (2010 – 2020) لكنها ستستنزف وستفشل وستنكمش، وساعتها ستتمدد تركيا على حساب روسيا إلى حد التوغل العسكري في القوقاز..! وستغلق على الروس الملاحة في مضيق البوسفور! كذلك فإن اليابان ستطمع في الجزء الشرقي القريب منها لروسيا الغنية بالخامات الأولية اللازمة لاستمرار الصناعة والتقدم الياباني. ثم بولندا التي ستبرز كقوة إقليمية في شرق أوروبا لتتمدد هي الأخرى على حساب الروس.لقد صدر الكتاب في (2009) أي قبل اندلاع الثورات العربية، إلا أنه توقع أن تكون المنطقة العربية بحراً من الفوضى، وسيجعلها هذا نهباً لكل طامع، وستبلغ من التمزق حداً يتجاوز التوقعات، وهذا التمزق نفسه هو حقيقة النجاح الاميركي في الحرب على الجهاديين، وسيكون انبعاث المارد الإسلامي مرة أخرى من الأمور التي ستحارب، وحيث ظلت المنطقة العربية ممزقة فإن هذا الهدف قد تحقق. وثمة ثلاث دول مرشحة لأن تؤدي دورا في العالم الإسلامي: مصر وتركيا وإيران. إلا أن ضعف مصر وانهيار اقتصادها يسحبها من هذه المنافسة.كذلك فإن ما تعانيه إيران من عزلة جيوسياسية وحجم العداء بينها وبين العرب, وضعف اقتصادها وانشغالها بتأمين نفسها ضد صِدام أميركي يحرمها كذلك من هذا الدور. • ولا يبقى إلا الأتراك! ولا أرى صوابا في رأيه هنا, فإن تركيا, بعد الاعتماد على الله, لا تعتمد في تفوقها المستقبلي على ضعف القوى الأخرى فهذا خطأ أو مغالطة من الكاتب فريد مان, والرأي لي أنا كاتب “شفافيات” وأريد بهذا التوضيح التفريق بين متداخلات. ويقرّر فريدمان أن “الأتراك هم من سيسدون هذا الفراغ من هذا الواقع الحاصل في المنطقة, وسيكون هذا عاملاً من عوامل صعود القوة التركية”! وأكرر أنه لم يوفق في هذا التصور فتركيا كما أسلفتُ لاتنتظر سقوط أحد حتى تصعد هي, بل هي تعتمد على ذاتيتها بالاستعانة بالله وهو لا يدرك هذه المصطلحات، ويرى أن تركيا ستجد نفسها عملياً قائدة للعالم الإسلامي وأيضا فإن تركيا لن تجد نفسها قائدا للعالم العربي او الإسلامي, بهذا الفراغ الذي حدث, وأرى أنه يزيف الحقائق ويحاول التقليل من شأن القوة التركية التي تعتمد على التنمية بعد ايمانها بنصر الله. ثم يستدرك بقوله, وعوامل القوة التركية الصاعدة بقوله: “وتعتمد تركيا في بزوغ قوتها على عدد من أسباب القوة, فتركيا التي حقّقت المركز 17 ضمن الاقتصاد العالمي سيستمر نمو اقتصادها بثبات حتى يصير ضمن أقوى 10 اقتصادات في العالم، كما أن موقع تركيا الجغرافي يعد من أهم أسباب قوتها إذ يجعلها متصلة بالعالم العربي وإيران والقوقاز وأوروبا، كذلك فإن الأتراك كانوا تاريخيا قادة للعالم الإسلامي، ثم إن الجيش التركي هو أقوى جيوش المنطقة. لكن التمدد الحقيقي للأتراك سيكون بعد فشل الروس في استعادة دور الاتحاد السوفياتي، وهو ما ستحاوله روسيا لتعيش المنطقة في ظلاله صورة مصغرة من أجواء الحرب الباردة، وستكون تركيا حينئذ من طلائع إسقاط هذه المحاولة الروسية، فإذا تم هذا، فإنها سترث ما كان تحت النفوذ الروسي فتكثّف وجودها العسكري في آسيا الوسطى, وتتوغل في القوقاز لضمان أمنها القومي من خلال قوات عسكرية متقدمة! وأرى خطأ تصوره هنا فتركيا لاتسعى لتأمين أمنها في خططها التنموية فقط فهذا يأتي ذاتيا, بل إنها تسعى لتنمية كل الدول التي حولها لأن مخططها إنساني قبل أن يكون قوميا ، وستتولى توسيع تجارتها في أنحاء المنطقة, وأرى أن هذا ناتج عن احتياج الآخرين لها وليس عملية اقحام نفسها أو هو استغلال واستعمار! كما ستغلق المضايق في وجه الروس لتأمين نفوذها في البلقان من العبث الروسي كما يقول. وبهذا ستكون تركيا عملياً قائدة العالم الإسلامي، كما يرى فريدمان وأرى رؤيته مشوهة وليست مطربة. وعندئذ ستبذل تركيا كل طاقتها من خلال قوتها الناعمة في تقديم نفسها للعالم الإسلامي، ويتوقع فريدمان أن اميركا لن تعارض هذا التمدد, بل ستطمئن له باعتبار تركيا حليفاً موثوقاً به, وأراه متناقضا هنا، كما أن النفوذ التركي في الخليج العربي هو أفضل لها من السيطرة الإيرانية. لكن استمرار التمدد التركي سيجعل التقاءها مؤكّدا باليابان التي ستبزغ هي الأخرى بقوة اقتصادية كبرى ناتجة عن استثمار أزمات الصين وروسيا، إذ ستستفيد من أزماتهما في العمالة وفي وفرة المواد الأولية التي تحتاجها. حينئذ سيشكّل التحالف التركي الياباني قوة خطيرة تصطدم بالقوة الاميركية والتي ستتحرك لمحاصرة اليابان من خلال دعم الصينيين والكوريين، ومحاصرة الأتراك من خلال دعم البولنديين والكتلة الشرقية وإثارة “القومية العربية” مرة أخرى.لكن الميزة المتوافرة هنا للاميركان هي أنهم قد استطاعوا التفوق بفارق كبير في برامج الفضاء مما سيجعلهم قادرين على مراقبة ومعاقبة تركيا واليابان من خلال منشآت الفضاء التي ستحتوي حينها على منصات إطلاق صواريخ موجهة. وعندئذ يظهر الصدام بين القوتين: الاميركية وحلفائها من جهة، واليابان وتركيا من جهة أخرى مما سيتسبب في حرب عالمية ثالثة. ولا أراه مصيبا في خياله هنا فمادام هو كاتب أميركا ويمدها بافكاره الاستباقية فإن أميركا لن تنتظر بهذا الشكل الذي يوحي بضعف استخباراتها المعلوماتية. لقد نقلت لكم مختصرا ملخصا من رأي فريدمان ركزت فيه على الأسباب التي جعلت الكاتب يتوقع أن تكون تركيا دولة عظمى في المستقبل, وتركت الكثير من تخاريفه وتصوراته غير المنطقية, فكل دارس لواقعنا ومستقبلنا من خارج رحم حياتنا ستكون تحليلاته ناقصة حتى ولو عاش بيننا, فكما أن الترجمات الحرفية للغة لا تؤدي لعمق معنى المفاهيم اللغوية لكل لغة, فكلمة «زلزلت الأرض” لاتعدلها كلمة «شيك» إن إنغلش «فكذلك فإن التدخل في شؤوننا عسكريا أو ثقافيا سيعقد قضايانا, وقد عقدونا في كل شيء, فنحن أعرف بشؤوننا من الذين ينظرون الينا من خلال الأمنيات او التطلعات المرتبطة بخصوصيات ثقافتهم وتنشئتهم أو ضرب الأخماس في الأسداس ،ولا يلغي هذا الرأي الذي أقوله بعض الأعماق في استشراف بعض الحقائق من قبل الدارسين الجادين, فالحقيقة المجردة ليست حكرا لأحد ولا لصاحبها أيضا وهذا استدراك مني. لست أدري هل عفست الدنيا على الكاتب؟ إلى اللقاء.

السياسة

تعليقات

اكتب تعليقك