كلامه ينبع من حقد على العروبة والحضارة العربية.. يرد محمد السداني على يوسف زيدان

زاوية الكتاب

كتب 1179 مشاهدات 0

محمد السداني

الراي

سدانيات- حضارة على «ظهر البعير»

محمد السداني

 

لفتت انتباهي مداخلة يوسف زيدان عن ما إذا كان أصل اللغة العربية في شبه الجزيرة العربية، فرد الكاتب المصري كان يحمل نوعاً من التهكم على أنَّ الجزيرة العربية لم تقم بها حضارة أبداً ولم يكن من بين أبنائها من برع فيها وأصبح عالماً بها.

كلام زيدان ينبع من حقد على العروبة والحضارة العربية، إذ انه أنكر جزءاً مهماً من الحضارة الإنسانية قامت في هذه المنطقة، فالحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، إذ تتكون الحضارة من أربعة عناصر، الموارد الاقتصادية والنظم السياسية والتقاليد الخلقية والعلوم والفنون، فهي تبدأ حين ينتهي الاضطراب والقلق، ولو تفحصت حال العرب في الجزيرة العربية فستجد أنَّهم عملوا بالتجارة فسيروا القوافل إلى اليمن والشام والعراق. أما في السياسة فنظموا شؤون الملك وإدارة الدولة عبر تقسيم المهام السياسية بين أفراد القبيلة بل تخطى الأمر إلى تكوين أحلاف بين القبائل لمواجهة الأخطار الخارجية، مثلما حدث في موقعة ذي قار مع الفرس.

أما التقاليد والأخلاق، فلك في العرب خير مثل في الكرم والشجاعة والنجدة وحسن الجوار، فقد كانت هذه الأخلاق بمثابة قوانين للتعايش بين العرب بعضهم البعض. وبالحديث عن الفنون، فالشعر الجاهلي فن العرب وسجلهم التاريخي، فمثلما كان الفراعنة يسجلون تاريخهم على الحوائط، حفظ العرب تاريخهم في شعرهم الجاهلي، فكيف لنا أن نعرف عن عنترة بن شداد أو حرب داحس والغبراء أو الأخبار الجاهلية إلا عن طريق ما نقل مشافهة في الشعر الجاهلي...

فأي ادعاء يدعيه حاقد على العرب والعروبة في أنهم لا يملكون حضارة؟ وهل الحضارة بنظره مجرد حجارة مرصوفة خالية من القيم والأخلاق والمثل الإنسانية؟ لم يبنِ العرب مباني مثل نظرائهم في الحضارات المجاورة لأنهم رُحَّل يقيمون حيث ما وجدوا الماء والكلأ، ولكنهم بتنقلهم يحملون معهم فنونهم وأخلاقهم وقيمهم التي جاء الإسلام فكملها لعلو شأنها ومناسبتها للتعايش بين الأفراد.

وقولك: «سُرَّاق الإبل»، تعميم ينم عن جهل؛ إذ إنَّ في كل مجتمع تجد فئة شاذة لا تمثل المجتمع بأسره، فهل إذا تمت سرقة محفظتي في القاهرة، سأقول أنَّ جميع سكان القاهرة سراقٌ محافظ!، عبارتك تلك ازدراء قديم من الفرس والروم للعرب لأنهم لا يعيشون حياة البذخ والقصور، وإنما ملكهم ملك السيف والخيمة والبعير، وأظنك عربيا فلم يزدرِ المرء نفسه؟ أما ما يخص اللغة العربية وأنَّ العرب لم يخرج منهم عالم فيها، فهذا افتراء وكذب... فالعلماء الآتية أسماؤهم عربٌ أقحاح برعوا في اللغة فكانوا علماء لها ومعلمين: الخليل الفراهيدي اليحمدي، المبرد الأزدي، أبو معاوية التميمي النحوي، أبو الأسود الدؤلي، قتادة بن دعامة السدوسي، عبدالله بن أبي اسحق الحضرمي، أبو عمرو بن العلاء التميمي، وغيرهم ما لا يسع مقالي هذا. ومع هذا العدد لم يكن عرب البوادي بحاجة لكتابة وتعلم اللغة لأنَّهم يعرفونها بالسليقة فهم لم يختلطوا بالفرس أو الأتراك، كما هو الحال مع عرب التخوم، فكان تقعيد اللغة على أساس نطقهم فما ينطقونه قاعدة لا تقبل الرد أو التشكيك. وقبل أن أختم مقالي، هل هناك حضارة في العالم طورت لغة مثل اللغة العربية فلا تجد فيها لفظين متشابهين من حيث المعنى؟ وهل هناك حضارة طورت اللغة فجعلت لحيوان واحد مثل الجمل أكثر من 1500 اسم كل اسم يختلف عن الآخر في الوصف والاستخدام؟ ابحث يا سيد زيدان فلن تجد، وإن من طوَّر هذه اللغة بدوٌ رُحَّل لا يملكون قلاعا ولا مباني ولكنهم يملكون حضارة يحملونها بين صدورهم، ويكفينا فخرا أن تكون حضارة الآخرين حجارة وأهرامات ويكون منا رجلٌ غير البشرية جمعاء فلك حجارتك ولنا رسولنا (صلى الله عليه وسلم).

 

 

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك