دراسة روسية: 4 أزمات تهدد الاتحاد الأوروبي

عربي و دولي

1380 مشاهدات 0


يعاني الاتحاد الأوروبي من أزمات اقتصادية خانقة، وأخرى تتعلق بالإرهاب واللاجئين، إلا أنه يعاني، بحسب دراسة روسية حديثة، من أزمات أخرى تتعلق ببنيته الأساسية، حيث يعاني من أزمة في قيادته وتماسك أعضائه، وأزمة في المبادئ والقيم التي بني على أساسها، إلى جانب ما أطلقت عليه الدراسة 'أزمة المشروعية'.

وتتناول الدراسة، التي نشرتها مؤخراً مؤسسة 'VALDAI' الروسية، تلك الأزمات الخمسة على حدة، بالرغم من إشارتها إلى مساحات التداخل وتبادل التأثير بينها، قبل الانتقال إلى تناول تأثيرات كل ذلك على مستقبل 'بروكسل'.

أزمة 'القيادة والتماسك'

زاوج الاتحاد الأوروبي في السابق بين نموذجين للقيادة، تمثل الأول بـ'المفوضية الأوروبية' التي أنشئت مع بداية الاتحاد عام 1950 كأعلى مؤسسة مؤثرة في قرارات الاتحاد، وتبنت نموذج التكنوقراط في اختيار أعضائها، إلى جانب الرئيس ذو السمعة والكاريزما القوية. بينما تمثل النموذج الثاني بالترادفية الألمانية-الفرنسية، حيث مارست باريس القيادة السياسية، في حين تكفلت ألمانيا بالحفاظ على النمو الاقتصادي.

تمكنت هذه المعادلة من تعزيز حالة الاتحاد والمضي به إلى الأمام، سياسياً واقتصادياً، والتعامل مع مختلف الأزمات. إلا أن الاتحاد قد بدأ يفقد، منذ تحوله إلى شكله الحالي عام 1992، كلا النموذجين بشكل تدريجي، حتى تفردت ألمانيا وحدها بقيادة الاتحاد، معتمدة على النمو الاقتصادي الكبير الذي تمكنت من تحقيقه.

إن عملية 'ألمنة' الاتحاد الأوروبي لا تعني بأن الاتحاد يعمل لمصلحة ألمانيا وحدها، ولكن ذلك يعني بأن تضامن الاتحاد، سياسياً واقتصادياً، مع أعضائه أصبح تبعاً للرؤية السياسية لقيادة الاتحاد، أو الرؤية السياسية لبرلين، إلى حد بعيد.

الأزمة الاقتصادية

ضربت أوروبا أزمة صيرفة عام 2008، كان أكبر ضحاياها اليونان، إيرلندا، قبرص، إسبانيا، والبرتغال، إضافة إلى تأثر فرنسا وإيطاليا بشكل كبير. وفي 2013 عانت القارة العجوز من أزمة أخرى نتيجة تباطؤ الإنتاج وارتفاع نسب البطالة، قبل أن تضرب اليونان مجدداً أزمة زادت من الشكوك حيال قدرة العملة الموحدة، اليورو، على البقاء.

ويظهر من بين الأسباب والتفسيرات لأزمات أوروبا المتلاحقة، ضعف المنظومة النقدية المحلية لدى أعضاء الاتحاد، مقابل الاحتفاظ بسياسات خاصة، الأمر الذي أدى إلى تشوه المنظومة المالية، إلى جانب هشاشة معايير 'الاستقرار' و'حزم النمو' التي يفرضها الاتحاد، والتي أثبتت فشلها في مواجهة الأزمات المحلية والعالمية.

يأتي في المرتبة الثانية ضعف الانسجام في التنافسية والانتاجية والعمالة بين أعضاء منطقة اليورو، وقصور التزامن بين الدورات الاقتصادية لها. مثلاً، أدى تحويل العملة من الدراخما إلى اليورو في اليونان إلى رفع مستوى الأجور للعمالة، إلا أن الإنتاجية بقيت في مستوياتها، الأمر الذي جعل من الإنتاج غير مجد اقتصادياً.

نفذ الاتحاد عدداً من الإصلاحات منذ 2008 لمواجهة تلك الأسباب وغيرها، وأطلق عدداً من الحزمات الاقتصادية في سبيل المعالجة وتحقيق الاستقرار، كما أنشأ اتحاداً مصرفياً لتنسيق السياسات النقدية، إلا أن معدلات نمو الناتج المحلي لا زالت تتراجع في دول جنوب أوروبا خصوصاً.

إن الأزمة الاقتصادية في أوروبا لا يمكن تناولها خارج سياق الاقتصاد العالمي، حيث المنافسة على أشدها بين دول كبرى وقوى اقتصادية جديدة، إلى جانب الأزمات التي يعاني منها شركاء اقتصاديون لأوروبا، سياسياً واقتصادياً، والاضطرابات السياسية والأمنية في مناطق مختلفة في العالم تؤثر على طرق التجارة وأسعار البضائع الاستراتيجية، علاوة على الاعتمادية الأوروبية في الطاقة على الاستيراد.

أزمة 'القيم' وأزمة اللاجئين والإرهاب

في حين يبشر الاتحاد الأوروبي لقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون في العالم، تعجز بروكسل عن تأمين تلك القيم في الدول الأعضاء، الأمر الذي بدأ يظهر بشكل أكبر بعد تعرض دول الاتحاد لهجمات إرهابية، وتنامي نفوذ القوى اليمينية المتطرفة فيها.

ويظهر من بين أسباب ذلك، بحسب الدراسة، غياب المعايير الديموقراطية المؤسسة في بعض دول الاتحاد الجديدة، ووضع قيم 'ثانوية' محل القيم الجوهرية، الأمر الذي ظهر جلياً في تعامل بروكسل مع أزمة اللاجئين.

وبالحديث عن أزمة اللاجئين، فإن مئات الآلاف منهم بدؤوا بالتوجه نحو أوروبا منذ 2011، من خلال اليونان وإيطاليا اللتين تعانيان أزمات اقتصاديةً حادة، في تهديد كبير لمنظومة 'شنغن'.

تلغي 'شنجن' الحدود بين الدول الموقعة عليها، وتضع مسؤولية مشتركة في حماية الحدود الخارجية لتكتل تلك الدول، إلا أن اتفاقية دبلن (2013) الملحقة بها، تنص على تقدم اللاجئين بطلب اللجوء في أول دولة يدخلونها من بين دول شنجن، الأمر الذي دفع عدداً من الدول التي يحط اللاجئون فيها أولاً بإنهاء التزاماتهم تجاه الاتفاقية، بينما قامت اليونان بالفعل بفسح المجال للاجائين للعبور إلى الدول المجاورة، في البلقان، والتي هي غير موقعة على شنغن، الأمر الذي جعل من اتفاقية دبلن حبراً على ورق في نهاية المطاف، وتمكن مئات الآلاف من اللاجئين من الوصول إلى أقصى غرب القارة الأوروبية.

تسببت الكارثة بأزمات أخلاقية واقتصادية وسياسية وأمنية، الأمور التي فاقمها تعرض دول الاتحاد لهجمات إرهابية، اتهم بتنفيذ عدد منها لاجئون، بينما عمق كل ذلك من الارتباك والانقسام الأوروبي في التعامل مع ملفات الشرق الأوسط التي فجرت تلك الأزمة.

أزمة 'المشروعية'

إن أزمة المشروعية، في نظر الدراسة، وجدت في مع وجود الاتحاد، حيث تفقد الدول الأعضاء جزءاً من سيادتها، ويفقد مواطنوها جزءاً من حقوقهم الديموقراطية، بل أظهرت تقارير تدني مستوى معرفة نسب كبيرة من المواطنين الأوروبيين بالاتحاد وآليات عمله، ومثل خروج بريطانيا من الاتحاد مؤشراً، في نظر الدراسة، على بداية انتقال تلك الأزمة إلى مرحلة إفراز النتائج.

أظهر تقارير تدنياً كبيراً في مشاركة الأوروبيين في انتخابات البرلمان الأوروبي، حيث بلغ معدل المشاركة 40%، بينما لم يتجاوز 20% في بعض الدول، كما صعد بشكل كبير مستوى التصويت للأحزاب اليمينية المعارضة للاتحاد في الانتخابات المحلية في الدول الأعضاء.

في 6 أبريل الماضي، صوت الهولنديون ضد خطة الاتحاد الأوروبي تجاه أوكرانيا، ضمن حزمة من القرارات، إلا أن الاتحاد، مع هولاندا العضو، أقر تلك الخطة وبدأ بتنفيذها.

إن الاتحاد الأوروبي سيكون مجبراً في النهاية على تطبيق سياسات أكثر مرونة لتفادي خطر التفكك، الأمر الذي سيجعل من حالة الاتحاد، إلى جانب الأزمات الأربعة الأخرى، في أكثر حالاته تفككاً ومرونةً منذ إنشائه، إن رغب أعضاؤه الحفاظ عليه.

وتذكر الدراسة في الختام بتصريح لداغ همرشولد، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة (1953-1961)، قال فيه بأن المنظمة الدولية وجدت 'لا لتمنحنا الجنة، بل لتحفظنا من الجحيم'، الأمر الذي تدعي الدراسة بأنه ينطبق على الاتحاد الأوروبي عند تأسيسه، إلا أنه بدأ، لعجزه في التعامل مع ملفات مختلفة ومتراكمة، بجر أعضائه إلى أزمات حادة، قد تؤدي ببعضهم إلى الانهيار والإفلاس، ما لم تتم مراجعة شاملة لحالة الاتحاد.

يذكر بأن الاتحاد الأوروبي، في شكله الحالي، قد تأسس عام 1992، بناءً على معاهدة 'ماسترخت'، ويبلغ عدد أعضائه 28، كان آخرها كرواتيا في 2013، إلا أن 19 دولة فقط تتعامل بالعملة الموحدة 'اليورو'، بينما وقع على اتفاقية 'شنغن' 22 دولة عضواً، من أصل 26 مجموع الدول التي وقعت عليها.

الآن - وكالات

تعليقات

اكتب تعليقك