فهمي هويدي يكتب.. مؤيدون من أهل الشر!

زاوية الكتاب

كتب 381 مشاهدات 0

فهمي هويدي

الشروق

مؤيدون من أهل الشر!

فهمي هويدي

 

من المفارقات ذات الدلالة فى مصر أننا كنا ــ وما زلنا ــ ندافع عن حق المعارضين فى الوجود، لكننا أصبحنا الآن مضطرين إلى أن يكون للمؤيدين الحق ذاته! على الأقل فذلك ما تدل عليه ممارسات رئيس البرلمان، الذى لا يتردد فى قمع المؤيدين، لمجرد أنهم عبروا عن وجهة نظر سواء مخالفة لرأيه هو، أو أن بينهم من وقع فى المحظور وانتقد شيئا من ممارسات الحكومة. حتى إننا حين نلاحظ هدوء الأعصاب الذى يتعامل به المهندس شريف اسماعيل رئيس الحكومة مع المخالفين والانفعال اللذين يستسلم لهما الدكتور على عبدالعال فى مجلس النواب، يخيل للمرء أن الأول هو رئيس البرلمان والثانى هو رئيس الحكومة.

مساء الأحد الماضى ٢٨/٨ حدثت واقعتان فى مجلس النواب. فى الأولى اشتبك اثنان من النواب فى عراك تبادلا فيه بعض الألفاظ الجارحة. اما فى الواقعة الثانية فقد عبر فيها أعضاء ائتلاف ٢٥/٣٠ عن اعتراضهم على تمرير قانون الضريبة المضافة، فانسحبوا من الجلسة وعقدوا مؤتمرا صحفيا أعلنوا فيه موقفهم، رد فعل رئيس المجلس الدكتور على عبدالعال كان كالتالى: ربت على كتف الاثنين فى الواقعة الأولى ودعاهما إلى الالتزام بحدود «الأدب» فى تجاذبهما، أما الثانية فقد تعامل معها بأنها من قبيل «قلة الأدب» فى السياسة. وقال إن الذين انسحبوا من الجلسة أرادوا هدم البرلمان وأعطى انطباعا بأن جهدهم هذا يسهم فى هدم الدولة. وإذ توعدهم بالعقاب وبالإحالة إلى لجنة القيم لتأديبهم، فإنه قال منفعلا إنه لن يسمح باستمرار تلك الجهود الهدامة، وإنه سيدعو فى نهاية الفصل التشريعى إلى جلسة سرية للبرلمان ليعرض على الأعضاء كمًّا من المعلومات الخطيرة للغاية، التى لم يشر إلى مضمونها، ولكن سياق الكلام أعطى انطباعا بأنها تتعلق بالسلوك التآمرى لأعضاء الائتلاف سابق الذكر. ولم نفهم لماذا يؤجل ذلك إلى نهاية دورة الانعقاد، طالما أنها معلومات خطيرة للغاية، يفترض أنها ما لا يحتمل الانتظار.

لم تكن هذه الواقعة الوحيدة التى انفعل فيها الدكتور عبدالعال غيرة على الحكومة، ولوح فيها باتهام ناقديها بالنيل من هيبة الدولة والعمل على إسقاطها. فقد حدث ذلك مرات عدة كان أبرزها ما جرى أثناء مناقشة مجلس النواب فرض زيادة جديدة لمعاشات الضباط فى شهر يوليو الماضى. ذلك أن النائب محمد عصمت السادات طلب الكلمة واستفسر عن وضع الضباط المتقاعدين الذين أصبحوا يحصلون على أجور عالية. وهل تشملهم الزيادة أم لا. إلا أن الدكتور عبدالعال قاطعه غاضبا ولم يسمح له بمواصلة الحديث. واتهمه بالإساءة إلى القوات المسلحة وإنكار دورها. الأمر الذى صفقت له القاعة، حتى نهض أحد الأعضاء وأكمل رسالة رئيس الجلسة حين اتهم السادات وأمثاله بأنهم «طابور خامس».

إذا لاحظت أن مجلس النواب كله من مؤيدى النظام، وأنه بلا معارضة تقريبا، وأى ملاحظات تقال فى الجلسات خارجة من عباءة النظام وغيرة مؤيديه، فلك أن تتصور المأزق الذى صرنا إليه. صحيح أن ائتلاف ٢٥/٣٠ الذى أعلن ولاءه للحدثين التاريخيين يضم عددا متواضعا نسبيا (أقل من ٤٠ عضوا)، إلا أنه بدأ بثلاثة أو أربعة أعضاء. ثم جذب آخرين بمضى الوقت. ولذلك دلالته أيضا، لأن مضاعفة حجمه تشى باتساع نطاق «التمرد» داخل المؤيدين، ولأن هؤلاء يتعذر اتهامهم بالأخونة أو الإرهاب فلم يكن هناك من حل لقمعهم سوى باستخدام اتهامات من قبيل هدم الدولة وإهانة الجيش والشرطة والانتماء إلى الطابور الخامس. إذ المهم من وجهة نظر رئيس البرلمان ألا يكون هناك نقد أو تحفظ من أى نوع على ما يصدر عن الحكومة، وإذا كان ذلك ليس جديدا، إلا أن الجديد بات يتمثل فى توسيع الدائرة أن القمع بات يشمل المؤيدين فضلا عن المعارضين وذلك تحليل إذا صح فإنه يثير السؤال التالى: هل ينضم المؤيدون إلى أهل الشر أيضا، وإذا ما حدث ذلك وأدرج هؤلاء على القوائم السوداء مع المعارضين، فمن يبقى مع النظام إذن؟

الشروق

تعليقات

اكتب تعليقك