تحييد الصراع هو الحل.. يتحدث فهمي هويدي عن الخلاف المصري السعودي

زاوية الكتاب

كتب 471 مشاهدات 0

فهمي هويدي

الشروق

تحييد الصراع هو الحل

فهمي هويدي

 

موضوع الخلاف بين مصر والمملكة العربية السعودية يثير أكثر من قضية بحاجة إلى تحرير. ذلك أننا نتحدث عن بلدين مهمين فى المنطقة، الاختلاف بينهما يضر بهما معا، فى حين أن التوافق والتفاهم بينهما فى مصلحة المنطقة كلها. وثمة قرائن تدل على أن الخلاف الأخير ليس جديدا، حيث تمتد خلفياته إلى عدة أشهر سابقة. وحين كتب أحد وثيقى الصلة بالسلطة فى مصر أن التهديد السعودى بوقف شحن البترول تكرر ثلاث مرات فى غضون الأشهر الثمانية الماضية، فذلك يعنى أن العلاقات بين البلدين اعترضتها ثلاث أزمات على الأقل خلال تلك الفترة، وهو ما ينبهنا إلى المسألة الأولى التى أزعم بأنها بحاجة إلى تحرير وهى أنه لا يوجد بين الدول اتفاق بنسبة ١٠٠٪ حول مختلف القضايا. ذلك أن الاختلاف فى الرؤى والحسابات والسياسات أمر طبيعى فى العلاقات الدولية، حتى إذا كانت تلك العلاقات بين«شقيقتين». لذلك فإن المشكلة لا تكمن فى وجود خلافات ولكنها تنشأ حين يفشل الطرفان فى إدارة تلك الخلافات بصورة ايجابية. وهذه الإدارة تتأثر كثيرا بموازين القوى. إذ يصبح الأمر ميسورا للغاية فى حالة ندية الطرفين، ويغدو أكثر صعوبة إذا ما اختل الميزان لصالح طرف دون آخر، لأن الطرف الأقوى يتطلع لأن تكون حصته معادلة لقوته. وأرجح أن تلك تمثل إحدى عقد العلاقات المصرية ــ السعودية، لأن الأخيرة تعد ضمن الداعمين الرئيسيين للاقتصاد المصرى فى الوقت الراهن. وهو ما أتصور أنه رفع من مستوى «الطموح» لدى الرياض. لذلك يبقى السؤال المهم هو: هل هذا الطموح فى الحدود المشروعة والمعقولة أم أنه متجاوز لتلك الحدود؟.

المسألة الثانية التى ينبغى الانتباه إليها أن البلدين آثرا الالتزام بالصمت على الصعيد الرسمى، وتركا الساحة للإعلام وللمدونين، وفى حين أن الصمت أضفى غموضا على الموقف وحير كثيرين، فإن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى فتحت الباب واسعا للتهديد والانفعال ولمختلف مستويات التعبير الهابط والرصين، وللأسف فإن ذلك أسهم فى تعكير الأجواء وتبديد الصفاء المنشود بين الشقيقين، وبسبب أزمة المجتمع المدنى فى البلدين فإن أصوات العقلاء لم تسمع، بعدما حجبها ضجيج أصوات عوام المشاغبين وحمقاهم. وحين صمت الرسميون ولم يضعوا الأمر فى إطاره المسئول والرصين، فإن المزايدين تصدروا المشهد وأصبحت أصواتهم أعلا ومهاتراتهم أشد ضررا.

المسألة الثالثة التى أتمنى أن تتوافق عليها تتمثل فى أهمية وضع حد لتغول السياسة على المجالات الأخرى، بحيث لا يؤدى الخلاف السياسى إلى قطع مختلف الجسور الممتدة بين البلدين، وذلك لا يتحقق إلا بالاتفاق على تحييد مجالات التعاون وإخراجها من حلبة الصراع. المراد بذلك أن يعالج الخلاف السياسى فى نطاقه بين الرسميين فى البلدين، فى حين تستمر العلاقات الأخرى الثقافية والاقتصادية والرياضية والفنية وغيرها فى مجراها الطبيعى بمنأى عن الخلاف. باعتبار أن الخلاف بين الحكومات لا ينبغى له أن يفسد العلاقات أو يؤجج الخصومات بين الشعوب، وتكتسب هذه الفكرة أهمية خاصة فى العالم العربى، حيث ترتبط الشعوب بوشائج قوية وعميقة، وهذه يتعين الحفاظ عليها لأن تمزيقها يضعف الجميع ويُحدث جراحا قد يصعب علاجها فى المستقبل. وللأسف فإن العالم العربى لايزال يدير علاقاته بمنطق القبيلة وليس الدولة. بمعنى أن الخلاف مع الشقيق يستثير القبيلة كلها بحيث يجعل كل مكوناتها مشتبكة مع الطرف الآخر. فى حين أن الدولة العصرية التى تتعدد فيها المؤسسات والسلطات بمقدورها أن تحصر الخلاف أيا كان موضوعه فى حدوده بحيث لا يؤدى وقوعه إلى الانتشار والتغول الذى يقحم دوائر أخرى بعيدة عنه. فتلقى السياسة بظلالها السلبية على الاقتصاد والثقافة والرياضة وغيرها. أدرى أن للقبيلة فضائلها، ولكن مثل ذلك الاستنفار فى لحظات الخلاف رذيلة يجب التخلص منها.

الشروق

تعليقات

اكتب تعليقك