فيلم هامه يحلق في الوطن ليمنع سقوطه

محليات وبرلمان

انتجته شركة زين وأبدعت فيه هبة حمادة

6924 مشاهدات 0


تماما كطائرة تحملنا إلى حيث محطات نجد فيها أحلامنا وآمالنا أرادت الكاتبة هبة حمادة أن تقول في فيلم ' هامه' أن الوطن يسع الجميع مهما اختلفت الأفكار والأعراق طالما لم يمارس أحداً وصايته على الآخر .

لكنها أرادت أيضا أن تقول في مشهد سقوط الطائرة في البحر أن هذا الوطن الجميل الذي يحلق بِنَا في سماء العز والرفاهية قد يحترق في أتون الطائفية والعنصرية والقبلية إذا لم نحميه منها , وحينها سيغرق الجميع في بحور الفتنة وسيدركوا ربما بعد فوات الأوان أن الوطن إن سقط فقد سقط الجميع .

تبدأ قصة الفيلم الذي أنتجته شركة الاتصالات المتنقلة ( زين ) بمشهد غرق الفتاة غالية بين حطام الطائرة وهي تتذكر مسافرين معها على الرحلة وتتمنى لو تبرعت لهم بأجزاء من جسدها لعل ذلك يعيد لهم شيئا من البهجة وكأنها تقول أن الموت قد يكون ميلادا في اللحظة نفسها .

فالعيون تذهب لجد الفتاة مي وهي الفتاة الصغيرة التي تمنت لو رآها جدها لو لمره من دون أن تعلم أنه لا يريد أن يرى فيها ابنته التي توفت للتو وهو غضبان عليها لارتباطها بزواج عرفي مع شخص غريب رغما عن إرادة الجميع .

والسمع يذهب لحسين لكي تتمكن زوجته زينب من التواصل معه بدلا من حالة الصمم التي منعت تواصلهما , وهي الحالة التي لم تدري زينب أنها أصابته بسبب صدمته بزواج حبيبته من آخر فصرخ ألما حتى الصمم على سبع سنوات ضاعت وهو ينتظرها.

والشعر يذهب لصبا تلك الفتاة الحضرية التي تعاني من المعاملة القاسية التي تجدها من زوجها بندر ابن القبيلة الذي ورغم عشقه لها الا أنه يحرمها من مباهج الدنيا ويقوم بحلق شعرها لكي لا تصففه على الموضة .

وجزء من الجلد يذهب لريم تلك العروس التي تعرضت للحرق في ليلة زواجها وخلال قطع كيكة العرس فقررت طلب الطلاق لكي لا تتسبب بمعاناة من تحب , وهي في الرحلة تقدم درسا لمشاهير شبكات التواصل الاجتماعي ممن يتابعهم ملايين المعجبين حيث تقول في الفيلم لأحد هؤلاء المشاهير والذي جلس بجانبها صدفة ورفضت الحديث معه من دون أن يدري أنه من أطلق عليها نكتة في شبكات التواصل دمرتها بعد حادثة حرقها ' أنا لا أريد أن أسمعك ... أنت أطلقت علي نكتة لم تستغرق دقيقتين لكنني عانيت منها لسنين ... ' .

الفيلم يتحدث عن الكويت وما تعيشه من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية ويطرح حلا بسيطا لكل ذلك ويتمثل في نهج التعايش رغم الاختلافات لأن هذه الاختلافات ومهما كبرت لدى البعض أدنى بكثير من سقف الوطن الذي يظلل الجميع ويحميهم تماما كما الطائرة التي أقلت هؤلاء المسافرين فهي وحدها التي يمكنها أن توصلهم لهدفهم بسلام فقط إذا ساد التعايش .

الفيلم حفل بإسقاطات عدة فعلاقة بندر وصبا تمثل الارتباك في العلاقة بين الحضر والبدو في الكويت , وهي العلاقة التي شهدت بعض التوتر العلني في السنوات الأخيرة نتيجة لأسباب سياسية واجتماعية , فصبا الزوجة المحبة لا تريد لعلاقتها ببندر أن تكون سببا في تغيير عاداتها وتقاليدها المنفتحة فهي لا تريد لحبها له والذي يسكن أعماقها ,لأن جذورهما واحدة, أن يكون ثمنا لتشدد بندر ولرفضه لكل ما هو جديد فهي كامرأة تريد أن تستمتع بحياتها من دون قيود لا مبرر لها .

أما بندر فهو يترجم عشقه لصبا بالحرص الشديد عليها إلى درجة محاولة عزلها عن الآخرين فهو العاشق الذي يريد ألا تتعرض حبيبته للإيذاء فيخاف عليها من كل ما هو جديد وحديث من دون أن يدري أنه يتسبب لها بأذى أكبر .

ورغم إنقاذ بندر لصبا بعد سقوط الطائرة إلى درجة تعريض نفسه للخطر تستمر معاناة صبا في إشارة إلى العلاقة بين الحضر والبدو في الكويت تتطلب تفهما أكبر من الطرفين فالمشكلة ليست في عمق العلاقة بل في الطريقة التي تتم بها.

أما جد الفتاة مي والذي لعب دوره الفنان المبدع عبدالعزيز الحداد فهو يمثل الماضي الذي يرفض التغيير السريع ويريد أن تستمر الحياة بإيقاعها البطيء وتقاليدها الصارمة ما جعله في الماضي يحاول قتل ابنته لأنها حملت من شخص غريب تزوجته من دون عقد رسمي قبل أن يتراجع وينقذها لأنه كما الجيل الكويتي القديم لا يرفض الحاضر والمستقبل لكنه يريد أن يتغير الزمن بصورة بطيئة لا تتسبب في هدم عادات وتقاليد الماضي وهو ما لا تقبله ابنته التي تريد أن تعيش في زمنا غير زمن أبيها .

وبين المرأة الكويتية المتدينة وبين الفتاة الكويتية التي تحولت للمسيحية تدور حوارات خلال الفيلم تشارك فيها فتاة جلست بينهما وأبدت شعورها بالضياع نتيجة للحوارات بين الطرفين والتي قامت على تبادل الاتهامات لا الفهم المشترك قبل أن تقوم هذه الفتاة المعتدلة بإنقاذ المرأتين المتدينة والمتنصرة بعد غرق الطائرة في إشارة إلى المصير المشترك أهم من كل الاختلافات وإن كانت تتعلق بالدين .

في الحوار تقوم الفتاة الكويتية المسيحية بالدفاع عن الحجاب ورفض اعتباره رمزا للإرهاب ردا على عبارة أطلقها مسافر أجنبي حين رأى حجاب الفتاة المتدينة ما يبين مرة أخرى أن التعايش ممكن بين الجميع وأن أرضيته حاضرة .

ويجسد حسين في الفيلم جيلا من الشباب الكويتي الذي لا يزال يعيش صراعا مؤذيا بين كونه زوجا مسؤولا عن زوجة ستلد قريبا وبين كونه عاشقا لا يزال يفكر في حبيبة الماضي التي لا تزال تلاحقه أينما ذهب بما في ذلك هذه الرحلة .

ورغم أن حسين كان صارما في رفضه لوجود حبيبته من جديد في حياته فزوجته طيبة ومخلصة إلا أنه لم يلغي حبيبته من الذاكرة وكأن الكاتبة تشير هنا إلى أنها إشكالية الزمن وحده كفيل بمعالجتها .

المخرج خالد الرفاعي أبدع كثيرا في هذا الفيلم الذي تطلب تحريك مجاميع كثيرة وتم فيه استخدام تقنيات عدة , كما نجح الرفاعي في تنفيذ الفيلم بشكل متقن وبحوار متناغم من دون ارتباك يحصل كثيرا في أفلام كويتية سابقة .

المشهد الأخير تضمن إنقاذ المسافرين كلهم ما عدا شاب غرق في الأعماق وهو يرتدي قميص منتخب الكويت في إسقاط واضح على وضع الرياضة في الكويت , وتضمن المشهد كذلك غرق الفتاة غالية وتحول يوم عرسها إلى جنازة تماما كما هي الدعوة التي أطلقها حبيبها عزيز كابتن الطيارة حين غضب منها حين تراجعت عن فكرة الهرب معه والزواج خارج الكويت قبل أن توافق لاحقا .

في مشهد إنقاذ تعاون الجميع فلم تدقق صبا في أطباع بندر ولم يهتم بندر لطريقة لبس صبا , ولم تهتم المرأة المتدينة بقيام الفتاة المسيحية بالصلاة عبر رسم الصليب فالموقف الصعب أكبر من أي خلاف وهو مشهد يجسد تكاتف الكويتيين وتعاضدهم خلال الغزو .

 

وتماما وكما تجددت الخلافات بعد الغزو العراقي لأسباب ضيقة عادت الخلافات لتدب بين المسافرين الكويتيين في الجزيرة بعد إنقاذهم رغم أن حالتهم كانت يرثى لها فهذا يريد حصته من الطعام القليل المتبقي تماما كمن يريد الآن نهب الميزانية العامة بمناقصات ملياريه أو بزيادات رواتب غير مبررة , , والآخر يرفض وصاية كابتن الطائرة والإسقاط هنا على رفض الشعب لأي وصاية من الحكومة أو السياسيين , والثالث يرفض استمرار كبار السن في التحكم بمجريات الأمور وتمسكهم بالكراسي على حساب الشباب .

يستمر الخلاف والجدل في المشهد قبل أن يعود البحر ويأخذ الطعام كله وكأنما الرسالة للكويتيين جميعا كانت أنكم إذا لم تحسنوا التدبير فسيأتي الغريب ليستولي على خيراتكم .

وفي مشهد انقسام المسافرين خلال تأدية الصلاة إلى صفين أحدهما للسنة والآخر للشيعة يأتي مشهد الفنان عبدالعزيز الحداد ليقف في المنتصف بينها ويقول ' أنا كويتي' لتبدأ صلاة جماعية تعبر عن توحد الكويت , وهي صلاة تذكرنا بالصلاة الجماعية التي دعا لها وشارك فيها حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في مسجد الدولة الكبير خلال أحداث تفجير مسجد الإمام الصادق ردا على محاولات تفجير الفتنة الطائفية في الكويت .

الكاتبة هبة مشاري حمادة أبدعت في القصة وقدمت لنا كويتا مصغرة بتوازن عجيب , لكن وفي بعض المشاهد كانت الإسقاطات تقريرية وخرجت عن السياق الدرامي كما في الحديث عن مشكلة الرياضة , وكما في الحديث عن استمرار كبار السن في المناصب .

الممثل بشار الشطي بدأ أكثر نضجا في تأدية دور العاشق الذي يدبر طريقة للهرب مع حبيبته ليتزوجها أما نجمة شبكات التواصل بيبي العبدالمحسن والتي تخوض تجربة التمثيل لأول مرة فقد نجح المخرج خالد الرفاعي في جعل الشخصية التي تقوم بها مترددة ومرتبكة وحائرة بين أسرتها وحبيبها وهو الأمر الذي سهل المهمة على بيبي وجعلها تتقن الدور .

ومن أسرار الفيلم أن الممثلة بيبي العبدالمحسن أدت دور الغرق بنفسها ومن دون دوبلير وهي مربوطة في كرسي الطائرة ما عرضها لخطر الموت حيث تم نقلها لتقضي أربعة ايام في المستشفى في ماليزيا حيث كان التصوير وهو أمر رغم خطورته يحسب لها .

فيلم الهامه يستحق أن يكون من الأفلام المميزة فقد توافرت فيه كل العناصر التي تجعله جماهيرا في الكويت وفي البلاد العربية فالقصة مشوقة ومتنوعة وعميقة وفيها من الكوميديا الكثير كما أن التصوير والتقنيات كانت على مستوى عالي ,والممثلين أبدعوا ولم تظهر في الفيلم مشاهد ذات رتم بطئ أو مرتبك .

وتكتمل روعة هذا الفيلم أن كل من شارك فيه من مخرج وكاتبة وممثلين عملوا بشكل تطوعي كونه كان عملا وطنيا وهو أمر يكشف عن حجم الإيثار لدى هؤلاء جميعا .

شكرا لجميع من شارك في إعداد هذا الفيلم الجميل .

شكرا هبة حمادة ...

شكرا خالد الرفاعي ...

شكرا شركة زين ...

الآن- داهم القحطاني

تعليقات

اكتب تعليقك