نحن نرى الفساد ونفقد القدرة على محاسبة ومعرفة المفسدين.. برأي زياد البغدادي

زاوية الكتاب

كتب 506 مشاهدات 0

زياد البغدادي

النهار

زوايا- رفقاً بها!

زياد البغدادي

 

كنت ومازلت عاشقا للبحر ويبدو أن الجينات كانت لاعبا اساسيا في تكوين هذا الحب مستمدا ذلك من جدي النوخذة محمد المسكتي رحمه الله، اذ قضيت سنوات من عمري وانا انتظر بفارغ الصبر نهاية كل اسبوع لاذهب انا وابناء خالتي الى الشاليه في منطقة الدوحة، فهناك تعلمت «الحداق» و«القمبار» وايضا لم يخل الامر من المغامرات في زياراتنا «للحظرة» واعترف اننا قد سرقناها عدة مرات واسأل الله لنا المغفرة.

كانت منطقة الدوحة غنية بالحياة البحرية من قواقع ومحار وعدد كبير من الاسماك المختلفة، وكان هذا واضحا حتى في حالة «الجزر»، فلا اتذكر اننا ذهبنا للصيد مرة ورجعنا خائبين فكان البحر غنيا.

كبرنا واصبحنا نشتاق لهذه الذكريات الجميلة، فجاءت في بالي فكرة تكمن في اهمية نقل هذه التجربة لابني، فكان قراري بأن اذهب به الى شاطئ ذكرياتي هناك، فاخوض معه تجربة صيد «القبقب» وكما نسميها «القمبار»، وفعلا ذهبت انا وابني احمد ووقفنا عند احد الشاليهات وذهبنا للبحر مشيا وهنا سجلت أولى ملاحظاتي.

يختلف جو منطقة الدوحة عن بقية مناطق الكويت وخاصة في الليل اذ تتميز بهواها العليل حتى في الصيف، وكان هو نفسه ذلك الهواء ولكنه كان مطعما بروائح كريهة هذه المرة، ذهبنا واستمررنا في المشي وانا الاحظ ان الارض اصبحت مختلفة ويغلب عليها انها طينية بعض الشيء وكأنني اسير في مستنقع أو وحل، وقد لاحظت ايضا انخفاضا رهيبا في عدد الصخور التي كانت تزين البحر بشكلها الطبيعي والمميز اذ كانت غنية جدا بالحياة البحرية.

وصلنا الى الماء واذا به مختلف تماما عما هو في ذاكرتي، فالماء ضحل وتكاد الحياة تنعدم فيه، سرنا لما يزيد عن ساعة ولم نر اي كائن حي فيه، باستثناء «الفريالة» وهي سمكة سامة جدا، وهنا غيرت رأيي لاقرر ان اذهب الى الصخور قليلا قاصدا المحار، فهذا ما كنا نقوم به سابقا ولكن مع الاسف الشديد كانت نفس النتيجة التي واجهناها في بحثنا داخل الماء.

عندها اعترفت وعرفت انني في نفس المكان الذي قضيت فيه سنوات مراهقتي ولكنه لم يعد كما كان عليه في ذاكرتي، كم هو شعور مؤلم بطعم الحسرة والغضب، لماذا وصلت الحال بهذا المكان الجميل لأن يصبح مهجورا من جميع اشكال الحياة الطبيعية، من فعل ذلك في ذاكرتي وحرمني وحرم ابني من ان نستمتع بها.

رجعت الى البيت وانا مهموم ومتألم، ليأخذني فكري الذي لطالما ارهقني في إلحاحه في النظر لابعد من موطئ قدمي، ماذا عن المستقبل؟ وما اشبه كويتنا بهذا البحر الذي كان موطنا للجمال والحياة والخير، من المتسبب ومن المسؤول عن محاسبة من كان سببا في ذلك ؟

الفساد ألا لعنة الله على هذه الكلمة التي لا أجد لمرتكبيها طريقا، فنحن نرى الفساد ونفقد القدرة على محاسبة ومعرفة المفسدين.

خاتمة:

كم هو مؤلم مشهد السمك وهو يطفو ميتا على الشاطئ، كم هو مؤلم منظر بقايا المخيمات بنهاية موسمها، كم هو مؤلم ان نتعامل مع الكويت على انها مؤقتة، فاعذروني لا أجد تفسيرا لما أراه الا انكم ترونها كذلك!

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك