باتت ظواهر الاستقطاب الفئوي تسود معظم الأمور.. هكذا يرى محمد المقاطع

زاوية الكتاب

كتب 601 مشاهدات 0


القبس

الديوانية- المواطنة ولاء وسلم اجتماعي

د. محمد المقاطع

 

تكمن قوة المجتمعات وتميزها في مقومات جوهرية تحقق تماسك نسيجها الاجتماعي وتضمن تعايش مكوناتها السكانية في إطار من الوئام والسلم الاجتماعيين، وفي ظل نظام مرجعيته القانون وتسوده المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، وكلما وهنت تلك المقومات أو لم يكن لها وجود في الواقع تعرض المجتمع لهزات ولأسباب تفككه، وتشيع فيه الفرقة والتشرذم والانقسام، وربما القلاقل والاضطراب بين مكوناته المتعددة.

وقد اجتهدت الدول والأنظمة في تكريس مقومات وحدتها، وهو ما فطن إليه الآباء والأجداد منذ أن تأسس المجتمع الكويتي، فأشاعوا بينهم الود والتسامح واستيعاب الآخر والتضحية من أجل المجموع، ونبذوا مظاهر التنابز بالألقاب والسخرية والتعصب، واستهجنوا إثارة الفرقة والتحريض الفئوي، ما تمخض عنه مجتمع متماسك رغم التعدد في مكوناته وتباين فترات هجراته، وظلت تلك سمة اشتهرت بها الكويت وشعبها، وحرص بناة الدستور على تكريسها فيه، وهو ما ارتسمت ملامحه بالمواطنة الدستورية التي أساسها الانتماء للوطن، ونبذ أي انتماءات فئوية أو عصبيات تمزيقية.

إلا أن المتابع لشؤون الوطن يقلقه ما لاحت نذره منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي، وأخذت تتزايد مظاهره من ذلك الوقت وحتى اليوم، إذ باتت ظواهر الاستقطاب الفئوي تسود معظم الأمور، وَمِمَّا كرّسها وزادها هو ذلك التقسيم الخاطئ للدوائر الانتخابية (بداية من ٢٥ دائرة وانتهاء بـ٥ دوائر

بـ٤ أصوات ثم بصوت واحد)، ما أفرز كونتينات فئوية وقبلية وطائفية، بل وعنصرية داخل الدولة، تتجلى بأبشع صورها في مواسم الانتخابات البرلمانية، وقد سرعت من وتيرتها الحكومة التي ظنت أن سياستها ناجعة لقوتها وتحكمها بالأمور، وهي السياسة التي انعكست وبالاً، فبدأت عجلة التفتيت المبرمج للمجتمع تتوالى، إذ فرزت الكويت لمناطق فئوية نتيجة سياسة إسكانية خاطئة تم في رحابها تشجيع تبادل المساكن، وتيسيير نقل القيود الانتخابية، والتدخل والتأثير في انتخابات الجمعيات التعاونية التي تشهد تدخلاً سافراً من وزارة الشؤون، ما كرّس المناطقية الفئوية.

ثم جاءت السياسات الأخرى من قبل مجالس الأمة والحكومات المتعاقبة، التي أدت إلى تفتيت المجتمع وتحويله لمشروع الفئة بدل الدولة، في سياسات وتشريعات التعليم وتسمية المناطق والشوارع، وفي تغذية عصبية الفئة بحسب القبيلة والطائفة، وخلق زعامات للفئات العصبية بفتح قنوات وأشخاص الخدمات الفئوية بشكل مريع، ما خلف مجتمعا مفككا تنخره العصبيات، وقد انتقلت عدواها لطلاب الجامعات، فصار تنافسهم على أساس انتمائهم الفئوي لا الفكري أو السياسي أو البرامجي، ما صار خطرا حالا ومهددا للوطن وسلمه الاجتماعي. وهو الذي أفرز مجاميع تعيش بين ظهرانينا وتتمتع بمزايا المواطنة وتعمل لمصلحة دول أو أحزاب خارج البلد، متنكرة لانتمائها للوطن، مثل خلية العبدلي، وبعيدا عن الخطب والتنظير، لا مفر من إعلاء المواطنة الصحيحة على أساس الولاء والانتماء للدولة والقضاء على كل مسببات الفئوية الهادمة للمجتمع، والبداية بإصلاح بيت الأمة من خلال إصلاح النظام الانتخابي الحالي المفكك للمجتمع.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك