معظم القيادات والزعامات والأحزاب العربية قد سقطت في اجتياز اختبار مصداقية حسها الوطني..برأي محمد المقاطع

زاوية الكتاب

كتب 337 مشاهدات 0

محمد المقاطع

القبس

الديوانية- الحس الوطني

د. محمد المقاطع

 

لم يصب العقل العربي بصدمة عنيفة خلفت انتكاسة بقيم الولاء والانتماء الوطني، بحجم ومقدار تلك الصدمة التي أحدثها السقوط الذريع لنموذج المفكر والفكر العربي، والزعامات الفكرية والحزبية والوطنية العربية، التي تقلدت مناصب ومسؤوليات سياسية أو قيادية أو إدارية، بما فيها تولي مسؤوليات، مثل رئاسة الدولة أو رئاسة الوزراء أو المنصب الوزاري.

فبقدر تلك الحماسة والاندفاع اللذين ازدهرت معهما عجلة الحركات الوطنية أو القومية، وساد بسببهما المد الوطني والقومي فصار سمة مرحلة الخمسينات والستينات وبداية السبعينات، لاصطباغها بهذه الصبغة المملوءة ببث وتحفيز الحس والمشاعر الوطنية والقومية والإسلامية، ولعل ما زاد من حرارة وقوة الحس الوطني والقومي التلقائي ورفع مكانته هو تزامن ذلك مع حركات التحرر من الاستعمار، وهو الإلهام الذي غذى المشاعر الوطنية وزادها اتقادا وتفاعلا، ما كان له انعكاساته الواضحة على الشارع العربي.

إلا أن خيبة الأمل والانتكاسة جاءت إثر صدمة قاسية، عقليا وعاطفيا، إذ تبين أن معظم القيادات والزعامات والأحزاب العربية قد سقطت في اجتياز اختبار مصداقية حسها الوطني، إذ إن معظمها سقط سقوطا ذريعا ومخجلا، فقد كشف موقفهم المتسلل بمجرد تقلدهم زمام السلطة، فمارسوا التسلط وعبثوا بمقدرات الوطن والأمة، إما خيانة للأوطان، أو طمعا بالمال العام الذي استولوا عليه، أو زهوا بالسلطة وتبرير تجويع الشعب ونهب الدولة، أو تزلفا للسلطة والسير في ركبها، أو ارتباطا بالأجنبي ورهن الأوطان فريسة لنفوذه، أو طمعا بالسلطة وزخرفها، أو غيرها من الأسباب، وحصيلة كل ما سبق انسلاخ وتنكر لقيم الوطنية أو القومية والإسلامية، ولا أبرئ من ذلك المعظم أي قيادات اعتلت المناصب، ولا الزعامات التي قادت الشعوب، ولا الأحزاب التي سادت في هذه الحقبة، ذوات اللافتات الوطنية أو القومية أو الإسلامية، إذ تبين أن معظمها كان يتاجر ويزايد بالأطروحات والشعارات الوطنية دون أي مصداقية أو التزام حقيقي بها، وما يدلل على ذلك سرعة تجردهم عن الحس الوطني وتنكرهم له، وقد جر كل ذلك البلاء والوبال على الأمة العربية وشعوبها التي هالتها هذه الصدمة القاسية فكريا ووطنيا. وعاش العقل العربي، بدءا من الجيل الذي عايش تلك الفترة، حالة الوجوم والحيرة من تلك الصدمة، وبدأت الأجيال اللاحقة تتوارثها، سواء في جيل النصف الثاني من الثمانينات، أو جيل التسعينات، أو بين الشباب، إذ تلاشت منه، أو على أقل تقدير خفتت عنده، المشاعر الوطنية، ولذا صار التفكير الأناني، بل والبحث عن المصالح والمكاسب الشخصية مقدما على اعتبارات المصلحة العامة، وظهرت أدبيات مكتوبة بهذا الاتجاه وسلوكيات عملية تكرس هذا واقعا، ونجحت معظم الأنظمة في تغذية هذه التوجهات وأحوال اليأس والاستسلام من إمكانية الإصلاح وتبديل الأحوال إلى الأفضل، وهو وضع مريع يسود الشعوب العربية التي كلما حاولت أن تصحو من غفوتها، أحبطتها غالبية من الناس، ممن يعيشون حالة الصدمة وعدم الخروج من دوامة اللاثقة، أو ممن يدورون في فلك السلطة، وهو مبتغى معظم الأنظمة وغايتها.

ولا شك أننا بحاجة ماسة إلى أن نحرر العقول والعواطف من تلك المشاعر لاستنهاض مقدرات هذه الأمة، وأول وأهم الأولويات لتحقيق ذلك هو إحياء الحس الوطني وتجسيد النموذج الذي لا شك في أن معظم أنظمتنا العربية وبكل أسف تجهضه وتحبطه، ناهيك عن حرص الغرب على قتل هذا الحس وإذكاء بدائل عنه تزرع في أذهاننا الاستسلام والتنكر لإمكانية تقدم دولنا وأمتنا.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك