استجواب ' الصبيح' مؤشرا على ارتباك النواب من حيث قدرتهم على تحديد أولوياتهم الإصلاحية.. برأي عبد اللطيف بن نخي

زاوية الكتاب

كتب 907 مشاهدات 0

د. عبد اللطيف بن نخي

الراي

رؤية ورأي-  إلى مستجوبي الصبيح

د. عبد اللطيف بن نخي

 

في يوم الخميس الماضي، قدم النواب الحميدي السبيعي وخالد العتيبي ومبارك الحجرف، استجوابا موجها إلى وزيرة الشؤون الاجتماعية وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية هند الصبيح. ويتألف الاستجواب من خمسة محاور هي: التجاوزات المالية والإدارية في الهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة، قطع المساعدات الاجتماعية عن الكويتيات، الإخلال بالتركيبة السكانية وتعيين الوافدين ومحاربة الكفاءات الكويتية، الفساد المالي والإداري بهيئة القوى العاملة، والإضرار بالعمل النقابي والتعاوني والجمعيات.

بالرغم من اعتقادي بأن الاستجواب محكم من الناحية السياسية، لأن العديد من أعضاء مجلس الأمة صرحوا مطالبين رئيس الحكومة بعدم التجديد للصبيح في الحكومة الحالية، إلا أنني في الوقت نفسه، أجد فيه مؤشرا على ارتباك النواب من حيث قدرتهم على تحديد أولوياتهم الإصلاحية. ليس لأن المؤسسات التابعة للوزيرة خالية من الفساد، بل لأن استجوابهم لم يوجه إلى المؤسسات الأولى من حيث شدة حاجتها للإصلاح ومن حيث درجة ارتباطها بتحقيق الرؤية التنموية.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، المؤشرات العالمية للتعليم في الكويت متدنية ومنذ عقود من الزمن، كما أن أزمة الشهادات الوهمية مستفحلة على مدى سنوات في الجهات الحكومية، ومن بينها مؤسسات التعليم العالي. كما أن لجنة شؤون التعليم والثقافة والإرشاد البرلمانية ما زالت عاجزة عن التصدي لتلك الأزمتين: فشل المنظومة التعليمية واستشراء الشهادات الصورية والوهمية. ولذلك أتساءل ألا يفترض أن يكون التصدي للفساد التعليمي أولى بكثير من مخالفات الشؤون؟ هل يعقل أن نتخلى عنه لأنه يتعارض مع مصالح شريحة واسعة من الناخبين؟ بالطبع لا. لذلك أدعو النواب إلى عدم اشغال أنفسهم والوزراء عن الاصلاحات والاستجوابات التنموية بأخرى سياسية.

وأما طلب طرح الثقة بالصبيح، فهناك مؤشرات واضحة على وجود أكثر من عشرة نواب يرغبون بالتوقيع على الطلب. ولكنني أناشد المستجوبين التريث في تقديمه، إذا كانت أهدافهم إصلاحية، والمبادرة بإعداد قائمة مبدئية بتوصيات عملية مجدولة زمنيا، متضمنة آلية لقياس درجة التزام الوزارة بتنفيذها. على أن تقدم القائمة إلى الوزيرة في نهاية جلسة الاستجواب، بعد تنقيح بنودها حسب مجريات الجلسة، وإن تعهدت بتنفيذها وفق البرنامج الزمني، امتنع النواب عن تقديم طلب طرح الثقة فيها.

السبب وراء مناشدتي هو أنني أرى فرصة أكبر لمعالجة المخالفات الواردة في الاستجواب من خلال التنسيق والتعاون مع الوزيرة، مقارنة بفرص الاصلاح عبر استجواب ينتهي باستبدالها بوزير آخر لا نعلم خبراته في الوزارتين ولا مهاراته الإدارية ولا قدراته الاصلاحية. وهنا لا بد أن أشير إلى تجربتي مع الوزيرة في شأن اصلاحي، حيث وجدتها تتفاعل بسرعة وإيجابية مع مقالا كتبته قبل شهر تقريبا في شأن سلبيات في هيئة المعاقين. فبعد الاتصال بي لمعرفة التفاصيل، أصدرت تعليماتها التصحيحية في نفس يوم نشر المقال! وفي الأيام اللاحقة، أكد لي عدد من المعاقين زوال تلك السلبيات. لذلك أجد في الاستجواب فرصة مواتية لتعزيز التعاون بين الوزيرة وأعضاء مجلس الامة.

من يطلع على صحيفة الاستجواب يجد فيها الكثير من المخالفات والتجاوزات المرتبطة بمحاور الاستجواب. ولكنها كتبت بلغة سياسية بالغت في استثمار الاستياء الشعبي من الوزارتين. فالصحيفة تفتقر للموضوعية رغم صحة معظم المخالفات والتجاوزات المذكورة فيها. والمستجوبون أغاروا على الوزيرة بمطرقة الإصلاح وسندان مصالح وحقوق المواطنين. ومن باب التوضيح، سأكتفي بعرض مثال واحد.

كلنا اطلعنا على قضية مدعي الإعاقة أو الأصحاء المعاقين، وطالبنا بكشفهم ومحاسبتهم، ومعاقبة من مكنهم من التطاول على المال العام ومزاحمة المعاقين الحقيقيين. وبالفعل هيئة المعاقين استجابت وراجعت جميع الملفات، وطلبت من أصحابها إعادة الكشف الطبي. هذا الاجراء المستحق الذي كشف الكثير من الحالات المزيفة، خلق حالة من الاستياء العام تجاه هيئة المعاقين والوزارة والوزيرة. فهناك مدعو اعاقة خسروا مزايا لا يستحقونها، وبجانبهم معاقون امتعضوا من اجراءات المراجعة والتدقيق التي ارهقتهم كثيرا من غير ذنب اقترفوه.

هذه القضية ذكرت في صحيفة الاستجواب كمثال على مخالفات الوزارة ضمن المحور الأول، ولكن بصورة غير منصفة، حيث جاء فيها «في الوقت الذي تقوم فيه الهيئة بملاحقة ذوي الإعاقة وحرمانهم من مستحقاتهم وحقوقهم المقررة طبقا للقانون، وصولا للتضييق عليهم وإمعانا في معاناتهم، نجدهم يتراخون ويقومون في المقابل بصرف مخصصات مالية دون وجه حق لبعض الأشخاص من ذوي الاعاقة المتوفين». فالصحيفة تظهر الهيئة كما لو أنها تنشد حرمان المعاقين وليس كشف المتلاعبين، كمقدمة لعرض مخالفة استمرار الصرف لعدد من المعاقين بعد وفاتهم.

أعلم أن معظم صحف الاستجواب تطغى فيها اللغة السياسية على الاصلاحية، وكذلك الحال بالنسبة لمرافعات الاستجوابات. ولكنني أجد أن هذا العرف البرلماني والشعبي يجب أن يتغير، إذا أردنا أن نحول الاستجوابات من أدوات لصراعات الكبار إلى آليات لمكافحة الفساد وقنوات لتعزيز التعاون بين الحكومة والمجلس... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك