علينا كطبقة مثقفة توعية المجتمع كي لا يقع ضحية الخلط والتحريف في المفاهيم.. كما يرى عبد اللطيف بن نخي

زاوية الكتاب

كتب 590 مشاهدات 0

د. عبد اللطيف بن نخي

الراي

رؤية ورأي- الليبرالية والتكسب الطائفي

د. عبد اللطيف بن نخي

 

استمتعت كثيراً يوم الجمعة الماضي بقراءة مقال رائع للزميل الكاتب المخضرم الدكتور تركي العازمي، حول الخلط بين الوطنية والنقد، حيث أوضح أن نقد أداء مؤسسات الدولة وقيادييها لا يتعارض مع الوطنية، بل هو «سلوك محمود متبع يحرص على تطبيقه المعنيون بالإدارة في وقتنا الحديث». كما أكد أن النقد غالباً ما يكون نتاج حس وطني استشعر المسؤولية الاجتماعية. مقال الدكتور شجعني على تخصيص مقالي هذا لنقد من هم أكثر حساسية من الحكومة وأعنف منها في رفض النقد، بعض المرشحين الجدد لانتخابات مجلس الأمة القادمة.

في احد مقالاتي السابقة، تناولت اقتراحا بقانون في شأن تعديل بعض أحكام قانون الجزاء، بما يكفل المزيد من حرية الرأي والتعبير. واستعرضت الآراء المؤيدة والمعارضة للمقترح، وأشرت إلى أن جميعها اشتركت في حرصها على كفالة حرية الرأي والبحث العلمي، ولكنها اختلفت في تحديد العقوبة الرادعة - لمستغلي حرية الرأي والتعبير - الأقل تقييداً لهذه الحرية. وخلصت إلى أن القدر المؤكد، هو أن المقترح خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح، لأن تشريعه سيؤدي إلى تقليل واضح في عدد الأحكام بالسجن ومددها، في قضايا الرأي المتعلقة بالمادة القانونية المستهدفة في المقترح. وتباعا أبديت اعتراضي على «توقيت» الندوة التي عقدها مرشح حول المقترح، من دون تقييم مطالبته إلغاء عقوبة السجن في «جميع» قضايا الرأي.

وهنا لا بد من الاشارة إلى أنني من أشد معارضي مطالبته، لأنها لا تتوافق مع الواقعين الثقافي المحلي والسياسي الإقليمي. فهي من جانب تتطلب تأهيلا للمجتمع على مدى سنوات طويلة قبل إقرارها. ومن جانب آخر، تتعارض مع الأعراف السياسية السائدة خليجياً وإقليمياً. فنحن نعلم أن بعض السفارات في الكويت حريصة على مقاضاة من يتطاول على رموزهم، ونعي أن بعض هذه الدول قد تعتبر إلغاء عقوبة السجن في قضايا التعرض لرموزهم، بمثابة تحريض مبطن ضدهم.

الغريب أن المرشح الذي يدعي الدفاع عن حرية الرأي والتعبير، ثارت ثائرته من ممارستي لحقي في ابداء رأيي المعارض لتوقيت ندوته، من دون الاشارة إلى رأيي في مطالبته. فاستغربت واستغرب كثيرون غيري، كيف يشتط غضبا وهو الذي يطالب الدولة باحترام حق الأفراد في انتقاد رؤساء الدول؟!

لذلك أدعوه وجميع دعاة حماية حرية الرأي إلى التعلم من رئيس مجلس الأمة الأسبق السيد أحمد السعدون، الذي صرح في لقاء تلفزيوني «لا يمكن أن أتصور نفسي وأنا أدافع عن حرية التعبير، أجي في لحظة من اللحظات، لأن واحدا أساء لي بكلمة أو انتقدني أو حتى شتمني، أني أروح وأحاول ارفع عليه دعوى أمام القضاء». وأضاف «أنا أتحمل بعض ما يوجه لي في سبيل الإبقاء على حرية التعبير». قد لا أتفق مع بعض الجزئيات في تصريحه، إلا أنني أكبر فيه إلزام نفسه بما يطالب الدولة أن تلتزم به.

لا أنفي احتمال أن يكون غضب المرشح غير المبرر محاولة للتكسب الانتخابي، من خلال الظهور بلباس المظلوم، خصوصاً أنه وغيره من المرشحين «المستبعد» نجاحهم، كرروا مرارا أنهم مستهدفون من بعض النواب البارزين، وهذا بلا شك خلاف المنطق، لأن الشائع هو لجوء بعض المرشحين إلى الظهور الإعلامي من خلال اختلاق أزمات مع شخصيات بارزة.

المشكلة تتفاقم عندما يجهل بعض المرشحين أن فرص نجاحهم معدومة، حتى لو شاركوا في مناظرات عدة أمام النواب الأكثر تألقا. لأن أزمتهم ليست في نقص الشهرة، بل في سيرتهم المليئة بالسقطات المعيبة، التي شيدت سدا منيعا بينهم وبين قلوب شرائح واسعة من المواطنين باختلاف أطيافهم.

ومن بين الأمثلة على المواقف التي لن تنسى، البيان الصحافي «الطوعي» الذي جاء على لسان أحد المرشحين ضد مجموعة من المواطنين الذين تم اعتقالهم على خلفية ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والمواد المتفجرة. السقطة في هذا البيان الرسمي هي في اعتبارهم إرهابيين قبل إدانتهم من قبل المحكمة، بل صدر البيان بعد أيام قليلة من اعتقالهم، قبل توجيه الاتهامات إليهم من قبل النيابة! فهل يعقل أن يكون هذا نهج من يؤمن بالدستور؟ وتحديدا المادة (34) منه التي تنص على أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع».

خلال مسيرتي الدراسية والبحثية، حللت الكثير من المسائل والقضايا فاستوعبتها وعالجتها، ولكنني ما زلت منشغلا بفهم تخيلات بعض المرشحين. فهم من جانب يعرفون أنفسهم كمرشحين ليبراليين، ومن جانب آخر يدعون أنهم مستهدفون من قبل نواب يتهمونهم بالطائفية. فلماذا ينزعج نائب طائفي من مرشح ليبرالي؟ وهو يعلم أنه لن يزاحمه في شريحته من الناخبين، بل أنه سيقلل من فرص فوز منافسيه من المرشحين الليبراليين. لذلك أتساءل هل وراء الأكمة ما وراءها؟ وهل بعض الليبراليين هم الذين قرروا أن يزاحموا الطائفيين في شريحتهم، خصوصاً أن هؤلاء البعض أصبحوا أخيرا يحلفون ويقسمون بالعباس عليه السلام، ويعلنون في الصحف أنهم يزورون مراقد الأئمة عليهم السلام، ويستنكرون علانية كلمة الشيخ أحمد القطان الأخيرة.

انطلاقا من استشعارنا بالمسؤولية الاجتماعية، علينا كطبقة مثقفة توعية المجتمع كي لا يقع ضحية الخلط والتحريف في المفاهيم، أو الخطأ في التقييم. هناك صفات محورية يجب توفرها في النائب الاصلاحي القادر على صون الحريات الدستورية. وعلينا كناخبين أن نعيها جيدا، ونقيس بدقة مدى تحققها في سيرة المرشحين، خصوصاً أن معظمهم يتقنون خلط وتحريف المفاهيم، ويحترفون التلوّن والتمثيل... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك