الجاسم للشيخ سالم العلي: لقد اختارك الشعب الكويتي رمزا له، والكويت تنتظر منك اليوم تصحيح مسار الأسرة الحاكمة بعد أن انهار التوازن داخلها

زاوية الكتاب

الاستقبال الشعبي الحاشد والاندفاع في التوافد الى بيت الشيخ سالم كشف عن حاجة الشعب الكويتي الى رمز والى أمل

كتب 6246 مشاهدات 0


هل يعود التوازن؟!

محمد عبدالقادر الجاسم

 
بصراحة، لم أفكر كثيرا حين حاولت البحث عن تفسير 'غير سياسي' للاندفاع الشعبي في استقبال الشيخ سالم العلي الصباح في المطار، وأخذت الأمر على أنه 'استقبال مرتب' لا تلقائية فيه، فظننت أن أبناء الشيخ سالم 'رتبوا' الاستقبال وحشدوا 'إللي يمونون عليهم' وأمروهم بالذهاب إلى المطار.. قلت لنفسي في البداية أن الأمر هكذا، حشد مفتعل أو استقبال 'مدفوع الأجر'.. وقد سألني صديق عما إذا كنت سأذهب للسلام على الشيخ سالم العلي في منزله، فقلت له أنني لست متحمسا لأنني أتوقع وجود فوضى في الدخول والخروج وأنا لا أطيق الفوضى، والسبب الثاني هو أنني لا أريد أن أشارك في 'استقبال مفتعل'.. هكذا ظننت الأمر. لكن، حين رأيت حجم الحشود أمام منزل الشيخ سالم العلي خلال مروري قرب المنزل في طريقي، أدركت أن ظني ربما يكون في غير محله.. وحدث أن اتصل بي صديق آخر عارضا علي الذهاب معا للسلام على الشيخ سالم العلي، فقلت له 'توكل على الله'.. وبالفعل، ذهبنا إلى منزل الشيخ سالم العلي، ولم أتفاجئ بحجم الفوضى المتوقعة، لكنني ذهلت لحجم الحشود. ثم، وبصراحة، ذهلت أيضا حين تمعنت في نوعية الحضور وأدركت على الفور أن هذا الاستقبال الشعبي الحاشد وهذا الاندفاع في التوافد إلى بيت الشيخ سالم يكشف عن حاجة الشعب الكويتي إلى رمز.. بل يكشف عن حاجة الشعب الكويتي إلى الأمل.. والله يعينك ويقدرك يا بوعلي، فمن الواضح أن الكويت كلها تنتظر منك الكثير.. تنتظر منك تصحيح مسار الأسرة الحاكمة.

وحين اقتربت للسلام على الشيخ سالم العلي فوجئت بكلماته لي.. فوجئت بعمقها وبعدها السياسي.. فشعرت بالارتياح، ليس لأنه امتدح مقالاتي، ولكن لأنني وجدت في حديثه فسحة أمل بعودة التوازن المفقود في البلاد!

قلت للشيخ سالم العلي: 'الكويت تحتاجك يا طويل العمر.. الكويت تحتاجك'. نعم الكويت تحتاج وجود الشيخ سالم العلي أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية، فالكويت تنهار بعد أن انهار التوازن داخل الأسرة الحاكمة.

في 3 يونيو 2005، وفي أول مقال نشرته في هذا الموقع وكان بعنوان 'السلطة تحد السلطة'، كتبت حول 'معادلة الأقطاب' في الكويت، وقلت: 'على الأقل خلال الفترة التي سبقت تولى المرحوم الشيخ أحمد الجابر، وعلى امتداد الفترة الماضية ولغاية يوليو 2003، كانت هناك معادلة سياسية غير مكتوبة لكنها قائمة بوضوح داخل الأسرة الحاكمة في الكويت. هي ليست معادلة اقتسام السلطة والتوازن بين الفروع الحاكمة والفروع الحليفة، وإنما هي معادلة عبّر عنها الفيلسوف مونتسكيو بقوله 'السلطة توقف السلطة'.

كان وجود شيخين متنافسين أوحتى أكثر يرسم خطا أحمرا يمنع أقطاب السلطة من التعسف، وكانت المنافسة تحد من النزعة الفطرية لدى الحكام في التمادي والتسلط، وكانت المنافسة بين الشيوخ عامل مهم يخدم مصلحة الكويت إلى حد معين، فالأقطاب كانت تعمل جاهدة لاستقطاب الناس والقوى السياسية.

كان لدينا شيخ متسلط يقابله شيخ متسامح وديمقراطي، كان لدينا شيخ بخيل يقابله شيخ كريم، كان لدينا شيخ انعزالي يقابله شيخ منفتح، كان لدينا شيخ جاهل يقابله شيخ مثقف ومطلع، كان لدينا شيخ يحتقر الناس يقابله شيخ شعبي تحبه الناس، كان لدينا شيخ متهور يقابله شيخ حكيم رزين.. لقد كانت المشيخة تضم كل الشخصيات المتناقضة فيما بينها وكانت بعض تلك الشخصيات تسعى للحكم والسيطرة لذلك يمكن القول أن اختلاف الشيوخ يحقق نتائج شبيهة بنتائج اختلاف الائمة في الاسلام.

لكن منذ صيف 2003، وبالنظر لتداعيات مرض الشيخ سعد والشيخ سالم الصباح واستمرار عزوف الشيخ سالم العلى انهارت المعادلة القطبية رسميا حين تم فصل رئاسة الوزراء عن ولاية العهد. ووسط هذه الاجواء بدأ الشيخ سالم العلي تحركات محدودة لم تحصل على الجدية الكافية بالنظر لابتعاد الشيخ سالم عن اللعبة السياسية طوال العقود الماضية حيث كان مكتفيا برئاسة الحرس الوطني غير أنه أطلق تصريحات صحفية مؤخرا وبدأ في عقد اجتماعات مع بعض أفراد الاسرة... ولست أعلم مدى قدرة الشيخ سالم العلي على استمرارية التحرك ومدى فاعليته، لكن يجب النظر إلى تلك التحركات على أنها ممهدة لعودة المعادلة القطبية أو معادلة التوازن... فكما قال مونتسيكيو: السلطة تحد السلطة!! وإلى أن يتمكن الشيخ سالم العلي من إعادة العمل بمعادلة القطبية أو يبرز شيخ آخر، فإن البلاد تقترب أكثر فأكثر نحو الحكم الفردي، وهي مرحلة يتنامى فيها تعظيم الاشخاص وتتوارى فيها الشجاعة وترتفع هامات الكذب وينتعش سوق سماسرة الكلام'. (انتهى الاقتباس).

والآن، أوجه خطابي إلى الشيخ سالم العلي وأقول إن من بين أسباب الاهتمام الشعبي التلقائي بعودتك، في تقديري، يأس الشعب من الأوضاع الحالية ورغبتهم في البحث عن مصدر أمل.. عن رمز.. فيا بوعلي الله يعينك، من الواضح أن الشعب وضع أمله الأخير فيك ويتوقع منك إحداث التغيير، فأنت تعرف تماما أن علة الكويت وعلة الأسرة 'باطنية'، وتعلم أن الخروج من المأزق الحالي يتطلب قرارا واحدا فقط.. قرار التغيير، فيا بوعلي الكويت كلها تنتظر نتائج عودتك إليها.. لقد أختار الشعب الكويتي أن يجعلك رمزا له.. فالله يعينك.

 
30/1/2010  

الآن - ميزان

تعليقات

اكتب تعليقك