بعد أحداث الصليبيخات لم تبقَ أي فئة مجتمعية سواء من الحضر والبدو أو الشيعة والسنة إلا ذاقت طعم الهراوات والضرب والإهانة.. د.جوهر منتقدا شيوع ثقافة التشفي

زاوية الكتاب

كتب 3105 مشاهدات 0



الجريدة

شماتة!
د. حسن عبدالله جوهر

 
في مقال سابق وبمناسبة ما حدث في ندوة النائب أحمد السعدون كتبت حول ثقافة العنف وتحولها إلى ممارسة عملية على أرض الواقع، وقد حذّرت في ذات المقال من استغلال ذلك الحدث ومساعي النفخ فيه من أجل توسيع دائرة العنف وتكرار حوادث ضرب المواطنين على مستوى أكبر، الأمر الذي تحقق بالفعل بعد أيام قليلة في ندوة النائب الحربش، ولكن هذه المرة على يد جهاز الأمن والقوات الخاصة تحديداً، وبشكل بشع وغير مسبوق وفي إساءة بالغة للكويت كبلد وشعب وسمعة ديمقراطية.

وعلى الرغم من أن الاعتداء بالضرب المباشر على جمهور الندوة الثانية قد جاء بتوقيع حكومي فإن ذلك كشف ثقافة العنف بشكل جلي عند الأطراف الأخرى المخالفة لتوجهات ومواقف كتلة 'إلا الدستور' من خلال صور التعبير عن الشماتة والتندر والاستهزاء ومزيد من التحريض على الضرب وتبرير هذه الفعلة بأنها للمحافظة على هيبة الدولة وسيادة القانون، وبمعنى آخر ومهما كانت المبررات والأدوات والوسائل التي تم من خلالها ضرب النواب والمواطنين فإن الاعتداء البدني والألم الجسدي الذي لحق بضحايا الصليبيخات كان بمنزلة رضا نفسي لدى البعض، بل إن أمثال هؤلاء الشامتين كان بودهم لو أنهم قاموا بالاعتداء وليس رجال القوات الخاصة!

وهذه الثقافة الجديدة في الترحيب بالعنف وتأييده والتشفي من خلاله من أي طرف كان ضد أي فئة أخرى مؤشر خطير وقاتل في الحس الإنساني عموماً، فما بالك بمجتمع صغير ومتداخل مثل المجتمع الكويتي، وهو نذير شؤم يعكس إلى أي مدى قد تعبأت الصدور بالبغض والكراهية وإلى أي حد نجحت المحاولات المستمرة والمنظمة لتكريس الطائفية والقبلية والفئوية بين أبناء البلد الواحد.

وللإنصاف وأخذ العبر فإن هذه الثقافة لا تنحصر في حادثة الصليبيخات ولا حتى التبريرات الظاهرية لها تحت عنوان تطبيق القانون وهيبة الدولة هي وليدة ذلك اليوم، فالحوادث التي شهدت ضرب الناس بالهراوات واستخدام القوة ضدهم سواء في قضية التأبين وما تبعتها أو في ما يخص مداهمة الانتخابات الفرعية في الصباحية أو على خلفية بعض الندوات الانتخابية الأخيرة جميعها لاقت ذات الاستحسان من خصوم تلك الحوادث، وفي كل الأحوال كان التشفي من تعرض فئة من المواطنين للضرب الجسدي تحت غطاء تطبيق القانون! وما تغير فقط هو الفئة المضروبة.

ولم نجد عبر المشاهد المحزنة على مدى السنوات الأربع الماضية تجلي روح التسامح والألم المشترك والحس الإنساني عند الفرقاء في استنكار العنف وضرب الناس في الشوارع وأمام المنازل والديوانيات حتى مع خصومهم، ولو كانت مغلفة بالدعوة إلى تطبيق القانون عليهم، وإحالتهم إلى القضاء إذا ما كانوا مخطئين وخارجين على القانون!

وبعد أحداث الصليبيخات لم تبقَ أي فئة مجتمعية سواء من الحضر والبدو أو الشيعة والسنة إلا ذاقت طعم الهراوات والضرب والإهانة، فهل هذا الألم المشترك يكون عبرة لنا جميعا في نبذ العنف أو على الأقل استنكاره أو استهجانه في المستقبل؟ وهل نترفع بعد الآن عن ثقافة الشماتة لأن الدورة التاريخية قد اكتملت حلقتها وقد تبدأ من جديد مع الآخرين؟

وبصراحة فإن التعبئة الإعلامية اليوم وما نشهده من كلام مستمر في القنوات الفضائية ومنتديات الإنترنت وحتى صور التشابك بين أعضاء مجلس الأمة أنفسهم وما يتخلل ذلك من عبارات وألفاظ بدأت تنال من الأعراض والكرامات لا يوحي بأي عبرة واعتبار والله يستر من قادم الأيام!

تعليقات

اكتب تعليقك