فيصل اليحيى بمقال قانوني خص به ((الآن)):

زاوية الكتاب

مسئولية الحكومة السياسية على ضوء أحكام الدستور

كتب 4842 مشاهدات 0

المحامي/ فيصل اليحيى

خص المحامي فيصل اليحيى بمقال قانوني عن مسئولية الحكومة السياسية على ضوء أحكام الدستور، وجاء في المقال:


بقلم المحامي/ فيصل صالح اليحيى

ثارت تساؤلات كثيرة ـ على ضوء الاستجواب الأخير المقدم لرئيس الوزراء ـ عن مدى مسئولية الحكومة السياسية بشأن أحداث (ديوانية الحربش)، ومن باب أداء الأمانة العلمية، وتأصيلا لهذا الموضوع على ضوء أحكام الدستور، وردا على تلك التساؤلات، نضع هذا الرأي بين يدي القارئ.
ونقول بداية أن عناصر المسألة المعروضة تدور حول نص كل من المادة (54) والمادة (55) من الدستور، حيث تنص الأولى على أن:'الأمير رئيس الدولة، وذاته مصانة'، في حين تنص الأخرى على أن:'يتولى الأمير سلطاته بواسطة وزرائه'
وتقرير هذين المبدئين في الأنظمة البرلمانية ـ كما هو مستقر بالفقه الدستوري ـ يفترض أن يكون (العرش كرسيا خاليا من الصلاحيات) ولذلك فإن من يتولاه يكون غير مسئول أمام أحد لأنه أصلا لا يتمتع بأي سلطة يمكن أن يحاسب عليها أو يسأل عنها.
إلا أن النظام الدستوري الكويتي كما يقول الدكتور عثمان عبد الملك ـ رغم تقريره للقواعد المتقدمة ـ لم يصل إلى حد تجريد رئيس الدولة من ممارسة أي سلطة حقيقية وجعله يسود فقط ولا يحكم، كما هو مقرر في الأنظمة البرلمانية التقليدية، بل أبقى له على اختصاصات مهمة يمارسها بإرادته المنفردة بأوامر أميرية، وهي على سبيل الحصر:
تزكية ولي العهد (مادة 4) وحقه في اختيار رئيس الوزراء (مادة 56) واختيار نائب الأمير (مادة 61) فضلا عن مسئولية رئيس الوزراء والوزراء بالتضامن أمامه (مادة 58) دون أن يكون للأمير ـ وفقا للدستور ـ دور في الإدارة المباشرة لشئون الحكم.
وهو ما أكدته المذكرة الإيضاحية للدستور بقولها أن نص المادة (54) قد:'نأى بالأمير عن أي مساءلة سياسية وجعل ذاته مصونة لا تمس كما أبعد عنه مسببات التبعة وذلك بالنص على أن رئيس الدولة يتولى سلطاته الدستورية بواسطة وزرائه (مادة 55) وهم المسئولون عن الحكم أمامه (مادة 58) وأمام مجلس الأمة (المادتان 101 و102)'
ويوضح الدكتور محمد المقاطع هذه المسألة بالقول: أن الأنظمة البرلمانية استلزمت أن يكون هناك شخص آخر إلى جانب الملك أو الأمير يكون هو رئيس السلطة التنفيذية فعليا ويكون هو المسئول سياسيا وقانونيا عن أعمال حكومته وممارساتها في الدولة، حيث هناك ملك أو أمير يسود ولا يتمتع بصلاحيات حكم، وهناك رئيس وزراء هو يتولى تصريف شئون الحكم الخاصة بالسلطة التنفيذية... وتفريعا على ذلك نشأت فكرة ومبدأ أن رئيس الدولة يمارس صلاحياته وسلطاته بواسطة وزرائه الذين يتحملون المسئولية نيابة عنه وبدلا منه، حيث أن تمتعهم بالسلطة يكون موجبا للمساءلة السياسية والقانونية وهو ما عكسته المادة (55) من الدستور المشار إليها سلفا.
وهو ما يؤكده الدكتور عادل الطبطبائي بالقول: أن الدستور يجعل من رئيس الدولة (الأمير) رئيسا للسلطة التنفيذية، ولكنه انسجاما مع النظام البرلماني الذي يعتنقه يجعل ممارسة رئيس الدولة للسلطة التنفيذية عن طريق الوزارة، وذلك لأن رئيس الدولة لا يسأل سياسيا بحكم أن ذاته مصونة لا تمس، مما يقتضي وجود جهة أخرى تتحمل المسئولية عنه.
ومن ذلك يتبين أنه إذا كان سمو الأمير وفقا للنظام الدستوري الكويتي يستقل باختيار رئيس مجلس الوزراء، فإن الدور الذي يقوم به هذا الأخير يقع على قدر كبير من الأهمية فهو تقريبا الرئيس الفعلي للبلاد بما يتمتع به من صلاحيات واسعة وفقا للدستور، فهو المسئول الأول عن السياسة العامة للحكومة والمنوط به الدفاع عن تلك السياسة أمام البرلمان.
ولا يجوز لرئيس مجلس الوزراء ـ على ضوء ما تقدم ـ الدفع بعدم تحقق مسئوليته السياسية أو القانونية تجاه أي اجراء تقوم به حكومته بزعم أن ذلك كان استجابة للرغبة أو الإرادة الأميرية، إذ أنه ـ وفقا لما قرره الدستور ومذكرته الإيضاحية ـ هو دون الأمير المسئول عن أعمال الوزارة، وأن اتيان الوزارة للأعمال محل المساءلة يعني أنه توفر بحقها إرادة ارتكابها وبالتالي تكون هي وحدها المسئولة عنها أمام مجلس الأمة.
وعلى فرض ـ والفرض غير الواقع ـ وجود رغبة أو إرادة أميرية لاتخاذ بعض الإجراءات محل المسائلة، فإنه كان على الحكومة في حال عدم موافقتها على تلك الإجراءات المطلوب منها اتخاذها أن تقدم استقالتها نأيا بنفسها عن المسئولية السياسية، أما وأنها لم تفعل، أما وأنها قامت بتلك الإجراءات فإنها تكون هي وهي وحدها المسئولة سياسيا وقانونيا عنها أمام المجلس.
ولو افترضنا جواز دفع رئيس الوزراء أو الوزراء بعدم مسئوليتهم عن الإجراءات التي قاموا بها بحجة أن هناك رغبة أو إرادة أميرية في هذا الشأن فهذا يعني هدما كاملا للنظام البرلماني الذي يقوم على الرقابة والمحاسبة من قبل النواب لأعمال الوزارة، باعتبار أن هذا الدفع ـ من قبل الحكومة ـ في أي وقت من الأوقات سيكون كافي لنفي المسئولية عنهم تجاه أي عمل يقومون به، وهذا بالتأكيد مخالف لقواعد المسئولية السياسية التي قررها الدستور.
وهو ما لم يكن غائب عن فطنة سمو الأمير حين أكد في تصريحاته الأخيرة للصحف بأنه من حق النواب محاسبة واستجواب من يشاؤون تحت قبة البرلمان.
وعليه فإن النتيجة المستخلصة من كل ما تقدم هي قيام وتحقق مسئولية الحكومة السياسية والقانونية عن جميع أعمالها ـ سواء ما كان منها محل المسائلة السياسية المطروحة الآن أو غيرها ـ وبالتالي عدم جواز دفعها أو تذرعها بانتفاء مسئوليتها في هذا الشأن.

الآن - رأي: فيصل اليحيى

تعليقات

اكتب تعليقك