يجب أن يرحل رئيس الوزراء بالكويت والبحرين كبداية إصلاح

زاوية الكتاب

هكذا يرى محمد الجاسم في استعراض لأوضاع الحكم في دول الخليج

كتب 9249 مشاهدات 0

الشيخ سلمان والشيخ ناصر

خليفة وناصر!

 
تثير الأحداث الأخيرة في مملكة البحرين أسئلة جدية حول مدى قدرة الأسر الحاكمة في دول مجلس التعاون على البقاء في السلطة، وحول قدرة تلك الأسر على التجاوب مع موجات التغيير، وحدود ذلك التجاوب، وحول الحد الأقصى 'للتنازلات' التي يمكن أن تقدمها تلك الأسر لمواطنيها من أجل استمرار حكمها. وعلى ضوء شعار 'الشعب يريد إسقاط النظام' الذي ردده بعض المتظاهرين في مملكة البحرين، وشعار إسقاط رئيس الحكومة الذي يتردد يوميا في الكويت مقرونا بمطالب تتصل 'بشعبية' منصب رئيس مجلس الوزراء، تثير الأحداث الأخيرة أسئلة جدية أيضا حول المدى الذي يمكن أن يصل إليه الحراك السياسي الشعبي المطالب بالإصلاح السياسي والذي بدأت تتوفر له قاعدة وطنية صرفة مدعومة 'بمظلة حماية' دولية تقلص، إلى حد كبير جدا، خيار استخدام القوة لقمع ذلك الحراك السلمي.

بالطبع لا يمكن إجمال الإجابة.. فلكل دولة من دول مجلس التعاون ظروفها الخاصة، بمعنى أنه ليس بالضرورة أن يتكرر في المملكة العربية السعودية أو في قطر أو في سلطنة عمان أو في دولة الإمارات العربية المتحدة أو في دولة الكويت، ما حدث في مملكة البحرين.. فلكل دولة ظروفها وأوضاعها الخاصة. فالانفتاح السياسي في الكويت بدأ قبل نحو خمسين عاما إلا أنه لم ينتقل إلى الدول المجاورة.. بل على العكس من ذلك فقد كان يتم تحريض السلطة في الكويت على التخلي عن الحكم الدستوري وتقليص مساحة حرية التعبير من قبل دول مجلس التعاون. ومع إقراري باختلاف الظروف الذاتية لكل دولة من دول مجلس التعاون فيما بينها من جهة، وفيما بينها وبين الدول العربية الأخرى من جهة ثانية، إلا أنه يصعب أيضا التقليل من احتمالات انتقال 'عدوى' الرغبة في التحرر التي نجحت، حتى الآن، في كل من تونس ومصر أيا كان مضمون وحدود تلك 'العدوى'.

ومهما قيل، في معرض الترويج لفكرة استقرار الأسر الحاكمة في الخليج، حول طبيعة العلاقة التي تربط تلك الأسر بالمواطنين، فإن هناك حقائق تتصل بالأوضاع الداخلية للأسر الحاكمة.. ففي الكويت يسود تنافس سلبي 'مزمن' بين عدد من الشيوخ على احتلال مواقع متقدمة في السلطة أدى إلى إضعاف السلطة المركزية لأسرة آل صباح، وفي البحرين تسيطر بوضوح إشكالية العلاقة بين ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان، وتؤثر على تماسك أسرة آل خليفة. وفي السعودية يسود القلق الجدي حول مستقبل أسرة آل سعود وتزاحم أمراء 'الصف الأول' على السلطة بعد الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وفي سلطنة عمان لا أحد يعلم ماذا سيحدث بعد انتهاء عهد السلطان قابوس بن سعيد حيث أن 'مشروع الدولة' هناك مشروع شخصي للسلطان قابوس الذي يتمتع بمكانة خاصة لدى الشعب العماني وفرت لنظامه ما يحتاجه من استقرار قد لا يتوفر حين تنتقل السلطة إلى خلفه. أما في قطر فإن الأمر لا يختلف كثيرا عن سلطنة عمان من جهة أن النهضة القطرية الحالية مرتبطة تماما بوجود الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وليس بمؤسسة أسرة آل ثاني ولا بمؤسسات المجتمع المدني. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة فإن الخلافات بين حكام الإمارات بعضهم ببعض تظهر بين تارة وأخرى، فضلا عن وجود خلافات داخل البيوتات الحاكمة في كل إمارة.

ما أريد قوله هو أن الأوضاع الداخلية للأسر الحاكمة في حد ذاتها في دول مجلس التعاون لا توفر حصانة دائمة لتلك الأسر، مما يجعل احتمالات تفككها بشكل ذاتي واردة جدا لاسيما إذا تداخلت مسارات الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح وتشابكت مع مسارات التنافس والتزاحم السلبي على السلطة بين الشيوخ كما يحدث حاليا في البحرين والكويت. وللتوضيح أقول أن هناك مطالب شعبية ملحة في البحرين بتنحية رئيس مجلس الوزراء ومثلها في الكويت بتنحية رئيس مجلس الوزراء أيضا كمدخل جدي للإصلاح.. لكن في البحرين والكويت يسعى بعض الشيوخ أيضا لإبعاد الشيخ خليفة بن سلمان والشيخ ناصر المحمد لأسباب لا علاقة لها بالإصلاح!

وإذا كان صحيحا القول بأن الأسر الحاكمة في الخليج لا تواجه حاليا مخاطر إزاحتها عن السلطة، وإذا استبعدنا أيضا احتمال مواجهتها لهذه المخاطر في المدى القريب، فإنه لا ضمانة لاستمرار تلك الأسر على المدى المتوسط أو المدى البعيد، بحسب أوضاع كل أسرة منها، لاسيما إذا أصرت تلك الأسر على إبقاء الإيقاع البطيء لمشروعاتها الضيقة للإصلاح السياسي والتي تأتي كرد فعل محدود وليس كمبادرة شاملة.

وإذا كان صحيحا أيضا القول بأن شعار 'الشعب يريد إسقاط النظام' لا يحظى حاليا بتأييد قاعدة شعبية عريضة في دول مجلس التعاون، فإنه من الخطأ الركون إلى الوضع القائم وافتراض انسحابه على المستقبل.

وبناء على ما سبق، ومن أجل ضمان استمرار الأسر الحاكمة في دول مجلس التعاون، أرى أنه أصبح من الضروري التحضير لانتقال الأنظمة في تلك الدول من الصيغة الحالية إلى صيغة نظام المملكة والإمارة والسلطنة الدستورية حيث يتم تقليص سلطات الأسر الحاكمة مقابل تعزيز نظام الحكم الديمقراطي بما يكفل الحفاظ على وجود الأسر الحاكمة، وبما يحافظ على مكانتها وكرامتها.

وفي تقديري الشخصي، فإن الأوضاع 'ناضجة' للملكية الدستورية في البحرين وللإمارة الدستورية في الكويت.. وإذا كانت مملكة البحرين تحتاج إلى نظام دستوري جديد ينقلها إلى نظام الملكية الدستورية من خلال تقليص سلطات الملك وتعزيز سلطات مجلس النواب، فإن دستور الكويت الحالي جاهز لتحقيق الانتقال إلى الإمارة الدستورية متى ما توفرت الإرادة العامة لتطبيقه على نحو صحيح وقلصت الأسرة الحاكمة من هيمنتها الواقعية على إدارة الدولة.

وإلى أن يتحقق الانتقال إلى تلك المرحلة في البحرين والكويت أولا، يبدو أنه لم يعد أمام أسرة آل خليفة في البحرين وأسرة آل صباح في الكويت سوى 'التضحية' بالرئيسين خليفة وناصر!

 

محمد عبدالقادر الجاسم-الميزان-مقال اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك