لا يستبعد فتنة بسبب سياساته

زاوية الكتاب

الجاسم: رحيل رئيس الوزراء ضرورة وطنية وبقاؤه سيكلف الكويت وطنيا وإقليميا

كتب 5532 مشاهدات 0



لي فات الفوت..!

في اجتماع الأسرة الحاكمة الذي عقد في شهر فبراير الماضي، كان منتظرا منه، بعد أن دار الحديث حول الحاجة إلى التغيير، أن يبادر ويضع استقالته تحت تصرف صاحب السمو، إلا أنه التزم الصمت وكأن الأمر لا يعنيه!

من الواضح أن هناك من يسعى إلى إقحام الكويت عنوة في أتون فتنة طائفية على إيقاع الأحداث الجارية في مملكة البحرين. إن اختلاف الآراء حول ما يجري في البحرين، وحول موقف الكويت من المشاركة 'العسكرية' في الدفاع عن استقرار نظام الحكم هناك، يجب ألا يرتكز على قاعدة الانتماء الطائفي.. علينا نحن كأفراد أن نقيم ما يحدث في البحرين وفق مبادئ وواقع، لا وفق مصالح وأكاذيب. إن حقيقة تفاصيل أحداث البحرين تائهة، لكن القدر المتيقن منها يتلخص في أن هناك في البحرين من يسعى لإسقاط حكم آل خليفة وإقامة نظام حكم جمهوري تابع لإيران.. وأن هناك أيضا من يسعى لإصلاح النظام السياسي وتطويره مع بقاء حكم آل خليفة.. وأن هناك قوى سياسية شيعية بحرينية استقوت واستثمرت 'مبكرا' في النزاع الطائفي وجعلته قاعدة لتحركها مدعومة، معنويا على الأقل، من إيران.. يقابل ذلك استقواء واستثمار 'لاحق' مماثل من قبل السلطة في النزاع الطائفي أيضا مدعوم بمظلة حماية من السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما أدى إلى تشكيل المشهد الحالي للصراع في المنطقة بوصفه صراع سياسي إقليمي (سعودي خليجي/ إيراني)، وبوصفه صراع طائفي إقليمي (شيعي/ سني) وهو ما أدى إلى تضاؤل أهمية فكرة إصلاح وتطوير النظم السياسية في المنطقة، وأدى أيضا إلى حلول الاصطفاف الطائفي العاطفي محل المواقف العقلانية.

والآن.. إذا كانت مملكة البحرين قد أصبحت حاليا الميدان الأول للصراع الإقليمي (السياسي/ الطائفي)، فهل من المحتمل أن تصبح الكويت الميدان الثاني لهذا الصراع؟

سبق لي في مقالات عدة أن ذكرت بأن الكويت هي فعلا ساحة صراع إقليمي، وبالتالي فإن تقريري اليوم بأن الكويت مرشحة لأن تكون الميدان الثاني للصراع الإقليمي هو تحصيل حاصل.. لقد تعززت قناعتي هذه من خلال متابعتي للمهرجان الخطابي الذي نظمه (الشيعة) يوم الأربعاء الماضي تحت راية (الفزعة للشعب البحريني)، والمهرجان الخطابي المضاد له الذي نظمه (السنة) تحت راية (الفزعة للبحرين). كما تعززت قناعتي من خلال ما يتم تداوله من معلومات بشأن تهديد نواب شيعة لرئيس مجلس الوزراء بالعمل على إسقاطه في حال أرسلت الكويت قوات عسكرية إلى البحرين، ومن خلال إعلان النائب وليد الطبطبائي عزمه والنائب محمد هايف استجواب رئيس مجلس الوزراء بسبب عدم إرسال القوات العسكرية. كما تعززت قناعتي حين قرأت العنوان الرئيسي لجريدة 'الدار' في العدد الصادر اليوم الأحد 20 مارس وهو ( 'الدار' تفتح ملف الاجتياح السعودي وممارسات النظام في البحرين)!

إن ما يهمني الآن هو العمل الجاد على الحيلولة دون انفلات الأمور في بلادي الكويت.. أقول هذا وأنا اضع في الاعتبار أن الوضع الراهن يسمح، مع الأسف، بتداخل واختلاط عناصر الأزمة المحلية التي تمر بها البلاد والمطالبات المستمرة بإقالة رئيس مجلس الوزراء، مع عناصر الصراع الإقليمي.. تداخل يستفيد منه رئيس مجلس الوزراء وهو في خضم 'تثبيت' نفسه على كرسي الرئاسة.. وأقول هذا وأنا أضع في الاعتبار أيضا حقيقة لا يمكن إنكارها أو التقليل من تأثيرها وهي أن رئيس مجلس الوزراء 'مستفيد' إلى أبعد حد من الدعم السياسي والإعلامي الذي يقدمه له أحد أبرز 'أدوات' الصراع الإقليمي المحسوب على الجانب الإيراني (كوهين).. وبالتالي فإنني لا أستبعد إطلاقا أن يعمد الجانب الإيراني، المستفيد من 'ضعف' الشيخ ناصر المحمد، المعزول خليجيا والمرحب به إيرانيا، إلى تأجيج الصراع المحلي/ الطائفي.. أو حتى القيام بأعمال إرهابية من أجل تعزيز خلط الأوراق والحفاظ على 'مكتسباتهم' المتمثلة في استمرار الحكومة الحالية.

إن علينا، كأفراد، أن نبتعد تماما عن كل ما من شأنه تأجيج الفتنة الطائفية في البلاد، (في الديوانيات، في الصحافة، في الانترنت، وفي الخطابات العامة). وأرى أنه لا مناص الآن من تشكيل حكومة جديدة برئاسة جديدة .. ليس فقط بسبب الاستحقاقات المحلية الصرفة التي تستدعي إقالة رئيس مجلس الوزراء، وإنما بسبب التداعيات المحتملة جدا للوضع الإقليمي والأخطار التي تحيط بالكويت ودول مجلس التعاون. إن الكويت اليوم في حاجة ماسة إلى حكومة مقتدرة ذات نظرة ثاقبة.. ولا أظن أن لدى الحكومة الحالية القدرة الذاتية ولا المؤسسية على إدارة أي أزمة قد تواجه البلاد. كما أن الميل السياسي نحو 'مهادنة' إيران، أيا كانت أسبابه، سواء عن دراية وتبصر أو نتيجة خضوع وتأثر، هذا الميل نحو إيران مضر بالمصالح العليا للكويت ودول مجلس التعاون. فنحن لا نقبل أن يرتهن قرار الحكومة في السياسة الخارجية عموما، وفي إطار دول مجلس التعاون وإيران على وجه خاص، باعتبارات تتصل بمصالح وارتباطات أشخاص يحيطون برئيس الحكومة ولهم القدرة على التأثير عليه.. كما لا نريد لهذا القرار أن يتأثر بأي شكل من الأشكال بوضع رئيس الحكومة على ضوء تحالفاته السياسية المحلية.

لقد تم تجريح رئيس الحكومة سياسيا في مجلس الأمة.. في الشارع.. في الديوانيات.. في المحاكم، فيما يحفل فضاء الإنترنت بالمطالبات المستمرة برحيله.. وهو يتعامى عن ذلك كله وكأن الأمر لا يعنيه، لكن الآن باتت تكلفة استمرار الشيخ ناصر المحمد كبيرة جدا على البلاد في ظل تنامي الصراع الإقليمي.. فعلاقاته وتحالفاته السياسية لن تسمح له بالتحرك إلا في اتجاه واحد.. وهذا الاتجاه لا يخدم مصالحنا العليا إطلاقا!
باختصار.. استمرار الشيخ ناصر المحمد في رئاسة الحكومة في الظروف الإقليمية الراهنة خطأ سوف يكلف الكويت الكثير الكثير.

الميزان-مقال اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك